إنّ السلاح الثابت الذي يقلدك إياه
إيمانك، وينبغي أن تتقلّده، أيها الداعية، هو الالتزام بأوامر ربك، الذي آمنت به
رقيباً عليك، ومسجلاً لأعمالك، ومجازيك عنها، وقادراً على نصرتك إن أطَعْتَه،
وخذلانك إن عصيته. ألستَ تدعو الناس إلى طريق الله، فكيف تلومهم إذا خالفوا مقالك
واتبعوا حالك؟ تقول لهم: اذهبوا من هنا، وأنت ذاهب من هناك. فكيف يصدقونك وأنت
تكذّب نفسَك، وتأتي على حجتك بالنقض والإبطال؟ إن لسان الحال أقوى من المقال، لأن
التطبيق العملي أوقع في النفس من النظريات والادعاءات.
ألستَ تقول لهم: إن دعوتك أحسن دعوة؟
فكيف يوافقونك وأنت مخالف لها؟ ألستَ تقول لهم: إن تجارتك أربح تجارة؟ فكيف
يتاجرون بها وأنت متاجر بسواها؟.
إنّ رسولك الكريم، عليه أفضل الصلاة
وأتم التسليم، عَرَفَ بوحي ربه وتعليمه كُنْهَ هذه النفس البشرية، فعرف فيها
إعجاباً بالمثال، وانبهاراً بالتجربة، وامتثالاً للعمل، فكان عليه الصلاة والسلام
أول عامل أمام أصحابه، وأول مقاتل أمام جنده، وأول منفذ أمام أتباعه فصدَّقوه
قولاً وعملاً.