توفي الجمعة 25 تشرين الثاني، نوفيمبر 2016
الديكتاتور الكوبي (فيديل كاسترو) تاركاً خلفه ستة عقود من حكم تلك الجزيرة
الواقعة في البحر الكاريبي والتي لا تبعد أكثر من مئتي ميل عن شواطئ ولاية فلوريدا
الأمريكية. وقد رأيت وجوب إلقاء بعض الضوء على صفحة منسية من تاريخ العلاقات
الكوبية الأمريكية والأسباب التي أدت إلى العداء الطويل بين البلدين.
ينتمي (كاسترو) لأسرة من أصل إسباني هاجرت
إلى كوبا وجمعت ثروة من الاستثمار في الزراعة. دخل كلية الحقوق في العاصمة
(هافانا) وتخرج منها عام 1950 ليعمل في مكتب محاماة صغير. قام الجنرال (باتيستا)
بانقلاب عسكري عام 1952 بدعم أمريكي وفرض سياسة الحديد والنار مثله مثل أي
ديكتاتور آخر، وتحولت كوبا في عهده لجزيرة كازينوهات المقامرة والدعارة برؤوس
أموال رجال الأعمال الأمريكيين، ذلك أن المقامرة كانت ممنوعة قانونياً في أمريكا
في ذلك الوقت. قرر (كاسترو) وبعض رفاقه رفع السلاح في وجه الديكتاتور، فقبض عليه وحكم
بخمسة عشر عاماً ليخرج بعفو عام 1955 وينفى إلى المكسيك. عاد سراً إلى الجزيرة مع
أخيه (راؤول) ورفيقه (تشي غيفارا) ليبدأ حرب عصابات ضد نظام (باتيستا) حتى تمكن من
إسقاطه ودخول العاصمة (هافانا) عام 1959
وهرب الديكتاتور إلى البرتغال ومنها إلى إسبانيا حيث تم اغتياله عام 1973 ولم تعلن
أي جهة مسؤليتها.
كانت إدارة الرئيس الأمريكي (أيزنهاور) من
أول من اعترف بحكومة (كاسترو) ودعته لزيارة رسمية جرت بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى
الحكم واتسمت بالحفاوة والتكريم حيث استمرت لخمسة أيام اجتمع خلالها برجال أعمال
وسياسيين أمريكيين. لأسباب مازالت مجهولة، اعتذر (أيزنهاور) عن لقاء (كاسترو)
شخصياً بحجة أنه مرتبط بلعبة (غولف) وكلف نائبه حينها (ريتشارد نيكسون) بتلك
المقابلة والتي يعزو المحللون أنها السبب في تدهور العلاقات بين البلدين فيما بعد.
وقد تصرف (نيكسون) مع ضيفه كمن يوجه تعليمات لمن يعمل عنده، وحثه على طلب القروض
من البنك الدولي والتحالف مع الغرب في (الحرب الباردة) وترك الباب مفتوحاً أمام
الاستثمارات الأمريكية، وخاصة في مجال الكازينوهات والصناعة والزراعة، آخذين بعين
الاعتبار أن كوبا كانت حينها تؤمن 70% من احتياجات أمريكا من السكر، كما أن مصافي
البترول في كوبا كلها مستملكة من قبل شركات أمريكية. وجد (كاسترو) أن السير على
هذا الطريق يعني الاستمرار بنهج الديكتاتور الهارب (باتيستا) والتي قامت الثورة لتغييره،
فرفض ذلك وبدأ بأعمال التأميم التي ضربت المصالح الأمريكية في الصميم وأثارت عليه
غضب واشنطن لستة عقود قادمة.
قامت أمريكا عام 1961 بتخطيط من وكالة
الاستخبارات (سي أي ايه) وبمشاركة كوبيين معادين للحكم الجديد بغزو الجزيرة من جهة
(خليج الخنازير) لاسقاط حكم (كاسترو)، إلا أن المحاولة بائت بالفشل ولكنها دفعت
الأخير إلى الارتماء في أحضان الاتحاد السوفيتي لحمايته من جارته القوية وهذا كان
ماحصل. وقد فرض السوفيت على (كاسترو) تبني نظام الحكم الشيوعي لوضعه تحت حمايتهم،
كما ردوا على نشر أمريكا لصواريخ نووية في تركيا بنشر صواريخ مشابهة على الأراضي
الكوبية عام 1962 مما وضع القطبين على أعتاب حرب نووية مدمرة تم تفاديها بالسبل
الديبلوماسية حيث تم الاتفاق على تفكيك الصواريخ وإبعادها عن حدود الدولتين. حاولت
وكالة الاستخبارات الأمريكية إغتيال الرجل العديد من المرات، إلا أن كافة هذه
المحاولات لم تنجح إلا في جعل الأخير أكثر تحدياً وفي جعل الادارة الأمريكية أكثر
تصميماً على تضييق الخناق الاقتصادي على الجزيرة مما جعل المصالحة بين البلدين شبه
مستحيلة. كما وأن ذلك دفع (كاسترو) إلى أن يصبح أكثر تشدداً وقسوة في الحكم كما هي
الحال في كافة الأنظمة الشمولية حين يظن الديكتاتور أن الجميع يريد إغتياله ويفقد
الثقة حتى بأقرب المقربين منه. فتمتلئ المعتقلات والسجون وتصبح أعمال التعذيب
أمراً للتندر وتكثر المحاكمات الصورية والاعدامات الجماعية ويدخل الخوف إلى البيوت
والقلوب فيصبح (القائد) أقرب إلى الرب منه إلى البشر، في حين وبسبب الحصار، يعم
الفقر وتتوقف البلد عن التطور ومواكبة العصر لتصبح أشبه بمتاحف الأنتيكة
والمستحاثات.
في النهاية، يبدو أن قرار الادارة الأمريكية
حينها في معاداة وعدم إستيعاب الثورة الكوبية كان قراراً خاطئاً وضاراً للطرف
الأمريكي قبل الكوبي والدليل على ذلك أن إدارة (أوباما) هي التي بادرت مؤخراً إلى
مد اليد لجارتها وليس العكس، وهذا يقودنا إلى السؤال من جديد: لماذا اعتذر
(أيزنهاور) عن استقبال (كاسترو) ووكل نائبه (نيكسون) بتلك المهمة، وهو نفسه
(نيكسون) المعروف بالفساد والذي تم طرده بصورة مهينة من البيت الأبيض بعد ثبات
تورطه بفضيحة (ووترغيت) عام 1974. ولكن يبدو أيضاً أن الدول العظمى بحاجة دائماً
للأعداء لأنهم يتيحون لها ممارسة سياسات توفر مصالحاً لايتيحها ولايوفرها الأصدقاء،
والصورة التي اخترتها لهذا المقال والتي تصور (نيكسون) يصافح (كاسترو) وهو مغمض
العينين وكأنه يقول له: نحن لانراك ولانريد أن نراك.
***
(يسمح بالنشر دون إذن مسبق)
بقلم:
طريف يوسف آغا
كاتب
وشاعر عربي سوري مغترب
عضو
رابطة كتاب الثورة السورية
الثلاثاء
29 تشرين الثاني، نوفيمبر 2016
هيوستن
/ تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق