بعد يوم عمل طويل، عدت الى البيت فوجدت أولادي الثلاثة ينتظرون عودتي،
وقد أعدوا أنفسهم للخروج، ولأني كنت متعباً من العمل فقد كدت أن اعتذر لهم، لولا أنهم
قاموا إليّ وراحوا يمطرونني بالقبلات وعبارات رقيقة جعلتني في حرج من أمري، وبادرتني
ابنتي برغبتهم للذهاب إلى زيارة "معرض الكتاب" وهم يعلمون شدة ولعي واهتمامي
بالكتب، ويعلمون تماماً أنني لا يمكن أن اعتذر عن دعوة مغرية كهذه مهما كنت متعباً!
وفي الواقع أحسست بسعادة غامرة وأنا أرى في عيون أولادي هذه الرغبة
إلى الكتاب والقراءة، وخامرني إيمان عميق وأمل كبير بمستقبل أمتنا العربية مادام فيها
هذا الجيل المتعطش للكتاب والقراءة .
وفي الطريق إلى المعرض لم يخامرني شك بأن المعرض سيكون حافلاً بالكتب
التي تتحدث عن الثورات العربية التي انطلقت في سياق الربيع العربي الذي نعيش فصوله
هذه الأيام، وتوقعت أن اجد الكثير من دواوين الشعر الوطني الذي يمجد بطولات شهداء هذا
الربيع الذين سقطوا في مواجهة الدكتاتورية والفساد، وعزمت بيني وبين نفسي أن أبتاع
كل ما أجده من هذه الدواوين لكي أقرأها على مسامع أولادي وأحضهم على حفظها وإنشادها
ونشرها في مدارسهم!
ووصلنا المعرض ، ففاجأناعند مدخله نصب نعش صغير مكتوب عليه عبارة
" القارئ العربي" في تشكيل رمزي ذكي من منظمي المعرض لتحريض الزوار على القراءة
بعد أن كسدت سوق الكتب في البلدان العربية!
ودخلنا المعرض وبدأت أتصفح عناوين الكتب الجديدة فلفت نظري انتشار كتب
الروايات فشعرت بالسعادة لأني وجدت الكتب التي أفضل قراءتها عادة، وزاد في سعادتي أني
وجدت معظم الروايات المنشورة هي من تأليف روائيات عربيات، وقلت في نفسي : الحمد لله
أننا أخيراً بدأنا نرى أدباً عربياً نسائياً يدافع عن حقوق المرأة العربية، فالمرأة
هي خير من يعبر عن مشكلات المرأة، ولا شك بأن ظهور هذا العدد الكبير من الروائيات العربيات
يبشر بأدب نسائي يخرج قضايا المرأة العربية إلى الضوء تمهيدا لاستعادة حقوقها المسلوبة
وتحريرها الكامل من ربقة الذكور، غير أن سعادتي بهذا الأدب النسائي لم تدم طويلاً،
فقد صدمتني عناوين هذه الروايات تفوح منها رائحة الجنس والشذوذ إلى درجة الفجور، وكانت
صدمتي أكبر عندما رحت أتصفح بعض الروايات فوجدتها تذخر بالمشاهد الجنسية الصادمة، والعبارات
الداعرة المبتذلة، وأستميحكم عذراً قراءنا الكرام بعرض أحد المشاهد التي وردت في إحدى
الروايات لتروا مدى التردي الأخلاقي الذي بلغته هذه الروايات :
"لا تخافي. لن أؤذيك". قال
هذا الرجل الحريص على إغرائي لم يكن يخيفني. لم أكن أرغب فيه، وإنما
أريد استخدامه فقط. غير أن طريقته في التقرب مني أزعجتني. التصقت به، فـأحسست ب....
ينتصب. داعبني طويلاً وهو ينزع ملابسي، ثم أزال ملابسه بسرعة كما لو أنه خشي أن أتراجع
وأغير رأيي. اجتاحتني رغبة في طمأنته غير أني لم أفعل. أمسكت --وه في يدي، تدفعني رغبة
في معرفة شكله. تمدد فوقي. انتظرت متصلبة، لكن شيئاً لم يحدث. العضو الذي أمسكت به
قبل قليل تغير تماماً. انكمش على نفسه ذابلاً. أحسست بالراحة والدهشة في نفس الوقت.
لم أتمالك نفسي من الضحك. فقال لي: "هذه أشياء تحدث. سنحاول مرة أخرى". لكني
أوقفته عند حده، عازمة على عدم المحاولة"
وهذه فقرة أخرى وردت على لسان بطلة رواية أخرى تستخف بكل المبادئ والقيم،
تقول فيها: "علمتني ماما ... عليّ أن أحتفظ ببكارتي لزوجي. غير أني لم أكن أولي
هذه البكارة أية أهمية ضداً على كل المبادىء التي تلقيتها. لم تكن البكارة تعني لي
سوى حاجز يجب اختراقه لدخول عالم الكبار" بذرة التمرد تنمو، وتخلق أسباب الحنق
على الآخرين"
وبالرغم من الصدمات المتلاحقة التي تلقيتها وأنا أتصفح أوراق هذا الأدب
الفضائحي، أقول بالرغم من هذه الصدمات ظل الأمل في قلبي كبيراً بجيل جديد سوف يولد
من رحم الربيع العربي، جيل سوف يسطر أدباً جديداً عنوانه الحرية، جيل لا يخشى الخوض
في أي موضوع مهما كان حساساً بما فيه موضوع
الجنس أو الدين أو غيره، أدب يتنفس الحرية، ويستهدف رفعة الأمة وكرامتها .
همسة أخيرة : أسرُّها في آذان أديباتنا العربيات أن ينتبهن للفخ الذي
ينصب لهن من قبل بعض نقاد الأدب المشبوهين الذين يرفعون من قيمة هذا الأدب الداعر ويصورونه
بأنه هو الأدب الحقيقي الذي تحتاج إليه المرحلة، ويخلعون عليه الجوائز في محاولة خبيثة
لإغراء أديباتنا بكتابة هذا الضرب من الأدب، في الوقت الذي تعاني فيه المرأة العربية
من مشكلات مزمنة هي أهم بكثير من مشكلة الجنس والعلاقات المحرمة والشاذةالتي نقرؤها
اليوم في أدبنا النسائي، كما أن أمتنا تعيش اليوم حالة مأساوية من التخلف والتبعية
والاستبداد، وتتعرض لتحديات عظيمة في الداخل والخارج وهذه كلها قضايا تستحق أن تكون
مواضيع للأدب، وليس موضوع الجنس والشذوذ الذي صدمني في هذا المعرض !!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق