الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-12-12

تأملات في الثورة السورية (2) – بقلم: د.خالد أحمد الشنتوت


كل شيء في الثورة  العربية غير متوقع،  فمن كان يتوقع هروب زين العابدين، وفوز النهضة في الانتخابات، ومن كان يتوقع تنحي مبارك، وسيفوز الإسلاميون بعدد كبير جداً من كراسي المجلس في الانتخابات القادمة ... ومن كان يتوقع أن يقتل ذلك الشاب الفقير طاغية العصر ( القذافي) بعد أن يخرجه من مجرى السيل كالجرذ وقد اختبأ فيه ...إنها ثورات فريدة متميزة، كل شيء فيها غير متوقع لعقولنا التي ( تقولبت مع الذل)، أما الثورة السورية، فكلها مفاجآت مذهلة، بعيدة عن واقعنا قبل الثورة، إنها تغير كبير، (تغير رباني)  وصدق الفلاحون عندما يقولون (قادر أن يجعل الزرع ينمو على نار)، عندما ينحبس المطر، ويذبل الزرع، إنها عقيدة الفطرة، إن الله قادر أن يجعل الشعب المغلوب على أمره ؛ سيداً لنفسه، وسيداً لأرضه، ويجعل القذافي ( ملك ملوك إفريقيا) يتوسل للشباب ( حرام عليكم) كي لا يقتلوه، إنه تغيير رباني، لذلك نراه كبيراً، لا تستوعبه عقولنا التي ( تقولبت مع الذل)، إن هذا التغير الكبير يجعلنا،  نتخذ الثورة تأريخاً فنقول قبل الثورة وبعد الثورة، وهذا تفصيل هذا التميز :


1-   لم نكن نتوقع ‑نحن الذين عشنا عقد الثمانينات‑ أن تقوم ثورة في سوريا، وأن يجرؤ الشباب على أن يصرخوا بأعلى حناجرهم ( الشعب يريد إسقاط النظام، والشعب يريد إعدام الرئيس) ... ويخرج الرجال في الشوارع يحملون أطفالهم على أكتافهم، لا يخافون عليهم من آلة القتل الأسدية، بل ترى النساء يخرجن يصرخن مطالبات بإسقاط النظام، أما تلاميذ المدارس  المتوسطة بلباسهم الأزرق، فيملؤون الشوارع، ويهتفون بإسقاط النظام ... كل ذلك غير متوقع، ومخالف لعقولنا التي ( تقولبت مع الذل) ...

2-   ولا أنس أنني كتبت بعد سقوط حسني مبارك أقول إن النظام السوري يختلف في تركيبته، وفي جيشه العقائدي، ففي تونس ومصر يوجد جيش وطني، أما في سوريا فيوجد جيش عقائدي، لن ينحاز للشعب ....هكذا كنت أتصور، والحمد لله كان هذا التصور خاطئاً ...وكنت أتمنى أن يقرأ الشباب ما كتبت، ويستفيدون منه ...لكن ( ولله الحمد) لم يقرؤوه، ولم يعملوا به، بل قاموا بما لم يكن متوقعاً لعقولنا ...

3-   لم نكن نتوقع أن ينشق أفراد من الجيش السوري ويشكلون الجيش السوري الحـر، ليقوم بعمليات نوعية منها هجومه على مركز المخابرات الجوية في حرستا ...  ويمشي في شوارع ( باب عمرو) بسيارات رباعية الدفع (جديدة) يحمل أعلام سوريا الخضراء، ويقف ليعلن عن نفسه، وعملياته، ويهدد الجيش العقائدي، إذا لم يكف عن قتل المواطنين .. ولا أخفي أن هذا كان مفاجآت كبيرة لي، ولتفكيري الذي طبع بمقولة الجيش العقائدي ...وخاصة أنني عشت في هذا الجيش العقائدي خلال خدمتي الإلزامية ملازم في سلاح الدبابات، وقضيت منها أربعة شهور مع ثلاثة ضباط وأنا رابعهم نعيش (غصباً عنا في خيمـة واحدة) وكنت أشعر وأحس وأسمع مدى حقدهم وكرههم للعرب وللمسلمين ...وعدم اهتمامهم بتحرير الأرض المحتلة ... هذا الجــيش الذي كنت يومـاً في نــدوة مـوضوعها ( كيف ندفع الجندي للقتال) ولما جاء دوري قلت عندنا رصيد كبير لماذا لا نستخدمه، رصيد يفيدنا في هذا المجال، وهو الإيمان باليوم الآخر، ومكانة الشهيد في الجنة ...فسارع العقيد مدير الندوة وأسكتني وهو يقهقه ( هل تريد أن نكذب على الناس يا ملازم  خالد ؟) ... هذا الجيش ما كان يخطر في بالي يوماً أن يخرج منه الجيش السوري الحر ...ولكن خرج الجيش السوري الحر على خلاف ما كنت أتصور والحمد لله ...

4-   ما كنا ننتظر خيراً من جامعة الدول العربية، وقد وصلنا إلى قاعدة على مدى نصف قرن تقول ( اتفق العرب على أن لا يتفقوا)، وخلافاً لهذه القاعدة، اتفق العرب ضد النظام السوري، وقرروا تعليق عضويته في الجامعة ... ولاشك أن المطلوب من العرب أكثر من ذلك بكثير لأن المعركة في الحقيقة ضدهم كلهم، إنها معركة الهلال الشيعي ...وبعض المسؤولين الأتراك صرح بأنهم يعتبرون القضية السورية قضية تركية، وهذا يعني أنه أدرك مدى خطورة المعركة في سوريا ...

5-   لم يكن متوقعاً أن يتفق قسم كبير من المعارضة السورية، قد يصل إلى (70 %) منها، ويشكل المجلس الوطني السوري، ولم يكن متوقعاً لعامة الشعب السوري ( وليس لنا)؛ أن يتفق العلماني مع الإسلامي، القومي مع الكردي، وهذا أيضاً من التغيير الكبير الذي شهدته الساحة السورية ... وبقيت تغيرات أكبر ستقع قريباً إن شاء الله عندما ينشق الأخوة العلويون بأعداد كبيرة عن النظام ...

6-   كل ماذكرت أدلة على التغيير الرباني  كما جاء في الحديث الصحيح ( ...ثم يكون ملكاًَ جبرياً فيكون فيكم ماشاء الله أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ...) وهاهو اليوم يرفعه، غصباً عن الطواغيت وجيوشهم العقائدية، أو البلطجية التي أنزلوها إلى ساحة التحرير، أو ألوف المرتزقة الذين زودت بهم الشركات الصهيونية العقيد القذافي، أو الطيارين السوريين الذين دفعهم النظام الأسدي إلى ليبيا واليمن، ليذبحوا الشعب العربي هناك ...أو شبيحة النظام الأسدي الذين يغدق عليهم الأموال من خزينة الشعب السوري ليقتلوا الشعب بأمواله، كما سخر الدبابات التي اشتراها الشعب ليحرربها الجولان، سخرها لقتل الشعب في حمص وحماة ودير الزور وريف دمشق , وغيرها ...

إنه التغيير الكبير ( التغيير الرباني) الذي نراه في العالم العربي عامة، وفي سوريا خاصة ...ويا ليت الأسديون يفهمون أن الله عز وجل وراء هذا التغيير، ويوفرون الدماء الزكية التي يزهقونها صباح مساء، ويفروا بأنفسهم قبل أن يدخلوا في أنابيب السيل كالقذافي ...وإن غداً لناظره قريب ...يوم يفرح المؤمنون بنصر الله ...وعسى أن يكون قريباً ...

الدكتور خالد أحمد الشنتوت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق