أوضحت في مقالات سابقة لماذا الأديان على
اختلافها غير صالحة للحكم وممارسة السياسة وذلك بسبب تعدد الأديان والأعراق في
البلد الواحد، ناهيك عن أن الدين نفسه بات يحوي على العديد من المدارس والفرق وكل
واحد قد يصل لحد تكفير الآخر وتحليل دمه إذا لم يوافقه. والسؤال الذي كان دائماً
يحيرني لماذا تقول كتب تاريخنا عن الغزوات التي قامت بها الدولتين الأموية
والعباسية ومن بعدهما الدولة العثمانية أنها كانت (فتوحات)، وعن الغزوات التي تمت
على بلادنا أنها كانت (احتلال)؟ هل فقط لأننا عرب أو مسلمون، وهل هذا يكفي لنتفاخر
بها؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال لابد من الاشارة
أن كتب تاريخ الأمم التي غزتنا، وغزت غيرنا على السواء، تشير إلى العكس تماماً حيث
تصف غزواتهم بالفتوحات والانتصارات وغزواتنا وغزوات غيرنا لهم بالاحتلال والكوارث.
وإذا كنتم لاتعلمون، فهناك تمثال في مدينة (سمرقند) في أوزباكستان يخلد ذكرى
(تيمورلنك) الذي نعده نحن وكذلك يعده التاريخ كمجرم حرب بسبب المجازر التي ارتكبها
في حق، ليس العرب فقط، ولكن في حق كل الأمم التي غزاها كالهند والقوقاز
وأفغانستان. وهذا ينطبق على (هولاكو) الموغولي و(نابليون بونابرت) الفرنسي
و(الاسكندر المكدوني) وغيرهم. ولكن ماذا عن الجيوش الاسلامية، عربية أو غير عربية،
والتي توسعت في كافة الاتجاهات حتى وصلت إلى الصين شرقاً وإسبانيا غرباً وروسيا
شمالاً ونصف إفريقيا جنوباً؟ وهل ينطبق عليهم جميعاً مقولة المؤرخ الفرنسي (غوستاف
لوبان، 1841-1931) بأن التاريخ لم يعرف فاتحاً أعدل ولاأرحم من العرب المسلمين؟
لاأعتقد أن هذا صحيحاً إلا إذا كنا وكان جميع من سير تلك الجيوش من جنس الملائكة!
في الواقع، فأعتقد أن هناك قاعدة تصلح لكل
زمان ومكان وأمة، وهي أن (الهجوم على الآخرين في غير الدفاع عن النفس هو عدوان)،
ومن يقول غير ذلك هو في الواقع يخفي غاياته الحقيقية من الهجوم. فقد ادعى قادة
الحملات الصليبية أن الهدف من حملاتهم هو استعادة الأرض المقدسة، في حين يذكر
المؤرخون المنصفون منهم أن تلك الحملات كانت قد جهزت حينها لالهاء الشعوب الأوربية
الفقيرة عن مطالبة ملوكها وأمرائها بتحسين الظروف المعيشية علماً بأن الأرض التي
قالوا أنهم بصدد تحريرها، كانت أرضاً عربية محتلة من قبل الرومان الأوربيون قبل
الاسلام وحتى قبل المسيحية وحررها العرب منهم تباعاً بعد معركة اليرموك. ولكن وبالمقابل،
فان زحف الجيوش العربية الاسلامية إلى الصين شرقاً وإسبانيا غرباً بحجة نشر الدين
أو نصرة المظلومين كانت حججاً واهية الهدف منها هو توسيع النفوذ والسلطان على حساب
الآخرين ليس إلا، ولازلنا حتى يومنا هذا نعاني من كراهية الكثير من دول العالم لنا
كايران والهند والصين وأوربة وافريقيا. فالدين ليس بحاجة لتجريد السيوف أو نصب
المدافع لنشره، بل يمكن فعل ذلك عن طريق التواصل الحضاري من ثقافي وتجاري وسياسي
ودعوي، وماانتشار الاسلام في دول مثل اندونيسيا وماليزيا إلا خير دليل على ذلك.
ومن يعتقد أن معظم الخلفاء الأمويين أو العباسيين وولاتهم أمرائهم قد كانوا يبغون
(وجه الله) من وراء الجيوش التي سيروها شرقاً وغرباً، فعليهم أن يعيدوا النظر بذلك،
فما دفع أمثال هؤلاء للغزو أو القتل إنما الحكم والثروة وباختصار (الجشع) الذي هو
المحرك الرئيسي للانسان منذ فجر التاريخ.
طبعاً هناك عوامل إضافية يمكن أن تكون
الدافع للعدوان على الغير، مثل (العصبية) المذهبية أو العرقية، وأيضاً جنون العظمة
الذي قد يصيب القادة ويدفعهم لتحقيق مايعتقدون أنه قد يدخلهم التاريخ. وإذا أضفنا
لتلك العوامل (الانتقام) من دولة أو فئة كانت قد اعتدت على الغير، وتغيرت الظروف
وبات هذا الغير في موقع أقوى، فيقوم برد (الدين) وغزو من كان قد غزاه دون أن تكون
هناك نهاية لحلقة الانتقام والرد عليه. لاشك أن البعض سيبرر غزو العرب أو المسلمين
لغيرهم من الأمم أنهم أثروا تلك الأمم بعلومهم التي كانت سباقة لغيرها في ذلك
الحين، كما وتركوا صروحاً عمرانية ماتزال شاهدة حتى اليوم على عظمتهم وأفضل مثال
على ذلك الأندلس. حسناً فيمكن قول ذلك، ولكن يجب أن لاننكر أيضاً أن أحداً من تلك
الأمم لم يدعونا لغزوها أو البقاء فيها، ولم يحصل أن دعت أمة غيرها لتغزوها عبر
التاريخ أصلاً. ومن جهة ثانية، فحتى الدول التي غزتنا في الماضي كانت متفوقة علينا
بالعلوم والعمران وأثرت بلادنا بعلومها وصروحها العمرانية، وماتركه الرومان
والاغريق والعثمانيون وحتى الفرنسيون والبريطانيون حديثاً لأكبر دليل على ذلك.
برأي الشخصي فلا أعتقد أن الدين الاسلامي
اليوم هو المستهدف الأساسي من غزو بلاد العرب والمسلمين كما يتم الترويج له أو
العويل عليه، إذ أن زعامات الدول المعتدية علينا، شرقية كانت أو غربية، ماعادت
تقيم ذلك الوزن حتى لدياناتها. ماهي خلفه حقاً إنما خيرات البلاد من نفط وغاز
ومعادن وجغرافيا وأسواق وسيطرة، وماتلبيس الأمور بلباس الدين أو المذهب أو محاربة
الارهاب إلا لابعاد الشكوك عن الغايات الحقيقية. وأكثر من يساعد على غزو البلد هو
الحكم الديكتاتوري الذي يقتل ويظلم وينهب، وحين يثور الناس يتهمهم بالارهاب
ويستدعي القوى العظمى لمساعدته ليبقى حارساً أمينا لمصالح تلك الدول.
السؤال هنا: هل هناك نهاية لذلك؟ لاأعتقد،
إذ سوف تكون هناك دائماً شعوب ضعيفة ومتخلفة تدفع ثمن ضعفها وتخلفها بأن تقع تحت
حكم ديكتاتوري وبالتالي تكون هدفاً لمطامع الدول العظمى أو الاقليمية، وحتى ينجح
الديكتاتور بالاستمرار، فعليه إبقاء الشعب رازخاً تحت ثنائية (الفقر والجهل). أما
حين ترى الدول العظمى حاجة لتغيير الديكتاتور لأسباب (تجميلية) أو لكونها تشك
بولائه، فتغتاله أو تغزوه أو ترتب إنقلاباً عليه، ويبقى الشعب هو من يدفع الثمن في
كافة الأحوال.
***
(يسمح بالنشر
دون إذن مسبق)
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
السبت 10 كانون الأول، ديسيمبر 2016
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق