في مدينة حماة السورية كان مولد
الدكتور محمد علي الشواف سنة 1318هـ - 1900م، وقد التحق بمدرسة الطب بدمشق بعد
انتهائه من المرحلة الثانوية، وقد أنهى دراسة الطب فكان واحداً من أربعة أطباء
عرفتهم مدينة حماة، وهم على التوالي: د. صالح قنباز شهيد ثورة حماة ضد الفرنسيين
سنة 1925م، والدكتور خالد الخطيب الذي كان من طلائع الوطنيين السوريين الذين
التقوا الملك عبدالعزيز بعد سنة 1922م، والدكتور توفيق الشيشكلي الذي قدم الى
المملكة سنة 1934م وتشرف بلقاء الملك عبدالعزيز، وكان برفقته جميل مردم، وكانت
الغاية من زيارتهم هي تسوية أمر الحرب المشتعلة بين السعودية واليمن. وقد أحسن الملك
عبد العزيز وفادتهم، وكان عدد أعضاء الوفد بحدود تسعة أفراد، وتتصدر صورة الملك
عبد العزيز ومعه أعضاء الوفد السوري العديد من الصور الخاصة بالملك، والمعروضة في
الدارة، حيث كتب أسفلها: الملك عبد العزيز والوفد السوري، وقد أخذت الصورة في مخيم
الملك عبدالعزيز في وادي (ليا) في مدينة الطائف.
وبالنسبة للدكتور محمد علي الشواف،
فقد كان من كبار المجاهدين السوريين ضد الاستعمار الفرنسي في الثورة السورية
الكبرى، وطيلة الثورة كان من عداد المجاهدين القلائل الذين أشعلوا فتيل الثورة،
وقد أدركت قوات الاستعمار الفرنسي دوره المباشر في هذه الثورة فأصدرت بحقه حكماً
بالإعدام، مثل سائر إخوانه القادة المجاهدين، ومع تراجع الثورة وانتهائها قصد
الدكتور الشواف مع إخوانه المجاهدين القريات ووادي السرحان ليكونوا آمنين بجوار
الملك عبدالعزيز بعد أن طُردوا من الأردن عندما نزلوا منطقة الأزرق، ومن القريات
قصد الدكتور الشواف نجداً ليكون بجوار الملك عبدالعزيز كطبيب يعمل في الإدارة
الصحية في ذلك اليوم.
ومن خلال عمله بجوار الملك
عبدالعزيز حظي من الملك بكبير الوفاء على صدق الولاء منه للملك عبدالعزيز، مثل
سائر إخوانه الذين سبقوه للعمل في كنف وجوار الملك عبدالعزيز في بنائه لدولته
الناهضة، خاصة بعد توحيد الحجاز بنجد، ومن خلال عمله هذا وجد الملك عبد العزيز أن
الأمر يتطلب وجود طبيب للرمد في إدارة الصحة السعودية ذلك اليوم، فانتدبه مبتعثا
إياه للدراسة لهذا التخصص في طب العيون في تركيا وذلك سنة 1934م، فالدكتور الشواف
كان على صلة مباشرة مع الملك عبد العزيز، وذلك إنما كان برغبة من الملك عبدالعزيز
نفسه منذ فترة وصوله الى الرياض حتى سفره للدراسة والتخصص في تركيا.
بعد أن أنهى الملك عبدالعزيز
مشروعه الرسمي في تحديد الخريطة الجغرافية والسياسية للدولة السعودية، وبعد أن مضى
قدما في مشاريع الاصلاح والتطوير لبناء الدولة سواء على المستوى الداخلي في شق
الطرق وتأمين الخدمات الضرورية للنهوض بالبلاد، التفت الملك عبد العزيز إلى ما يخص
المواطن من خدمات سواء على مستوى التعليم أو الخدمات الخاصة المعنية بالأفراد
والتي منها مسألة الرعاية الصحية للمواطن السعودي، فمضى الملك في تطوير هذا القطاع
والمعني بشكل مباشر بالمواطن السعودي، فمن أجل ذلك افتتح دور الرعاية الصحية
والمستشفيات، وابتعث العديد من أبناء شعبه لدراسة الطب، وعلى الجانب الآخر فقد حرص
الملك عبد العزيز على التواصل مع الدول العربية وغير العربية، عن طريق اللقاءات
وحضور المؤتمرات الدولية الصحية، فكان الدكتور محمد علي الشواف أول من كلف بهذا
الأمر لتمثيل المملكة كمندوب في المنتديات الصحية الدولية.
وقد حفظت لنا جريدة أم القرى في
العديد من أعدادها ما يفيد بهذا الأمر، وبشكل خاص عن الدكتور محمد علي الشواف،
وكان أول لقاء دولي خاص بطب الرمد - العيون، قد شارك فيه د. الشواف في مدينة
القاهرة سنة (1356هـ - 1937م) بعد أن وجهت الحكومة المصرية دعوة رسمية للمملكة
لحضور المؤتمر والمشاركة فيه، فكان الدكتور الشواف هو مندوب المملكة لهذا المؤتمر،
فالأعداد الخاصة بجريدة أم القرى ذات الأرقام التالية: (634- 669- 674- 677- 684-
851- 1093- 1357) بها أخبار الدكتور محمد علي الشواف، فيما يفيد عن تكليف رسمي أو
تمثيل، أو خبر يحمل في ثناياه ما يفيد ذلك.. فعلى سبيل المثال، فإن العدد (674) في
جريدة أم القرى، يفيد بأن الدكتور الشواف قد ابتعثه الملك للسفر الى مصر تلبية
لرغبة مصر في المشاركة بمؤتمر الرمد لسنة 1937م، وعن هذا المؤتمر حفظت لنا مجلة
الرابطة العربية في عددها (80) الصادر في يوم الأربعاء 19 شوال 1356هـ - 22 ديسمبر
1937م والخاصة بالمؤرخ والصحفي أمين سعيد، كلمة المملكة العربية السعودية التي
ألقاها الدكتور الشواف في هذا المؤتمر، وعلى هامش هذا المؤتمر وبعد انتهائه كان
حكم الإعدام قد سقط عن الدكتور الشواف بعد اتفاقية سنة (1936م) بين سوريا وفرنسا،
وقد قصد الدكتور الشواف زيارة أهله في سوريا بعد انقطاع عنها دام اثنى عشر عاما
قضاها في جوار الملك عبدالعزيز، وقد حملت لنا ذلك مجلة الرابطة العربية هذا الخبر
في العدد (58) من المجلد الثالث الصادر في 6 جمادى الأولى 1356هـ 14 يوليو 1937م،
وقد جرى له استقبال رسمي وشعبي في مدينة حماة، ويومها قال شاعر حماة - العاصي -
الشاعر بدر الدين الحامد قصيدة رائعة في حفل استقباله، وكان مطلعها:
عُدتَ
كالسيفِ عزمةً ومضاءً
تملأُ
العينَ بهجةً ورُواءَ
فيكَ
من ساح الجهادِ سماتٌ
رافعاتٌ
إلى الفخارِ لواءَ
(وعليٌ)
قدْ كان أولَ ساعٍ
عنْ
وفاءٍ وعزةٍ لا مراءَ
|
ثم يمضي الشاعر في قصيدته سائلا الدكتور الشواف عن الحجاز وملكها الملك عبد العزيز فيقول:
هاتِ
حدثْ عن الحجازِ وأكرمْ
بربوع
الهُدى تراباً وماءَ
هاتِ
حدثْ فللحديثِ شؤونٌ
ومن
القول ما يكونُ وفاءَ
كيف
خلَّفتَ ليثها ورِجالاً؟؟
عرفوا
الدين عن هدي لا رياءَ
إن
(عبد العزيز) نورٌ من الله
مُبينٌ
يُبدد الظلماءَ
ملكٌ
يحفظُ الحقوق ويرعى
ذمةَ
الله جهرةً وخفاء
كلُ
صعبٍ عليه هينٌ إذا سَلَّ
تِلك
العزيمةَ القعْساءَ
نرتجي
به أنْ يكونَ ملاذاً
حقق
الله فيهِ هذا الرجاءَ
|
إلى أن يقول:
ألفُ
أهلاً ومرحباً (بعليٍ)
وكفى
فلستُ أحصي الثناءَ
|
هذا، وقد حظي الدكتور الشواف بسمو
المقام والتكريم عند الملك عبدالعزيز، ففي عدد أم القرى (851) قد حمل لنا خبر
الأمر السامي بتعيين الدكتور الشواف في مديرية الشؤون الصحية بالرياض، ثم تم
تكليفه من قبل الملك بإدارة الشؤون الصحية في المدينة المنورة في سنة 1940م، وفي
العدد (1093) من جريدة أم القرى حمل لنا خبر كلمة الدكتور الشواف بمناسبة افتتاح
مستشفى جلالة الملك عبدالعزيز في مكة بعد عودته من مصر ومشاركة جلالته حفل
الافتتاح سنة 1946م، وحتى آخر لحظة من حياته رحمه الله -أي الدكتور الشواف- كان
يشارك في مؤتمر صحي دولي بالإسكندرية سنة 1954م، ممثلا للمملكة، فقد أخذ حقنة
بنسلين وسببت له صدمة تحسسية أدت لوفاته سنة 1954م، فكان من السابقين لحاقا بالملك
عبدالعزيز.
إضافة لذلك فقد رافق طلائع القوات
السعودية المتطوعة الى فلسطين سنة 1948م، كما رافق صاحب السموّ الملكي ولي العهد
الأمير سعود بزيارته التاريخية الى سوريا سنة 1953م، وقد قلده رئيس الجمهورية
العربية السورية وسام الاستحقاق السوري.
وقد توفي تاركا وراءه ثلاثاً من
البنات، وخمسة من الأبناء، كانوا خلفا كريما لسلف عظيم، في خدمة بلدهم المملكة
العربية السعودية.
تلك هي لمحة من سيرة الدكتور محمد
علي الشواف التي عاشها في كنف الملك عبدالعزيز وفي جواره، عوضه فيها ما عاناه من
حياة الاغتراب والجهاد والبعد عن الأوطان والأصحاب والأهل والأحباب، ولكونه كان
على ما يبدو يلم بعطاء شعري ممزوج بشيء من الحنين، فقد كان يحن دائما لبلده حماة
حيث يقول في مطلع قصيدة له:
إلى
وادي حماة يحنُ قلبي
حنينَ
المرضِعاتِ إلى بَنيها
|
وهذا الشوق والحنين طبع متأصل في
قلب كل عربي ومسلم، وهو سمة من سمات العرب في حبها لأوطانها والحنين إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق