قال لنا الأستاذ، وهو يحدّثنا في درس السيرة
النبوية:
علمتم مما سبق أن ستة من الخزرج أسلموا بعد أن عرض
عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته في موسم الحج من العام العاشر للبعثة.
فلما كان موسم الحج التالي كان فيمن أتى إلى مكة للحج من أهل يثرب اثنا عشر رجلاً
ممن دخلوا في الإسلام، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك بيعة
العقبة الأولى...
وقبل أن نكمل سرْدَ الأحداث، دعونا نتوقف عند
العددين: ستة، اثني عشر. إن أول ما يتبادر إلى الذهن عندهما، أن كل مسلم من المسلمين
الستة قد دعا خلال العام رجلاً آخر، وأتى به بعد عام مسلماً مؤمناً، فتضاعف
عددهم...
ثم قال شيخنا: إذا كانت تلك حال المسلمين الأوائل
من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الجيل القدوة لمن يأتي بعدهم، فلماذا تبقى
المعاصي منتشرة في مجتمعنا؟ ولماذا لا يزال الانحراف عن دين الله ممتداً فيما
حولنا على نطاق واسع، بل بين أبنائنا كذلك؟! لقد بدأت الصحوة الإسلامية منذ أعوام
طويلة، فإذا كان روّادها آنذاك بضع مئات فقط، وقام كل واحد منهم بهداية واحد في
العام، بحيث يغرس في نفسه معاني الإيمان والإسلام، ويعرّفه بواجبه في الدعوة إلى
الله... إذاً لأصبح عدد المسلمين المتمسكين بدينهم في كل عام ضعفي عددهم في العام
الذي سبقه. وبعملية حسابية بسيطة نجد أنه من الواجب أن يكون عدد الملتزمين اليوم
أضعافَ أضعافَ عددِهم الحالي. فلماذا لم يحدث هذا؟!.
تساءلنا جميعاً: فعلاً، ما السبب؟!
قال شيخنا الفاضل: السبب، يا أبنائي، في الدعاة
أنفسهم.
سأل أحدنا: كيف ذلك؟
أجاب الشيخ: لو تأملنا ما كان يفعله الصحابة رضوان
الله عليهم، لوجدنا أنهم إنما كانوا يدعون إلى دين الله، بدافع من طاعتهم لله،
وابتغائهم لمرضاته، فكانوا ينطلقون في أعمالهم بكل إخلاص، فيبارك الله فيها، فتؤتي
ثمارها الطيبة... أما دعاتنا اليوم فمنهم من يعملون للدعوة بإخلاص، لا يبتغون غير
مرضاة الله تعالى، لكن منهم من انزلق وراء المنصب أو الشهرة أو الجاه، أو غير ذلك
من متاع الدنيا الزائل... وهكذا تغيب النية الصادقة من قلوبهم، ويغيب الإخلاص من
أعمالهم، فلا تؤتي الثمار المرجوّة...
وسرحت بفكري بعيداً، وتذكرت بعض الممارسات السلبية
التي تصدر من بعض الدعاة، فيسيئون بذلك إلى الدعوة، ويجعلون الناس ينفرون منهم.
فمنهم مَن يستبدّ بآرائه ولا يقبل مناقشة فيها، فإذا خالفه أحد في رأي حاربَه ووضع
في سبيله العقبات، وشوّه صورته أمام الآخرين. ومنهم مَن لا يتقبّل نقداً لتصرفاته
إن أخطأ، فهو ينتقد أخطاء غيره ويسوّغ لنفسه ما يفعل. ومنهم مَن يأخذ الناس بالظن،
ويُلقي التهم جزافاً، وهو، هو نفسه، يعلّم الناس أن يتجنّبوا سوء الظن. ومنهم مَن
يقدّم الاعتبارات الحزبية الضيقة على معاني الدعوة الإسلامية السمحة، بل على معاني
الحب في الله، والولاء لدين الله، فتراه يخاصم أخاه المسلم إذا خالفه في أمور
اجتهادية، سياسية أو تنظيمية، أو إذا ترك جماعته وانضم إلى جماعة إسلامية أخرى...
ثم هو يدعو إلى التعاون والتقارب مع جهات أكثر بعداً عنه وعن دينه بحجة أن مصلحة
الدعوة تقتضي هذا...
وصحوتُ من شرود فكري على صوت أستاذي وهو يقول: لذا
كان من واجب الداعية أن يراجع نفسه بين فترة وأخرى، ليعرف أخطاءه، ويكشف الغطاء
الذي ران على قلبه كي يأتي بعمل نابع من قلب صافٍ، تتمثّل فيه معاني الحبّ في
الله، والنيّة الصادقة في طاعة الله، والإيثار، والتضحية في سبيل الله.
وبغير هذا لن نكون أهلاً لحمل مهمّة الدعوة إلى
الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق