يحفل تاريخ السياسة والساسة بالكثير
من القصص عن تقديس بعض الزعماء، وأن هذا التقديس كثيراً ما يصل إلى حد العبادة، فلا
غرابة إذن أن نجد القرآن الكريم يتوقف طويلاً عند هذه الظاهرة من خلال عرضه المفصل
لقصة فرعون وصل به الأمر إلى ادعاء الربوبية منادياً في قومه : ( أنا ربكم الأعلى
) وقد ظننا أن مثل هذا التألي على الله عز وجل إنما هو حكاية فريدة في تاريخ السياسة
والزعامة، لكنها في الواقع ظاهرة تطبع تاريخ الكثير من الأمم والشعوب بما فيها تاريخنا
العربي، وارجع إذا شئتَ إلى تاريخ الحركات الفكرية والأحزاب السياسية والطوائف والفرق
المذهبية التي ظهرت في تاريخنا العربي تجد مصداق ما نقول !!
ويبدأ الغرق في وحل تقديس الفرد عادةً
من الفكر أو الإيديولوجيا التي تحكم فكر هذه الحركات والأحزاب والجماعات، هذه الإيديولوجيا
التي تدفع إلى التعصب الأعمى، ورفض النقد والمراجعة، وتولد النزعة العاطفية والحماسة
الرعناء، فهذه " الخلطة الشيطانية" هي التي تؤسس لتقديس الفرد، وتجعل الولاء
للزعيم مقدماً على الولاء للحزب أو الجماعة أو الطائفة !!
وقد تنبه لهذا الانحراف سلفنا الصالح
فلم يقعوا بمثل هذا المستنقع الآسن، وانظر مثلاً إلى مقولة الخليفة الراشد أبي بكر
الصديق رضي الله عنه حين واجه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( من كان يعبد
محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت !) وذلك مع حبه
الشديد للنبي، وحزنه الكبير على فقده، وعلى النقيض من هذا الموقف العظيم من أبي بكر
رضي الله عنه نجد الكثيرين ممن يحسبون اليوم على الثقافة العربية قد انغمسوا في وحل
تقديس الفرد إلى حد يدعو إلى الاستنكار والسخرية، خذ مثلاً كيف وصف واحد من رموز النفاق
البعثي هو مصطفى طلاس لرئيسه الهالك حافظ الأسد وهو كما يعلم الجميع واحد من فراعين
هذا العصر، فقد وصفه طلاس بصفات القداسة والحكمة رافعاً إياه إلى مصاف الآلهة، فقال
: هو (هيغل العصر)، وهو (منجم الجمال والكمال) وهو (أذكى الرجال في الشرق والغرب)،
وحركته التصحيحية في عام 1970 كانت لـ (تجليس الأشياء المقلوبة) ولم يقتصر هذا النفاق
على طلاس ورئيسه الهالك، فهناك (مثقف !!؟)
آخر أعلن قبل فترة على صفحته الخاصة بالفيسبوك أنه يعكف على وضع كتاب عن جواهر (الفلسفة)
في خطب رئيس عربي هالك آخر، وصرح المنافق الكبير أنه سوف يعرض في كتابه نظريات ذلك
الهالك كما وردت في الخطب التي ألقاها في المحافل الدولية والمحلية !!!
فهل نستغرب بعد هذا التقديس الفاقع
أن يقود مسيرة أمتنا اليوم جملة من الفراعنة الذين يصرخ واحدهم غاضباً : (أنا أو أحرق
البلد ) كلما طالبه شعبه بالإصلاح أو التنحي!!!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق