حتى قيام الوحدة السورية-المصرية عام
1958م، كان المفهوم القومي لحركة البعث ينبع من إيمان عميق يشبه إلى حد بعيد (العشق
الصوفي)، في أن الوحدة العربية هي المهمة الأولى والوحيدة. وكان الحزب دائماً يعطي
مسألة الوحدة أهمية ورجحاناً معنوياً على الحرية والاشتراكية.
إلا أن تركيز الحزب على أهمية الوحدة
لم يدفعه بنظر التقرير العقائدي.. إلى صياغة دليل نظري يستبين الطريق إلى الوحدة ويرسم
أسلوب تحقيقها وضمانات حمايتها وتطورها. من هنا -كما يقول التقرير - يأتي ضعف الأسس
النظرية والعملية لوحدة عام 1958م، وبالتالي ضعف حمايتها من الانهيار والسقوط عام
1961م.
وفي مجابهة التحدي الشيوعي المحلي،
أعطى الحزب نوعاً من القداسة للاتجاه القومي، ومفهوماً مثالياً للقومية العربية فتح
المجال -كما جاء في التقرير- لتفسير مناف أحياناً للعلم ولتطور التاريخ، فتحولت القومية
العربية إلى مفهوم متحجر جامد.. واعتبرت القضية الاشتراكية فرعاً من القضية القومية..
مما طمس في أذهان البعض حقيقة الصراع الطبقي لمحتوى حقيقي ومنطلق نضالي أساسي للقومية
العربية.
غير أن المؤتمر القومي السادس يعتبر
دائماً أن الوحدة العربية نظرية أساسية في العالم العربي وواقع يحرك أعماق الجماهير
العربية من الخليج إلى لمحيط. ولكن المهم الآن هو تحديد أسسها السياسية ومضمونها الاجتماعي.
إن التجربة السياسية بين البلاد العربية
خلال فترة زمنية طويلة.. أوجدت -تدريجياً- فوارق واختلافات في الفكر الاقتصادي.. انعكست
في البنيات السياسية والاجتماعية والثقافية لكل قطر. وبسبب السيطرة والتدخلات الاستعمارية..
فإن الرأسمالية أو بالأحرى الرأسمالية العربية.. لم تستطع أن تنمو وفق متطلبات السوق
الرأسمالي.. بمعنى أن تزيل وتهدم الحدود والحواجز السياسية بين هذه البلاد.
فالوحدة العربية ليست تحريراً قومياً
فحسب وإنما هي أيضاً تحرر اقتصادي واجتماعي وقضاء على التخلف.. بمعنى آخر.. إن علاقة
الاشتراكية بالوحدة هي علاقة جدلية -على ذمة التقرير العقائدي- فالوحدة العربية.. حيث
إن مضمونها هو بناء الاشتراكية، تكوّن إطاراً بشرياً واقتصادياً أكثر ملائمة لمتطلبات
التحويل الجذري والشامل للوطن العربي.
باختصار: الوحدة العربية والاشتراكية
- بنظر المؤتمر القومي السادس- هما قضيتان متلازمتان من الناحية التاريخية والاقتصادية.
لهذا فإن الحركة القومية الوحدوية..
في مجرى تطورها الموضوعي.. سارت في اتجاه جديد.. وعملت على التخلص من السيطرة الاستعمارية
باعتبارها الموجدة والمكرّسة للتجزئة والمحافظة على بقائها.. ومن سيطرة الإقطاع كأسلوب
إنتاج متخلف وكطبقة سياسية عميلة.. ومن البرجوازيات كعامل تناقض سياسي وإقليمي بين
البلاد العربية.
وهكذا ففي الوقت الذي تحقق فيه الجماهير
الوحدة العربية.. تتجه وتسير في طريق الاشتراكية.. فإزالة البرجوازيات العربية يصبح
عندئذ الشرط الأول لإقامة الوحدة.. وهذه الوحدة تأتي إذاً في الظروف الحالية ضمن أفق
تاريخي اشتراكي صحيح وتعبّر بالتالي عن أمل الجماهير في التحرر الوطني والاجتماعي والاقتصادي.
كما يؤكد البيان العقائدي على أن بناء
الوحدة بين بلاد تركت التجزئة السياسية رواسب إقليمية ومصالح ضيقة.. يجب أن تأخذ بعين
الاعتبار هذه الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. على الأقل في الابتداء. وذلك
حتى تستطيع فيما بعد أن تتغلب عليها تدريجياً. وهذا يعني أن الوحدة يجب أن تقام على
مراحل. وإن إحلال الامتداد محل التفاعل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين مختلف التجارب
الثورية العربية.. يؤدي عملياً إلى تعميق التناقضات الإقليمية وإبرازها بشكل عدائي
ويهيئ الظروف لردة انفصالية كما حدث في 28 أيلول 1961م في سورية. وهي أكثر خطورة من
التجزئة ذاتها.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق