العناية بذوي الاحتياجات الخاصة واجب
شرعي، وتعاطف إنساني، وتعاون في إطار الحق، وهو مفردة من مفردات التكافل الاجتماعي،
ومنهج ثابت في إطار حقوق الإنسان، وعمل إيجابي يسوق الناس نحو رضوان الله جلّ وعلا.
ذلك أن هؤلاء الذين ابتلاهم الله تعالى،
وربما ابتلي معهم في هذا البلاء من حولهم، مثل الآباء أو بالمعنى البعيد (الدائرة الأوسع)،
من جميع تكوينات الحياة، أن يقابلوا هذا بالصبر العظيم، والتسليم لله تعالى، والرضا
بقضائه سبحانه وتعالى.
كما جاء في الحديث الصحيح: "عجباً
لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء
صبر فكان خيراً له".
"ومن رضي فله الرضا، ومن سخط
فليس له إلا السخط "، فالحذر كل الحذر من السخط؛ لأن هذا الخلق هدام، كما أن خلق
الصبر والرضا هو المقدمة الصحيحة لهذا العمل في إطار خدمة هؤلاء، ورعايتهم، والاعتناء
بهم.
من هنا كان لزاماً علينا جميعاً أن
ننهض من أجل خدمة هذا الصنف من الناس.
ومما لا شك فيه أن القيام على شأن
هؤلاء والارتقاء بهم، والعناية بأحوالهم، من أعظم القربات إلى الله جل وعلا، وباب من
أبواب دخول الجنة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته".
والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ
عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة:2)، وإن من أعظم التعاون على البر والتقوى العناية
بهؤلاء المعاقين.
بل المطلوب من كل أحد، وخصوصاً من
المسؤولين أو رجال الأعمال، أن يدعموا المشاريع التي تهتم بهؤلاء الناس، من باب الرحمة
والتعاون، وادخار الثواب عند الله تبارك وتعالى، بل والله أنصح كل القادرين بالمسابقة
في البذل في هذا الميدان، قال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) (البقرة:148).
وقال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
(آل عمران:133).
وليعلم كل من يهمه الأمر، بأن العناية
بهؤلاء الضعفاء، سبب من أسباب تنزل رحمة الله تعالى علينا، قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا
تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) (الكهف:28).
فالحذر أن تكون نظرتنا مادية سطحية،
فنقلل من شأن هؤلاء، ونقول: لماذا تصرف الأموال، وتبذل الجهود لأجل هذا الصنف من الناس،
الذين لا يقدمون ولا يؤخرون، بل هم عالة على المجتمع؟!
فهذا الكلام وأمثاله من أخطر ما يُقال
ويذكر، جاء في الحديث الصحيح: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ"،
وفي الحديث الآخر: "رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لو أَقْسَمَ على اللَّهِ
لأَبَرَّهُ".
وفي الحديث الصحيح أيضاً: "ابْغُونِي
الضَّعِيفَ فَإِنَّكُمْ إنما تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ".
فالله.. الله.. في العناية والاهتمام
بهؤلاء الضعفاء، الذين بأمثالهم ننصر ونرزق، فإذا كانوا كذلك، فهم مصدر قوتنا الحقيقية
لا مصدر ضعف كما يظن من وهن إيمانه.
يا من عافاه الله تعالى - والحمد لله
على العافية - تذكر إخوانك هؤلاء، وتذكر بأن مساعدتهم تدفع البلاء.
أخيرا أقول:
إن هؤلاء من ذوي الاحتياجات الخاصة،
مسؤوليتنا جميعاً، فلا بد من إعداد المراكز لهؤلاء ودعمها، في إطار التنمية البشرية،
بل الأصل أن تكون عندنا معاهد متخصصة للاهتمام بهؤلاء الضعفاء الذين ابتلاهم الله تعالى،
ونجهز هذه المعاهد بأحسن وأحدث الوسائل التي وصلت إليها تقنيات العصر الحاضر، وعلى
مستوى العالم.
الخلاصة:
خير ما تبذل له الأوقات مثل هذا العمل،
ومن أحسن أبواب الخير التي لأجلها تنفق الأموال، مثل هذا الباب، ومن أكبر أدلة وجود
الرحمة فيما بيننا، العناية بهؤلاء، وخير الختام في هذا المقام ما جاء في الحديث الصحيح:
"ارْحَمُوا من في الأرض يَرْحَمْكُمْ من في السَّمَاءِ"، وقال صلى الله عليه
وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ
عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ
اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي
عَوْنِ أَخِيهِ» (مسلم: 4867).
لقَدْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم يراعِي أصحابَ الحاجاتِ الخاصةِ فِي كلِّ أحوالِهِمْ، فكانَ يأمرُ أصحابَهُ
فيقولُ: «مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ
وَذَا الْحَاجَةِ» (البخاري:90).
ويقولُ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ
ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ لأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلاَةَ إِلَى شَطْرِ
اللَّيْلِ» (أبو داود: 422)؛ أيْ صلاةَ العشاءِ.
ولقدْ كانَ الصَّحابةُ الكرامُ يعتنُونَ
بِمَنْ حولَهمْ، فقَدْ كانَ عُمرُ بنُ الخطابِ - رضيَ اللهُ عنهُ - يخرجُ فِي سوادِ
الليلِ فرآهُ طلحةُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ بيتاً، ثُمَّ دخلَ بيتاً آخرَ، فلمَّا أصبحَ
طلحةُ ذهبَ إلَى ذلكَ البيتِ فإذَا بعجوزٍ عمياءَ مقعدةٍ فقالَ لَهَا: مَا بالُ هذَا
الرجلِ يأتِيكِ؟ قالَتْ: إنهُ يتعاهدُنِي منذُ كذَا وكذَا يأتينِي بِمَا يُصلحُنِي،
ويُخرِجُ عنِّي الأذَى. (أبو نعيم في الحلية 1/47).
وفِي عهدِ الخليفةِ عمرَ بنِ عبدِ
العزيزِ - رضيَ اللهُ عنهُ - كتبَ إلَى أمرائِهِ أنْ يُحصُوا لهُ ذوِي الاحتياجاتِ
الخاصةِ، وأمرَ لكلِّ أعمَى بقائدٍ يَدُلُّهُ علَى الطريق.
واليوم في سورية الحبيبة، هناك مأساة
كبيرة، ومصيبة شاملة كبيرة، وكارثة قلَ نظيرها في عالم الإنسان، بفعل إجرام نظام البغي
والفساد والجريمة، ومن يسانده من المجرمين القتلة، كنظام إيران، ومن شعب هذه الكارثة،
وجود عدد كبير من المعاقين، فهذا فقد يده أو يداه، وذاك فقد رجله أو رجليه، وواحد فقد
عينه أو عينيه، هذا مصاب بالشلل، وذاك مصاب بكذا، والقائمة تطول.
حقوق الإنسان، ليست الطعام والشراب
والمسكن فحسب، بل هناك جملة من القضايا والمسائل، كلها تمثل سلة متكاملة من هذه الحقوق،
ومنها العناية بالتنمية البشرية، وشعبة من شعبها، الاهتمام بالمعاقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق