لقد كان شعراء الخوارج أصحاب لواء
الثورة بالكلمة، فهذا شاعرهم عيسى بن عاتك الحبطي يقول:
أخاف
عقاب الله إن مت راضيا … بحكم عبيد الله ذي الجور والغدر
وأحذر
أن ألقى إلهـي ولم أرع … ذوي البغي والإلحاد في جحفل مجر
لم يقتصر نقد الخوارج وثورتهم على
الولاة والسياسة بل أتى على طلاب الدنيا وجامعي المال، فهاهو الطرماح يهاجم
الأغنياء، فيقول:
عجبا
ما عجبت للجامع الما … ل يباهي به ويرتفده
ويضيع
الذي يصيره اللــ … ـه إليه فليس يعتقده
يوم
لا ينفع المخول ذا الثر … وة خلانه ولا ولـده
وأيضا ينصح شاعرهم عمران
المتسابقين على الثروة وينذرهم قائلا:
حتى
متى تسقى النفوس بكأسها … ريب المنون وأنت لاه ترتع
فتزددن
ليوم فقرك دائبـــا … واجمع لفسك لا لغيرك تجمع
أحلام
نوم أم كظل زائـــل … إن اللبيب بمثلها لا يخـدع
لم يكن المديح من شيم شعراء
الخوارج، بل كانوا يرمون أصحاب المدح من الشعراء وينعتونهم بالكذب والرياء. فهذا
عمران بن حطان يمر على الفرزدق وهو ينشد من مدحه والناس حوله، فيقف عليه ثم يقول:
أيها
المادح العباد ليعطــى … إن لله ما بأيدي العبـاد
فاسأل
الله ما طلبت إليهـم … وارج فضل المقسم العواد
لا
تقل في الجواد ما ليس فيه … وتسم البخيل باسم الجواد
لقد اعتقد الخوارج أن لا مفر من
الموت ولا مهرب، وأن الموت آت لا ريب فيه، فهذا أحد قادتهم قطري بن الفجاءة يحبب
الموت إلى الناس، ويدعوهم للثبات في المعارك فيقول:
أقول
لها وقد طارت شعاعا … من الأبطال ويحك لن تراعـي
فإنك
لو سألت بقاء يـوم … على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبرا
في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطـــاع
ولا
ثوب البقاء بثوب عـز… فيطوى عن أخي الخنع اليـراع
سبيل
الموت غاية كل حـي… وداعيه لأهــل الآرض داع
ومن
لم يعتبط يسأم ويهـرم… وتسلمه المنون إلى انقطــاع
وما
للمرء خير في حيــاة … إذا ما عد من سقط المتــاع
ويقول يزيد بن حبناء، وهو من شعراء
الخوارج:
فليس
بمهد من يكون نهــاره … جلادا ويمسي ليله غير نائــم
يريد
ثواب الله يوما بطعنــة … غموس كشدق العنبري بن سالم
أبيت
وسربالي دلاص حصينة … ومغفرها والسيف فوق الحيـازم
إن النفس البشرية مهما تطرفت في
رفضها للحياة، لابد وأن تكون غريزة حب البقاء تشدها، وهذا يتمثل في قول عمران ابن حطان
يخاطب زوجته جمرة:
إن
كنت كارهة للموت فارتحلي … ثم اطلبي أهل أرض لا يموتونا
فلست
واحدة أرضا بها بشـر … إلا يروحون أفواجا ويغدونا
إلى
القبور فما تنفك واحــدة … تدني سريرا إلى لحد يمشونـا
يا
جمر قد مات مرداس وأخوتـه… وقبل موتهم مات النبيونــا
يا
جمر لو سلمت نفس مطهـرة … من حادث لم يزل يا جمر يعنينا
ويقول عمران في قصيدة ثانية يعجب
فيها لمتمسك بهذه الحياة الفانية فيقول:
أرى
أشقياء الناس لا يسأمونها … على أنهم فيها عراة وجـوع
أراها
وإن كانت تحب فإنهـا … سحابة صيف عن قليل تقشع
لقد كفّر الخوارج مخالفيهم،
ووصفوهم بالإلحاد والفجور والفسق، ولم يكن الخوارج يفرقون بين مخالفيهم فالكل
عندهم سواء، فكل من لا يرى رأيهم ولا يقول بقولهم هو العدو جاز حربه وقتله. يقول
قطري بن الفجاءة في يوم دولاب:
فلو
شهدتنا يوم ذاك وخيلنـا … تبيح من الكفار كل حريم
رأت
فتية باعوا الإله نفوسهم … بجنات عدن عنده ونعيـم
ويحث أحد أصحاب قطري ليثبت في وجه
المهلب، ويتساءل عن سبب فراره منه وهو - أي قطري - من الأولياء الصالحين وهو على
الحق، بينما المهلب كافر وهو على ضلال:
أيا
قطري الخير إن كنت هاربا … ستلبسنا عارا وأنت مهاجر
إذا
قيل قد جاء المهلب أسلمت… له شفتاك الفم والقلب طائر
لقد نبذت الخوارج العصبية، فلا
افتخار إلا بالدين وحده، كما يقول شاعرهم نهار بن توسعة اليشكري:
دعي
القوم ينصر مدعيــه … ليلحقه بذي الحسب الصميم
أبي
الإسلام لا أب لي سواه … إذا افتخروا بقيس أو تميــم
لقد كانت أشعار الخوارج صورة فنية
معبرة عن أخبارهم وملاحمهم ومكامن شخصيتهم، فهذه قصيدة عمرو بن الحصين التي قالها
في معركة قديد، واصفا أخلاق الخوارج وطباعهم وتمسكهم بدينهم وحالاتهم:
متأوهين
كأن في أجوافهـم … نارا تسعرها أكف حواطب
تلقاهم
فتراهم من راكــع… أو ساجد فتضرع أو ناحب
يتلو
قوارع تمتري عبراتــه… فيجودها مري المري الحالب
سبر
لجائفة الأمور أطبــة … للصدع ذي النبأ الجليل وائب
ومبرئين
من المعايب أحرزوا … خصل المكارم أتقياء أطايـب
متسربلي
حلق الحديد كأنهم … أسد على لحق البطون سلاهب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق