الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-10-17

الحسين يُلهم الثورة السورية – بقلم: د. أسامة الملوحي

بسم الله الرحمن الرحيم
لن نفوت ذكرى الحسين في عاشوراء وسنتحدث عن الحسين في يوم عاشوراء حديثاً ثورياً مُلهماً.
"إني لم اخرج بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً, وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله"
هذا هو أهم وأشهر قول للحسين قاله عندما خرج إلى العراق معترضاً ثائراً مصراً.
كثيرون ومن أصناف شتى اشتركوا وأسهموا عبر مئات السنين في الوضع والدسِّ في الروايات والكتب التاريخية التي تحدثت عن التاريخ الاسلامي الأول بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبلغت الذروة في ذلك مرويات خروج الحسين إلى العراق ومقتله.

ورغم التطرف الشديد في هذه المرويات فإنها لم تنكر إقرار الحسين وسكوته عندما تنازل أخوه الحسن لمعاوية وأقر له بالخلافة ولم تسجل هذه المرويات تمرداً من الحسين على معاوية أو ثورة.
ولكن المرويات من كل نوع ومن كل اتجاه جزمت أن الحسين اعترض على خلافة يزيد بن معاوية ورفض الاذعان لها أو الاعتراف بها.
وأصرَّ الحسين على رفضه وعلى تمرده إصراراً شديداً ملفتاً, ولم يتوقف إصراره عند إنكار القلب أو إنكار اللسان بل جاوزه إلى التمرد المسلح ....لقد قرر الحسين التمرد المسلح وخطط له وحاول ترتيب أسبابه.
ورغم تعثر الأسباب و تفرق الأنصار فقد أصرَّ الحسين على المواجهة, وإصراره بلغ حداً جعل بعض الدارسين يصفونه بالانتحار.
أرسل الحسين ابن عمه فأخذ من ألوف في الكوفة وغيرها الوعد والعهد أن يحتشدوا ويقاتلوا تحت قيادة الحسين.
 وعندما خرج الحسين من الحجاز باتجاه الكوفة إليهم حاول كل من كان على قيد الحياة من الصحابة وكل التابعين في الحجاز أن ينصحوه ويمنعوه, واجتمع العبادلة الثلاثة على ذلك وذكّروه بما كان من تخلي أهل الكوفة والبصرة عن أبيه, و قال له عبد الله بن عباس :يا ابن عم ارجع... فلو صدق أهل الكوفة في وعدهم لك لخلعوا الأمير الذي ولاه يزيد عليهم ....
ولكن الحسين لم يُصغ لأحد وأصرَّ على ما في ذهنه وقلبه وكأن هناك هاتفاً  في نفسه أقوى من كل الذين نادوه وخاطبوه لينثني.
لقد كان في ذهن الحسين ما هو أكبر من موقفٍ تجاه شخص أو ردة فعل ضد اساءة شخصية أو مصلحية....كان في ذهنه كما قال "الإصلاح في الأمة".
وكل ما ورد عن هجوم واعتراض من الحسين على شخص يزيد بن معاوية ضعيف لا يرقى إلى الصحيح ولا يرقى إلى خلق الحسين وطبعه.
وكل ما ورد عن خروج الحسين ليسترجع ملكاً اُغتصب منه أو حقاً موروثاً لسلالته اُنتزع منهم لهو ضعيف مردود ولا يرقى لموقف الحسين وثورته بل يعاكس تماماً ما خرج الحسين من أجله.
ولكن ما هو بالتحديد هذا الاصلاح الذي ذكره الحسين؟...
إنه الإصلاح ضد الثوريث, لقد خرج ضد فكرة الثوريث...خرج ضد تكريس المُلك العضوض....خرج وتمرد ورتب لثورة مسلحة ضد أمر عظيم خطير يمس المبادئ والأسس والأركان...
إنه: "إلغاء أمر الله بالشورى" لقد خرج محاولاً أن يصدَّ ويردّ نهج ترك الشورى,
فإلغاء الشورى في أهم أمر يخص الناس وهو اختيار القيادة العليا لهو شرخ خطير عميق في رأس الهرم سيمتد من رأس الهرم لقاعدته...فأمر الله بالشورى ثابت راسخ محكم لا يُنسخ ولا يلين.
 "وأمرهم شورى بينهم" فإن سمح الناس باستثناء اختيار رأس الدولة من الشورى فماذا بقي لهم ليتشاوروا فيه من بعد ذلك .....أيتشاورون في اختيار نوع ملبسهم ومأكلهم مثلاً.
تطبيق النبي للشورى لم يستثن فيه أبداً أمرا هامّا يخص المسلمين وليس فيه وحي, ولم يستشر مرة إلا وأخذ برأي الشورى.
لقد كان الحسين صاحب علم غزير...علم سبق به أقرانه ...علم أيقن من خلاله أن ترك الشورى إنما هو ترك لأساس من أسس الدين ولعل الحسين قد رأى الشورى الركن السادس بعد أركان الاسلام الخمسة...فاعترض وحشد وقاتل ....
حتى عندما علم الحسين بتخلي الناس عنه استمر على موقفه ورأيه وقاتل بقلة قليلة من أصحابه و آل بيته وقد كان بإمكانه أن يتراجع ويعود أو يلتف ويفلت ولكنه لم يفعل....لقد كان موقفه الصلب الشديد كموقف أبي بكر الصديق الذي سبق علمه الجميع في تلك اللحظة الحرجة فأصر على محاربة من منع الزكاة وقال والله لأحاربنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة.
لقد سجل الحسين موقفاً تاريخياً عظيماّ لم يشوهه إلا الذين تخلوا عن الحسين في عهده فقتلوه وراحوا بعدها دهوراً وسنيناً, يمشون في جنازته ويؤذونه باللطم آناء الليل وأطراف النهار.
وفي سوريا...إذا أشاح السوريون المنتفضون بأبصارهم قليلا عن الموتورين الذين يجتاحون بلادهم ويملؤونها هذه الأيام بالطقوس المنحرفة والإثارات الحاقدة و توقفوا عند ثورة الحسين وتأملوا دوافعها الحقيقية وأهدافها الصحيحة التي تليق بالسبط ومكانته لرأوا في هذه الثورة ما هو ملهم لثورتهم ودافع للاستمرار بملحمتهم حتى النهاية...
ويكفي السوريين المنتفضين شرفاً وحقاً وأجراً أنهم ثاروا على التوريث وقطعوه...لقد حققوا نصراً أكيداً مفعولاً في قطع سلسلة التوريث ولا يتصور عاقل أو واهم أن سلسلة التوريث يمكن أن تستمر في السورية...
لقد قطع السوريون المنتفضون السلسلة وهم ينتزعون الحلقة التي ورثت ورُكِّبت بعد موت الإسفين الأول الذي دُق في أرض الوطن.
وأي سلسلة ينتزعها السوريون....إنهم ينتزعون عن أعناقهم سلسلة فاسدة مُفسدة مُهلكة متصلة بكل سلاسل وأغلال الشر في العالم.
لقد كان خروج السوريين في ثورتهم خروجاً تاريخياً عظيماً كخروج الحسين
خروجاً ضد السلالة الأسدية المتعاقبة المتوارثة, والذين خرجوا هم على الحق و المبدأ السوي القويم...
خروج شرعي و مؤصل...مؤصل بمفاد آيات كثيرة وأحاديث عديدة ومؤصل بثورة الحسين وإصراره ومقتله.
د. أسامة الملوحي

http://orient-news.net/ar/news_show/125078/0/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D9%8F%D9%84%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق