الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-08-27

صور من تاذّي النبي في القرآن الكريم من اليهود والنصارى والمشركين وضعاف الإيمان من المسلمين (12) – الدكتور: عثمان قدري مكانسي

ومن عادتي منذ أكثر من أربعين سنة أنني أقرأ كل يوم جزءاً من القرآن الكريم، فقرَّ رأيي أن أقرأ في الشهر التالي نوفمبر، تشرين الثاني الجزء المقرر كل يوم، وأعيِّنُ الآيات التي يَرِدُ فيها إيذاء المشركين واليهودِ وضعافِ الإيمانِ من المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أعود إلى التفاسير أجمع منها صوراً توضح ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من إرهاق وإيذاء وعنَت صبَّه هؤلاء  على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فكان القدوةَ في تحمُّل الأذى والتصرف حياله، واللجوءِ أولا ً وأخيرا ً إلى الله تعالى فهو مانع رسول الله وهو عاصمه..

سورة الإسراء
[الآيات 90-  93 ]
)وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً (92 (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً )
 قال القرطبي:
نزلت هذه الآيات في رؤساء قريش، مثل عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبي سفيان، والنضر بن الحارث، وأبي جهل، وعبد الله بن أمية، وأمية بن خلف، وأبي البختري، والوليد بن المغيرة.. وغيرهم.
وذلك أنهم لما عجزوا عن معارضة القرآن، ولم يرضَوا به معجزة، وهذا من العناد إذ إنهم حاولوا معارضته، وأنَّى لهم ذلك فهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.. اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد r فكلِّموه، وخاصموه، حتى تُعذروا فيه، فبعثوا إليه أنَّ أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فأتهم.. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يحبُّ قومه، ويحرص على هداهم، فجاءهم وهو يظن أنْ قد بدا لهم فيما كلمهم بَدْوٌ.. فقالوا: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخلَ على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعِبت الآلهـة، وشتمت الدين وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة.. فما بقي أمر قبيح الَّا قد جئته !!! وقالوا له كلاماً يدل على جهلهم وسفههم. ثم عرضوا عليه المال الوفير، والزعامة، والشرف والملك، وأجمل النساء وعرضوا عليه الطبَّ إن كان ما يأتيه رئِيَّا من الجن، عرضوا كل هذا ليترك الدعوة إلى الله.. وهذا ما يفعله أعداء الله بالدعاة الآن.. فالطريقة في إبعاد الناس عن الدين واحدة في كل زمان ومكان.. فكان رده صلى الله عليه وسلم ، ردّ الداعية الواثق بدعوته، المؤمن بها، الذي لا يبيعها بعرض من الحياة الدنيا مهما كثر، فما عند الله خير وأبقى..
 قال صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون، ما جئتُ بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرفَ فيكم، ولا المُلْكَ عليكم.. ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليَّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
 فلما أجابهم بهذه العبارة القوية، وحدّد لهم هدفه دون خوف أو مواربة، بل كان واضح الحجة بيِّنَ الأفكار، احتدّوا وبدأوا يتنطعون في الحديث يعاجزون، فهذا يقول: إنك لم تقبل منا ما أكرمناك به، أوَ ما علمت يا محمد أنه ليس من الناس أحدٌ أضيقَ بلداً، ولا أقلَّ ماء، ولا أشدَّ عيشاً منا؟! فَسَلْ لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به !! فليُسَيّر عنا هذه الجبال، التي ضيّقت علينا، وليَبْسُط لنا بلادنا، وليخرُق لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام، وليبعث لنا ما مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا قصيَّ بن كلاب، فإنه شيخ صدق، فنسألهم عما تقول، أحقٌّ هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا به منزلتك من الله تعالى، وأنه بعثك رسولاً كما تقول،
 فقال لهم صلوات الله عليه وسلامه : ما بهذا بعثت إليكم.. إنما جئتكم من الله تعالى بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا : فإذا لم تفعل هذا لنا، فخذ لنفسك ! سَلْ ربك أن يبعث معك مَلَكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، واسأله أن يجعل لك جِنَانَاً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة، ويغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولاً كما تزعم؟!
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت بهذا إليكم، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراًّ، قالوا: فاسقط السماء علينا كِسَفاً كما زعمت أنَّ ربك إن شاء فعل، فإنا لن نؤمن لك إلَّا أن تفعل،
 فقال صلى الله عليه وسلم  : ذلك إلى الله عز وجل إن شاء أن يفعله بكم فعل.
 وقالوا: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله، وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا ً :
 وقام عنهم رسول الله  صلى الله عليه وسلم لما علم من إصرارهم على الكفر.. وقام معه ابن عمته عبد الله بن أبي أمية، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا، فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا منزلتك من الله، فيصدقوك ويؤمنوا بك فلم تفعل ثم سألوك أن تعجِّل لهم بعض العذاب، فلم تفعل، فوالله لا أومن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً، ثم ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، ثم تأتي بِصَكِّ معه أربعة ملائكة يشهدون لك ما تقول، وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك.
   ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً، كاسف البال مهموماً مغموماً.
أيُّ بشر هؤلاء الذين يُكذِّبون رسول الله، وهم يعلمون صدقه وأمانته؟!! وهل تفجير ينابيع الأرض أكبرُ من خلق السماء والأرض؟ ؟!! هل إيجاد جنة فيها نخيل وعنب وماء كثير أشدُّ من النظام الكوني الباهر وسباحة الكواكب في السماء بنظام وترتيب، أفلا ينظرون إلى ما حولهم من المخلوقات تدّب على الأرض فيأكلون بعضها ويركبون الآخر، أفلا ينظرون إلى أنفسهم نقد خلقهم الله في أحسن تقويم!!
 لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لإسعاد البشرية، والأخذ بيدها إلى الأمان والاطمئنان.. إلى الإشراق والنور.. فبدلاً من اتباعه وشكر هذه النعمة يتحدّون ويستكبرون، ويسوء أدبهم؟! بل هذه صفتهم الدائمة، فيسألون أن تنزل عليهم السماء قطعاً قطعاً.. ولو
نزلتْ لما نجا أحد ولهلكوا.. كان حَرِيّاً بهم أن يتذكروا ما فعله الله بأبرهة الحبشي، وما أَمْرُه ببعيد عنهم حين أرسل عليه وعلى جيشه طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم هشيماً تذروه الرياح، وبقايا جيش مقهور، أيريدون أن يروا الملائكة تأتيهم من السماء؟!! ( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ) (1)  .
    فما جاءت الملائكة إلى الأرض- كما يريدون- إلَّا لنصرة الأنبياء و إبادة المشركين.. فأين هم إذْ تقتعلهم الملائكة وتستأصلهم؟!! أيريدون رؤية الله تعالى؟! وما استوعب الحقيرُ الجليلَ؟!! والصغيرُ الكبيرَ؟!! إن الله تعالى حين تجلى للجبل جعله دكاً، وخرَّ موسى عليه السلام صَعِقَاً.. كيف ترى العيون الكليلة والمخلوقات القاصرة نورَ الأنوار، وهو الذي لا يحده زمان ولا يحيط به مكان؟!!.
 ما هذه الطلبات وهذه التساؤلات المادية؟! بيت من زخرف، صعود إلى السماء، عودة إلى الأرض! كتاب يُحمل.. أناس يقرؤونه، ملائكة تشهد عليه!!
إن الإِيمان تصديق القلب والعقل وعملٌ بالجوارح.. أما التفكير المادي فلم يكن يوماً من الأيام طريقة سليمة إلى الله تعالى..
    ولم يكن الرسل في يوم من الأيام سوى بشر مثلنا، أكرمهم الله بالنبوة، وعصمهم بالرسالة، فكانوا هداة مهديين، ينيرون لنا مصابيح الهدى، يؤدّون واجبهم بإخلاص لله تعالى لا تشوبه شائبة، ودأبٌ لا يكلِّ ولا يملّ .. وما عليهم إلَّا البلاغ فإن آمن الناس كان حظهم طيباً والَّا فلا يلوموا إلَّا أنفسهم ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ )(1) .
 فلا تحزن يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك.. بلّغتَ الرسالة، وأدَّيتَ الأمانة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة.. ولا تحمل نفسك الهمّ والغمّ ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (  (1) ولكنَّ رحمتك بالناس هي التي تستنفر مشاعرك، ورغبتك في ذبّهم عن النار هدفك الأول والأخير ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (2) .
إنْ جئت ربَّك ترجو منه مغفرةً 
 فابدأ دعاءَك بالصلاةِ على النبي

واسألهُ  أنْ يحيي    فؤادكَ دائماً 
                                                   فحياةُ  قلبكَ  بالصلاةِ على  النب
واسأله أنْ يسمو مقامك في الدنى    
                                                    فَعَلاءُ مجدكَ بالصلاةِ على النبي
واسأله فردوسَ السعادةِ، واللقا
                                                   فدخولكَ الفردوسَ من فضلِ النبي
صلَّى عليك اللهُ ما شعَّ الضيا
                                                  في كل قلبِ بالصلاة على النبي (3)





(1) سورة الفرقان: الآية 22.
(1)   سورة النساء: الآية 64.
(1)   سورة الكهف : الآية 6.
(2)   سورة التوبة: الآية 128.
(3)   الأبيات للمؤلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق