صارت نفخة الشيطان،
الذي يدفع بالناس نحو الكبر والفخر والاستعلاء، فلسفة تدرس، ومناهج تعلم، لدى
شريحة من الناس، في عالم التلمس غير المبصر، بالتفوق على الآخرين، وشعور النقص
بالتميز عن سائر الناس، بأشياء ظنوا أنها أصل التعاطي مع قواعد النجاح، وأساس
التحضر، حيث سيدفعون به إلى منصة التصدر العالمي، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يقول:
إنه لا بشر سوى هذا القسم من الناس، وكل الناس من غيرهم، ما هم سوى حيوانات، خلقهم
الله على صورة الإنس ليأنس بهم هؤلاء القوم ويقوموا بخدمتهم.
وهذا بدوره الخطير أدى
إلى منعطفات في الفكر والسلوك، تمثل حالة من حالات الانحطاط البشع، تعبيراً عن قيم
غير إنسانية، ترجم من خلال سلوك عدواني، كان من نتاجه أن غاب العدل وانتشر الظلم،
وأزهقت أرواح ملايين البشر، وهدمت صوامع وبيع، وخربت مدن، وأحرقت شامخات حضارية في
المجال المادي، ذلك لأن هذا الفكر اللاإنساني، يربي الناس على الوحشية، والعدوان
على الآخرين، ويشيع ثقافة الكراهية، لمجرد أن هؤلاء المخالفين، لم يكونوا على
لونه، أو ليسوا من بلده، أو من لغة مختلفة، وهكذا، دواليك، في منظومة لا تكاد أن
تنتهي، من اختراعات التوالد، لأفكار يلعن بعضها بعضاً، ويناقض بعضها حامل الآخر من
أفكار، فتتحول الحياة إلى تماوج في عالم القيم، واضطراب عجيب ومذهل، في واقع
العمل، وتصير الحياة على إثره، جملة من الصراعات، ومجموعة من حزم التناحر، وإن كان
الشعار، في نهاية المطاف (الحتمية التاريخية) غروراً وعنجهية.
من هذه الفلسفات
(الشوفينية) التي كما جاء في موسوعة "ويكيبيديا" تعريفها:
وهي (الشوفينية)
(بالإنجليزية:
chauvinism) هي المغالاة في التعصب،
ففي حال التعصب القومي وحب الوطن يعتبر الشوفيني وطنه أفضل الأوطان، وأمته فوق كل
الأمم، وخصوصاً عندما تكون هذه المغالاة مصحوبة بكره للأمم الأخرى.
وقد جاءت هذه الكلمة من
اسم "نيكولا شوفان" الجندي الفرنسي الذي جرح عدة مرات في حروب الثورة
الفرنسية وحروب "نابليون"، ولكنه ظل أبداً يقاتل في سبيل مجد فرنسا ومجد
"نابليون"، وتستعمل الشوفينية حالياً في مجال الاستهجان وعدم الاستحسان
وتمثل النازية الألمانية قمة التعصب الشوفيني.
وبمعنى آخر، الشوفينية
فكرة متطرفة وغير معقولة، وهي التحزب باسم المجموعة التي ينتمي إليها الفرد، وخاصة
عندما يتضمن الحزب حقداً وكراهية تجاه أي فريق منافس. كأصحاب التمييز العرقي (حركة
منشأها بريطانية).
في الوقت الحاضر
الشوفينية هي مصطلح شائع ومنتشر الاستخدام يدل على عنجهية الرجل (بالإنجليزية: male chauvinism)، والتي تشير إلى
الاعتقاد بأن الذكور تتفوق على الإناث، كذلك الأمر بالنسبة للإناث الشوفينيات
(بالإنجليزية:
female chauvinism) التي تعتقد أن الإناث أعلى من الذكور.
وكذلك النازية، التي
هي، فلسفة تقوم على سياسة التفوق العنصري، وعلو أجناس بشرية على أخرى، وظهرت بعد
الحرب العالمية الأولى، بقيادة "هتلر"، الذي أحرق الأخضر واليابس، وأشعل
حروباً، ما زالت بعض الدول تئن من وطأتها، وبسبب هذه الفلسفة قتل ملايين البشر.
وقل مثل ذلك، في كل القوميات،
التي قامت على فكرة التعصب للذات، والتقوقع على النفس، مع ذم للأمم الأخرى، ويظهر
هذا جلياً في القوميات، التي ظهرت في أمتنا، وطرحت بديلاً فكرياً، من خلال فلسفات
دخيلة، عملت على تمزيق الصف، وشرذمة الأمة، حتى اعتبرها بعض منظريها، أنها مصدر
المقدسات، بل إن صانعها هو سيد القدر! وأرادوا لها أن تكون محل "الأخوة
الإسلامية الإنسانية"، فاستبدلت الرابطة الجامعة، بروابط مخترعة، صيغت
بإتقان، على عين أعداء الأمة، وجنت الأمة بعدها الشوك والحنظل، وعشنا وضعاً، أدى
بنا إلى صورة لا نحسد عليها، ووضعنا في ذيل الأمم.
والإمام حسن البنا –
يرحمه الله تعالى – بيَّن لنا الموقف الصحيح من هذه الأفكار، بجمل موجزة، ومعان
عزيزة، ومما قال:
والآن سأتحدث إليك عن
موقفنا من مبدأ القومية:
قومية المجد: إن كان
الذين يعتزون بمبدأ "القومية" يقصدون به أن الأخلاف يجب أن ينهجوا نهج
الأسلاف في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة، وأن تكون لهم بهم في ذلك
قدوة حسنة، وأن عظمة الأب مما يعتز به الابن ويجد لها الحماس والأريحية بدافع
الصلة والوراثة، فهو مقصد حسن جميل نشجعه ونأخذ به، وهل عدتنا في إيقاظ همة
الحاضرين إلا أن نحدوهم بأمجاد الماضين؟ ولعل الإشارة إلى هذا في قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا
فقهوا", فها أنت ذا ترى أن الإسلام لا يمنع من القومية بهذا المعنى الفاضل
النبيل.
قومية الأمة: وإذا قصد
بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره وبره وأحقهم بإحسانه وجهاده فهو
حق كذلك، ومن ذا الذي لا يرى أولى الناس بجهوده قومه الذين نشأ فيهم ونما بينهم؟
لعمري لرهط المرء خير
بقية
عليه وإن عالوا به كل
مركب
وإذا قصد بالقومية أننا
جميعاً مبتلون مطالبون بالعمل والجهاد، فعلى كل جماعة أن تحقق الغاية من جهتها حتى
تلتقي إن شاء الله في ساحة النصر فنعم التقسيم هذا، ومن لنا بمن يحدو الأمم
الشرقية كتائب كل في ميدانها حتى نلتقي جميعاً في بحبوحة الحرية والخلاص؟
كل هذا وأشباهه في معنى
القومية جميل معجب لا يأباه الإسلام، وهو مقياسنا، بل ينفسح صدرنا له ونحض عليه.
القومية الجاهلية: أما
أن يراد بالقومية إحياء عادات جاهلية درست، وإقامة ذكريات بائدة خلت وتعفية حضارة
نافعة استقرت، والتحلل من عقدة الإسلام ورباطه بدعوى القومية والاعتزاز بالجنس،
كما فعلت بعض الدول في المغالاة بتحطيم مظاهر الإسلام والعروبة، حتى الأسماء وحروف
الكتابة وألفاظ اللغة، وإحياء ما اندرس من عادات جاهلية، فذلك في القومية معنى
ذميم وخيم العاقبة وسيئ المغبة، يؤدي بالشرق إلى خسارة فادحة يضيع معها تراثه
وتنحط بها منزلته ويفقد أخص مميزاته وأقدس مظاهر شرقه ونبله، ولا يضر ذلك دين الله
شيئاً: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا
أَمْثَالَكُمْ {38}) (محمد).
قومية العدوان: وأما أن
يراد بالقومية الاعتزاز بالجنس إلى درجة تؤدي إلى انتقاص الأجناس الأخرى والعدوان
عليها والتضحية بها في سبيل عزة أمة وبقائها، كما تنادي بذلك ألمانيا وإيطاليا
مثلاً، بل كما تدعي كل أمة تنادي بأنها فوق الجميع، فهذا معنى ذميم كذلك ليس من
الإنسانية في شيء، ومعناه أن يتناحر الجنس البشري في سبيل وهم من الأوهام لا حقيقة
له ولا خير فيه.
رباط العقيدة: أما إذ
عرفت هذا فاعلم – أيدك الله – أن الإخوان المسلمين بالنسبة إليهم قسمين:
قسم اعتقد ما اعتقدوه
من دين الله وكتابه وآمن ببعثه ورسوله وما جاء به، وهؤلاء تربطنا بهم أقدس
الروابط، رابطة العقيدة وهي عندنا أقدس من رابطة الدم ورابطة الأرض, فهؤلاء هم
قومنا الأقربون الذين نحنّ إليهم ونعمل في سبيلهم ونذود عن حماهم ونفتديهم بالنفس
والمال, في أي أرض كانوا ومن أية سلالة انحدروا.
وقوم ليسوا كذلك ولم
نرتبط معهم بعد بهذا الرباط فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا ونحب لهم الخير ما كفوا
عدوانهم عنا, ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطة هي رابطة الدعوة, علينا أن ندعوهم إلى
ما نحن عليه لأنه خير الإنسانية كلها, وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدد لها
الدين نفسه من سبل ووسائل, فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به
عنوان المعتدين.
أما إذا أردت ذلك من
كتاب الله فاسمع:
1 – (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات:10).
2 – (لَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم
مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن
تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {9})
(الممتحنة).
بوارق:
- الناس سواسية، كأسنان
المشط، يتمايزون بالتقوى، والعمل الصالح.
- لا فرق بين الناس، من
حيث أعراقهم، وقصة التفوق العرقي، قصة خرافية، نسجها ساسة المصالح، وبنى أعشاشها
الشيطان، للتحريش بين الناس.
- الفوقية، ودعوى صفاء
العرق، تطرف وحشي، وعدوان على إنسانية الإنسان، كلكم لآدم، وآدم من تراب.
- صراع الأعراق، عرب
وعجم، شرق وغرب، آريون وساميون، سود وبيض، وغير ذلك، سياسة تهدف إلى استعمار
الشعوب.
- الاعتراف بالأقوام
والشعوب، والقبائل والبطون والأفخاذ، والألوان، والألسن، واختلاف البلدان، أمر
لازم، والعيب في التعصب لها، وتحويلها من نعمة، إلى نقمة، من خلال معاول الهدم،
التي صنعت من بقايا جيفها.
- من جناية هؤلاء على
أنفسهم، وعلى من صدقهم وتبعهم، أنهم استبدلوا التعارف والتآلف، بالتقاتل والتحاقد
وإشاعة ثقافة الكراهية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق