مضى عام كامل على اندلاع الثورة الشعبية
في الشام ضد نظام " البعث"، وطوال هذا العام لم أغادر المستشفى إلا نادراً
، فأنا الجرّاح الوحيد الذي بقي من جراحي المستشفى بعد ان اضطر الزملاء لمغادرة البلد
لأسباب مختلفة، ولا أخفي أنني مثلهم فكرت مرات عديدة أن أغادر البلد كما فعلوا لولا
أني رأيت مغادرتي تعني إغلاق قسم العمليات وترك المصابين يموتون يومياً بالعشرات بعد
أن اتسعت حوادث إطلاق النار من قبل أجهزة الأمن على المتظاهرين الذين يئسوا من التظاهر
السلمي ، وبدؤوا يستخدمون السلاح دفاعاً عن أنفسهم وعن أهليهم في مواجهة رصاص رجال
الأمن .
ليلة أمس فرغت من إجراء العملية السابعة
في وقت متأخر من الليل، فغادرت قاعة العمليات وأنا على وشك الانهيار من شدة التعب،
صعدت إلى غرفتي في الطابق العلوي من المستشفى، ولم أكد أخلع لباس العمليات حتى سمعت جرس هاتفي يرنّ،
رفعت السماعة فإذا به مساعدي زهير الطالب في كلية الطب الذي تبرع لمساعدتنا في هذه
الظروف بعد رحيل الجراحين، سألته عما يريد فطلب مني العودة فوراً الى قاعة العمليات
لوجود حالة طلق ناري في الصدر، فتوقفت عن خلع لباس العمليات، وتناولت على عجل قطعتين
من البسكويت مع كأس من الماء، لعلها تساعدني على الصمود وتدفع عني ألم الجوع، بعد ان
فاتني العشاء في مطعم المستشفى لتأخري في العمليات!!