سئل "راشد الغنوشي" زعيم
حركة النهضة التونسية :
* هل الإسلام هو الحل ؟
فأجاب باستهجان :
* أي إسلام ؟!!
وتابع يقول :
* ليس بالضـَّرورة أن يكون اجتهادك
أنت وتصوُّرك للإسلام هو الحل، كأن تعتبر أنك حامل رسالة السَّماء، وميزان الحقِّ والباطل،
والناطق باسم اﻹسلام، وأنك مترجمه اﻷوحد، فما أن تمسك بالسُّلطة حتى تشـرع فـي فرض
رؤيتك هذه عـلى الناس، جاعلاً من اﻹسلام مشكلة، ﻻ حلاً! حركة النهضة ليست “كنيسة” لتقول
هذا هو اﻹسلام. ترجمة اﻹسلام هي نتاج تدافع اجتماعي عـلى مبدأ الحريَّة.
اﻹسلام دين
موجَّه إلـى اﻷحرار ذوي العقول. من ﻻ عقل له ﻻ حريَّة له وﻻ دين. نحـن نثق فـي الناس،
فـي عقولهم وحريَّتهم. ليس من مهام الدَّولة فرض نمط معيَّن من الحياة، فتتدخَّل فـي
ملابس الناس، وما يأكلون، وما يشـربون، وما يعتقدون، وفـي مساكنهم. وظيفة الدَّولة
أن توفِّر إطاراً عامَّاً للمجتمع يتعايش الناس فيه، ويبدعون، ويتعاونون، ويتدافعون،
حتى يتبلور اﻹسلام لديهم كرأي عامٍّ وثقافة عامَّة. أما الإسلام الذي تفرضه الدَّولة
بأدوات القمع فإن الناس يتفلتون منه. مَن يتديَّن خوفاً مِن الدَّولة منافق، ونحن ﻻ
نريد أن نحوِّل التوانسة إلـى منافقين)
ليس هذا الطرح من الغنوشي جديداً على
الساحة الإسلامية، فقد سبق أن طرحه في مناسبات عدة، بل لم يكتف بهذا الطرح النظري وإنما
أقدم على فصل السياسي عن الدعوي في بنية " النهضة" التي يتزعمها، ولا ريب
بأن هذا الموقف من الغنوشي يشكل رؤية جديدة في الفكر الإسلامي المعاصر، وهي رؤية تلامس
بل تكاد تطابق الرؤية العلمانية للعلاقة بين الدين والدولة ، أو بين الدين والسياسة،
ونلمح في هذه الرؤية إشارة صريحة إلى تحول نوعي في توجّه واحدة من أبرز الحركات الإسلامية
المعاصرة !!
علماً بأن هذا "الطرح الغنوشي" ليس
هو الوحيد وليس هو الأول من نوعه، فقد صدرت في الآونة الأخيرة طروحات عديدة من إسلاميين
آخرين راحوا يعزفون على الوتر نفسه ، ما يشير إلى تغير جديد في الفكر الإسلامي المعاصر
.. تغير تشوبه صبغة علمانية لا تخطئها عين الباحث المدقق !!
ولا غرابة أن تدهش هذه الطروحات معظم
المراقبين للحراك الإسلامي المعاصر لأن هذه الطروحات تأتي بعد عقود طويلة ظل فيها الإسلاميون
يرفضون العلمانية ولا يرون فيها حلاً، بل عدواً للدين!!
ويزداد الدهشة اليوم أكثر فأكثر مع تزايد
عدد الإسلاميين الذين ينحازون إلى مواقف الغنوشي وأمثاله، معبرين عن ذلك بمواقف مهادنة
للعلمانية مخرجين إياها من خانة العداء للدين إلى خانة تعتبرها حلاً ممكناً لما تعاني
منه الأمة من صراعات منشؤها اختلاط السياسي بالديني !!
ويحاول بعض الإسلاميين دعم مواقفهم هذه بمواقف
الأنبياء عليهم السلام الذين قال أفضلهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم : (أنتم أعلم بشؤون
دنياكم ) فقد رأى بعض الإسلاميين في هذا البيان النبوي دلالة على أن الإسلام يعطي البشر
مساحة واسعة من الحرية لكي يسيروا حياتهم بما يرونه أنسب للعصر ، ويدعم بعضهم هذا الادعاء
بالقاعدة الأصولية التي اتفق عليها الفقهاء : (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان
والأحوال ) والظاهر أن هذه المعاني هي التي استلهمها الغنوشي في تصريحه آنف الذكر ،
وفي مواقف أخرى يدعمها بالنصوص من القرآن الكريم التي تقرر حرية التدين والعقيدة، منها
قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين) والنصوص الأخرى التي تبين أن مهمة الأنبياء هي البلاغ
بالدين وليس فرض الدين على الناس بالقوة كما ورد في الآيات التي يوجهها الله عز وجل
إلى أنبيائه ( إنما عليك البلاغ .. لست عليهم بمسيطر... لست عليهم بوكيل...)
مما يعني في نظر الغنوشي ومن سار على
دربه من الإسلاميين المعاصرين أن رسالة الإسلام الخاتمة كانت أسبق من فلاسفة العلمانية
إلى عدم فرض وصاية الدين على الناس، وإعطاء الناس الحق في تنظيم شؤون حياتهم دون توريط
الدين في ذلك .. فتأمل !!؟
د. أحمد محمد كنعان
ookanaan.am@hotmail"com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق