الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-02-09

المُخدِّرات والمُسكِرات والتلِفونات المحمولة ... أوجه التشابه والاختلاف – بقلم: طريف يوسف آغا

ليس من الصعب على كل من يجيد اللغة العربية أن يلاحظ التشابه بين تلك الكلمات الثلاثة في عنوان المقال، وهو أنها بصيغة الجمع وتنتهي بالألف والتاء، ولكن ولمن لايملكون قوة الملاحظة، فان أوجه التشابه فيما بينها في الحقيقة يتجاوز ذلك بكثير.

     الإدمان: وهو الذي يمكن تعريفه ببساطة بالتعود على مادة بحيث لايعود في الامكان تركها بدون علاج أو جهد، وفي حال تم منعها عن صاحبها، يصاب بحالات من الهيسيتيريا أو تصدر عنه تصرفات غير طبيعية. الادمان في حالة المخدرات والمسكرات، ومعهما التدخين أيضاً، ينتج عن حاجة الدم لها. أما في حالة التلفونات المحمولة، التي اخترعت وطورت لجعل حياتنا أسهل،  فقد استعملها الكثيرون بالطريقة الخطأ لتصبح (عادة سيئة) فيها كافة مواصفات (الادمان)، والدليل إمساك مستعمليه له على مدار الساعة حتى أصبح وكأنه جزء لايتجزأ من يدهم.
     الضرر الصحي: ضرر المخدرات والمسكرات، وأيضاً الدخان، ليس سراً ويعرف المدمنون قبل غيرهم. ويمكن اختصار أخطر تلك الأضرار باستهدافها للجهاز العصبي والمناعة والتنفس عموماً، بالاضافة للكبد في حالة المسكرات خصوصاً. أما بالنسبة للتلفونات المحمولة، فهي أيضاً تستهدف المدمنين عليها من حيث تأثيرها السلبي على حاسة السمع والبصر والجهاز العصي ومفاصل اليد والرقبة وغيرها. بالاضافة لذلك فهي تسبب الاجهاد لاستهلاكها للأوقات التي يمكنهم أن يمضوها في الراحة الجسدية، وبدلاً عن ذلك يمضونها يتحدثون في أمور غالبها بلا معنى ولافائدة، أو ينشرون صورهم وتعليقاتهم على مدار الساعة، ويلهثون خلف الاعجابات وغيرها.
     الضرر الاجتماعي: تنظر كافة المجتمعات لمدمني المخدرات والمسكرات بنظرة فيها مزيج من الاشفاق والقرف، فلا أحد له مصلحة في مصادقة أو الاقتراب من هؤلاء، وبالتالي فهم يعشيون تحت شعور بأنهم منبوذون من محيطهم، غير مرغوب بهم، وأنهم بحاجة لعلاج طبي ونفسي قبل أن يقبلهم المجتمع من جديد. أما بالنسبة لمدمني التلفونات المحمولة، فهم أضاً يواجهون مشكلة إجتماعية مشابهة، فهم وأينما كانوا، في بيوتهم أو في زيارات أو أماكن عامة أو حتى خلف مقود السيارة، فهم (ملتصقون) بتلفوناتهم ولايستطيعون التوقف عن استعمالها. وبالتالي يعرضون أنفسهم لخطر الحوادث فيما إذا كانوا خلف المقود، ويعزلون أنفسهم عمن حولهم، عائلة أو أصدقاء، ويضعون أنفسهم في خانة (عدم الوجود) وبالتالي يفقدون علاقاتهم الاجتماعية مع محيطهم الواقعي على حساب مجتمع الانترنت الافتراضي. وهذا في غاية الخطورة لأنه سيجعلهم مع الوقت أشبه بأشخاص آليين بلا عاطفة ولامشاعر إنسانية.
     الضرر الاقتصادي: لاشك أن مدمني المخدرات والمسكرات يصرفون أموالاً طائلة على شرائها وعلى العلاج الذي سيلزمهم للتخلص منها فيما بعد. فهم إن كانوا أثرياء، فسيفقدون أموالاً كان يمكن توظيفها في استثمارات مختلفة، وإن كانوا معدمين، فهم سيفقدون أي أمل لهم في مستقبل جيد باعتبار أنهم سيصرفون جل مالديهم لممارسة ذلك الادمان، وبالتالي سيضطرون لقبول أي وظيفة مهما كانت تافهة وغير مجزية لاشباع إدمانهم، هذا إذا وجدوا أي وظيفة تقبلهم وبالتالي إمكانية تحولهم إلى لصوص ليشتروا هذه المواد. أما بالنسبة لمدمني التلفونات المحمولة، فهم إذا وصلوا لمرحلة لايعودوا معها بقادرين على تركها من يدهم، فهم سوف يطردون من أي وظيفة كما ولن يكون بامكانهم التركيز على أي شئ وبالتالي سينتهون معوزين وبحاجة الآخرين للصرف عليهم.
     الانكار: كل من يدمنون المخدرات والمسكرات، وحتى التدخين، ينكرون أنهم مدمنون وأن بامكانهم التوقف على التعاطي بهذه المواد في أي وقت يريدون. وهذا الانكار ينطبق أيضاً على مدمني التلفونات المحمولة، فأنا لم أوجه تلك التهمة لأحدهم إلا وأنكرها وسخر منها. ومن جهتي فأنا أتوقع في وقت قريب للغاية أن تظهر عيادات طبية لعلاج إدمان التلفونات المحمولة، إسوة بتلك المخصصة لعلاج إدمان المخدرات والمسكرات، والمسألة مسألة وقت ليس إلا.
     في النهاية، فاني أرى أن مدمني التلفونات المحمولة هم في واقع الأمر مختطفون من قبل تلك الأجهزة الصغيرة الحجم التي اخترعت لتجعل حياتنا أسهل، ولكن تم استعمالها بطريقة جعلت حياة ومستقبل المدمنين عليها يتعرضان للخطر، وبالتالي باتوا غير قادرين على القيام بأي عمل مفيد، تماماً كما تفعله المخدرات والمسكرات بالمدمنين عليها. من جهتي، فهذا الأمر يذكرني بأفلام الأرواح الشريرة التي تتقمص البشر وتسلب إرادتهم، وبالتالي فكلما وقع بصري على الهواتف المحمولة أقول لها: دستور ياأسيادنا، لانؤذيكم ولاتؤذونا.    
***
(يمكن نشرها دون إذن مسبق)
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
هيوستن / تكساس
الاثنين 24 ربيع الأول 1437 / 4 كانون الثاني، جانيوري 2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق