بمناسبة انعقاد "مؤتمر كازاخستان"
الذي دعت إليه موسكو للتفاوض حول الأزمة السورية بين ممثلي نظام بشار الأسد، وممثلين
عن "المعارضة السورية المعتدلة" كما تصفها روسيا، اتصل بي أحد أصدقائي ليخبرني أنه من المدعوين إلى
المؤتمر، وراح يدعوني ويشجعني للاشتراك بالمؤتمر الذي سيكون - حسب تعبيره - مؤتمراً
فاصلاً يضع حداً لإنهاء الأزمة ووقف معاناة شعبنا البطل !!
لكني اعتذرت ، فألحّ، فاعتذرت، فألحّ،
فاعتذرت، وعندما يئس من مشاركتي، سألني :
إذن بمَ توصينا ؟
قلت :
أوصيكم خيراً بثورة شعبنا .. إياكم
والتفريط بها،
وطرحت رؤيتي للمفاوضات قائلاً :
أعرف أن في كل مفاوضات سياسية تنازلات
يضطر لها هذا الطرف أو ذاك، لكن إياكم والتنازل عن دماء الأبرياء ودموع اليتامى والأيامى
، ومعاناة المشردين والذين راحوا طعاماً للبحر !!
فسارع صاحبي يقول :
أنا !!؟ مستحيل ! ألا يكفي أني فقدت
ثلاثة من أهلي ، ودفعت من عمري خمس سنوات في سجون الدكتاتور، فهل يمكن أن أتنازل أو
أفرّط في حقي وحقوق شعبنا ؟!
قلت :
هذا هو عهدي بك يا صديقي، وأنت تدرك
تماماً أن شعبنا لا يمكن أن يغفر لمن يفرّط في حقوقه
رد صاحبي :
صحيح، والثورة ثورتنا جميعاً ، ولن
نقبل ببقاء الدكتاتور، ولن يهدأ لنا ضمير إلا بعد أن نحاسب الذين قتلوا ودمروا وارتكبوا
الجرائم بحق شعبنا البطل الذي خرج مطالباً بالحرية والكرامة .
تنهد صاحبي تنهيدة خرجت من أعماق أوجاعه
، وعاد يسألني :
لا أكتمك أني قلق ومهموم بما بعد الثورة
، فما هو شكل سوريا التي تتمناها بعد الخلاص من الدكتاتورية والطائفية والفساد ؟!
وقبل أن أجيبه استأنف كلامه قائلاً
:
بعضهم يريدونها دولة علمانية ، وبعضهم
يصرّ على أن تكون دينية ... إسلامية ؟!!فماذا ترى ؟!!
قلت :
أشاطرك القلق يا صديقي فما بعد زوال
الدكتاتور ونظامه الفاشي يتوجب علينا الكثير من العمل، فالدكتاتور سوف يزول حتماً،
وسوف نجد أنفسنا أمام حرب تحرير جديدة للخلاص
من الميلشيات والجيوش الأجنبية التي استقدمها المجرم للدفاع عنه، وتحولت إلى
قوى احتلال!'
قاطعني صاحبي يقول :
لكني سألتك عن شكل سوريا المستقبل
.. كيف تراها ؟!
قلت :
أراها واحة للحرية والأمان ، وسوف
نبذل كل ما في وسعنا لتكون كذلك، وتعود سوريا التي نعرفها، سوريا التاريخ المجيد..
سوريا الياسمين التي كانت - عبر التاريخ - توزع على العالم نفحات المحبة والجمال والحرية
والكرامة ... نريدها أماً حانية تحتضن كل أبنائها دون تمييز ولد على ولد، نريدها أماً
تنشر المحبة بين أولادها وبناتها كما كانوا دوماً عبر التاريخ ...
وعاد صاحبي يلح بالسؤال :
وشكل الدولة ؟! هل تراها علمانية أم
دينية ؟
قلت :
لا هذه ولا تلك ، فنحن لا نريدها علمانية
تحارب عقائد الناس ، ولا نريدها دينية تتسلط على الناس باسم الدين، بل نريدها دولة
مدنية ديمقراطية، يتساوى فيها الجميع أمام القانون دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو
العرق، أو الطائفة
قال صاحبي وهو يتنهد بارتياح :
شكراً يا صديقي فلقد عبرت بصدق عما
في قلبي ، وأعاهدك أن تصل كلماتك إلى كل المشاركين بالمؤتمر، وأعاهدك وأعاهد ربي أن
لا نفرط بشيء من أهداف ثورة شعبنا العظيمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق