ماذا يعني قولنا:
• إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا قرابة تسع
وعشرين غزوة؟
• وإنه
كان يفجأ أعداءه في عقر دارهم؟
• وإنه
صلى الله عليه وسلم كان في مقدمة الجيش دائماً،
فقد كان علي بن أبي طالب – وهو البطل الشجاع الذي تهاب لقاءه الأقران – يقول: كنا إذا
حمي الوطيس، واحمرت الحدَقُ، نتقّي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون أحد أقرب
إلى العدو منه؟
• وإنه
كان يرسل السرية إثر السرية، والكتيبة وراء الكتيبة فلا يقرّ للعدو قرار؟
• وإنه
كان يعاور أصحابه القيادة فيتدربون عملياً على القيادة والجندية والاستمرارية في الجاهزية
القتالية؟
• وإنه
قال: ((نصرت بالرعب مسيرة شهر))؟
إن سكت الأعداء والسائرون في فلكهم
عن الإجابة قلنا: نحن أتباعه عليه الصلاة والسلام، ولا يصل التابع إلى ما وصل عليه
المتبوع إلا إذا سلك دربه واقتدى به.
وإن قالوا: هذا هو الإرهاب بعينه قلنا:
صلى الله على رسول الجهاد، صلاة تليق بسيّد المجاهدين، وبارك عليه، فهو أسوتنا وقدوتنا،
ولا يضيرنا نعيق ناعق، ولا نهيق ناهق وقد أثبت التاريخ أن الأمة المجاهدة تصل إلى هدفها
وترقى سنام المجد، وتسمو إلى ذروته، وأن الأمة الذليلة تُداس بالأقدام، وتتداعى عليها
الأمم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها.
فماذا نختار – معشر المسلمين – لأنفسنا؟
الذلَّ والصغارَ أم العز والفخار؟
وحيكون يكون أعداء الأمس هم أعداء
الحاضر – اليهود والنصارى – أفلا نسير فيهم سيرة آبائنا وأجدادنا؟ فنكون على خطاهم،
فنسعد؟
ففي غزوة خيبر حين هاجم رسول الله
صلى الله عليه وسلم حصون اليهود، وافتتحها
واحداً وراء الآخر، كان يُزْكي روح القتال والجندية في أرواح أصحابه، فقد قال إذ ذاك:
((لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويفتح الله على يديه))، فالصفة الرائعة
التي أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم
على القائد المرتقب في الغد، رجلٌ – والرجال ذوو العزمات مفاتيح المغاليق –
والصفة الثانية أنه يحب الله ورسوله، فالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم يحبانه – إذاً – فالحب متبادل، والحبل موصول بواهب
النصر، فلا بد أن يفتح الله عليه، ويمدّه بتأييده..
قال عمر رضي الله عنه: ما أحببت الإمارة
إلا يومئذ، وحق له أن يتطلع إلى الإمارة، فإنها وسام يعلق على صدر القائد، لا يزال
على صدره، آيةً على حب الله ورسوله إلى أن يلقى الله.
وفي الصباح، وبعد صلاة الفجر، نظر
الرسول الكريم إلى جيشه، والجميع تضطرب قلوبهم، رغبة أن يكون كلُّ واحد منهم ذلك القائد.
ويبحث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل منهم فلا يراه .. ((أين علي بن أبي طالب))؟
قالوا: يا رسول الله، إنه في خيمته أرمدَ لا يكاد يبصر، قال: ((ائتوني به))، فجاءوا
به، فبصق على عينيه، ثم مسحهما بيده الشريفة، فبرِئتا في اللحظة والتوِّ، وزال عنهما
الرمد وعادتا سليمتين، أقوى ما تكونان.
وعرف الناس مقام علي رضي الله عنه،
فهو ابن عم النبي الكريم، وصهره على أعزِّ بناته – فاطمة – الذي رباه في بيته، وخلقّه
بأخلاقه، وأخوه في هجرته.
أعطاه الراية وقال له:
1- ((امش.
2- ولا
تلتفت حتى يفتح الله عليك)).
فالانطلاق نحو العدو، بثقة وثبات،
دون تلكؤ، ولا تردد، والإصرار على استمرار القتال، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى
بعد الجاهزية القتالية سبيل النصر، وعدة الفوز.
يا لروعة الجندية، .. لقد سار عليٌّ
امتثالاً لأمر قائده بضع خطوات، ثم وقف.. ولم يلتفت! ألم يأمره رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن لا يلتفت؟! هذه أول علائم الجندية
الواعية، فصرخ كي يسمعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمام هذا الحشد المندهش من الصحابة الكرام.. إن
من الأدب أن لا يرفع أحدٌ صوته أمام النبي الكريم، بل عليهم أن يغضوا من أصواتهم، ومن
الأدب أن لا يكلم أحدنا الآخر إلا وجهاً لوجه، لكن من الأدب أن يكون الجندي مطيعاً
ملتزماً الأوامر، واعياً لما يطلب إليه.. وهكذا كان علي رضي الله عنه.. صرخ مستفسرا
ً عن الأمر المناط به: يا رسول الله؛ على ماذا أقاتل الناس؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ((قاتلهم .. حتى:
1- يشهدوا
أ، لا إله إلا الله.
2- وأن
محمداً رسول الله)).
هذا هو الدين الحق، إن الدين عند الله
الإسلام، وهذا لا يكون إلا باقتران اسم محمد صلى الله عليه وسلم باسم الله سبحانه وتعالى اقتران نبوّةٍ ورسالةٍ
برب خالق عظيم.
((فإن فعلوا ذلك فقد منعوا:
1- دماءهم.
2- وأموالهم
إلا بحقها)).
وما حقها؟ إنه التزام بالأركان الخمسة،
فلا إسلام إلاّ بالشهادتين وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت للمستطيع.
ومن الناس الظاهر، والله يتولى السرائر.
ولم تكُن سوى جولة أو جولتين.. وكان
النصر حليف المسلمين.
رياض الصالحين: باب المبادرة إلى الخيرات
الحديث /65/
باب الدلالة على الخير: الحديث
/119/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق