في العام 1951
قام العقيد السوري أديب الشيشكلي بانقلابه على الشرعية والحكومة المدنية المنتخبة
ديمقراطياً عقب سلسلة من الانقلابات التي عصفت في سورية خلال أقل من ثلاث سنوات
عجاف (1949-1951)، وانصب جهد الديكتاتور الجديد إلى ترسيخ جذور
الديكتاتورية في البلاد، من خلال الانقلاب ومباشرة الحكم العسكري، ليقضي على كل
معالم الحياة السياسية، فحل البرلمان، وألغى جميع الأحزاب السياسية، وأوقف الصحف،
مبقياً على أربعة منها، ناصرته وأيدته وباركت انقلابه.
وبعد أن وضع دستوراً جديداً للبلاد فصّله
على مقاسه، انتخب رئيساً للجمهورية، طبقاً لأحكام هذا الدستور، وهكذا مهد لمرحلة فرض الديمقراطية، من خلال الديكتاتورية العسكرية. أما
الأحزاب السياسية المعارضة، فقد تصدت لسياسة الشيشكلي عبر المظاهرات، مطالبين بإعادة
الأوضاع الدستورية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وكان رد العقيد على هذه
المظاهرات اعتقاله كبار الساسة السوريين والمئات من المعارضين من مختلف الأطياف
المعارضة السورية ووضعهم في السجون، واستخدامه الطائرات لقصف أهداف في منطقة (جبل
العرب) ذات الغالبية الدرزية، راح ضحيتها الكثير من المدنيين. وشهدت البلاد حالة
من الفوضى الاضطراب، وشهدت دمشق العديد من التفجيرات ومحاولات الاغتيال التي لم
تستثني محاولة اغتيال الشيشكلي نفسه، وعمت المظاهرات المدن السورية وهي تنادي
بسقوط الديكتاتورية وإلغاء البرلمان المزيف، وعودة الحياة الدستورية إلى البلاد،
وعاشت سورية شهوراً قاسية وصعبة انعدم الأمن والأمان فيها.
عندها كان لابد للجيش أن يتحرك ويحسم
الأمور ويوقف شلال الدم ويبعد البلاد عن الانزلاق إلى حرب أهلية لا يعرف إلا الله
مداها وتداعياتها، فأقدم عدد من الضباط الصغار يوم 25 شباط 1954 بالاستيلاء على
السلطة والإمساك بالأمور، وآثر الديكتاتور الشيشكلي مغادرة البلاد، وتمت عودة
الحياة المدنية إلى سورية، وأعيد العمل بالدستور وتم انتخاب برلمان جديد
ديمقراطياً، الذي انتخب بدوره رئيساً شرعياً للبلاد، لتعيش سورية جواً رائعاً من
الديمقراطية والحرية.
واليوم يعيد التاريخ نفسه فهذه أرض
الكنانة مصر وقد استولى على مقاليد الأمور فيها ديكتاتور عسكري هو عبد الفتاح
السيسي، وعزل الرئيس الشرعي محمد مرسي، الذي اختاره شعب مصر عبر انتخابات حرة
ونزيهة شهد لها العالم وإيداعه السجن، ومن ثم الحكم عليه بالإعدام، وأخذ البلاد
إلى طريق الاقتتال الداخلي والصراعات الدامية والاحتقان السياسي وقتل الآلاف وسوق
الآلاف إلى المعتقلات والسجون، مستعيناً بفلول النظام السابق الذي ثارت عليه
الجماهير وأسقطته، معتمداً على مجموعة من القضاة الفاسدين الحاقدين، وعلى نخبة من
الإعلاميين المطبلين والمزمرين الذين يسوّقون فعاله وجرائمه، حتى غدت مصر سجناً
كبيرا لكل المصريين على مختلف مشاربهم ومذاهبهم، ولا يزال هذا الديكتاتور يقود
البلاد إلى الهاوية والمجهول بوتيرة متسارعة، غير آبه بمصير البلاد وما يمكن أن
تؤول إليه.
من هنا نتساءل: ألم يعد في جيش مصر
العظيم الذي حقق الانتصار الكبير في العاشر من أكتوبر عام 1973 وحطم خط بارليف
وهزم الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، أقول ألم يعد في جيش مصر العظيم من يلوي ذراع
هذا الديكتاتور، ويعيد مصر إلى ركب الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعيش
الكريم، الذي نادت به ثورة 25 يناير 2011 التي أسقطت ديكتاتورية مبارك ومافيا
الفساد التي كانت تحكم البلاد لأكثر من ثلاثين سنة؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق