في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة الله ، بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم المنذر بن عمرو في سبعين من خيرة الصحابة ، وكانوا يُعرفون بالقرَّاء
، إلى أهل نجد ليعلموهم الإسلام ، فانطلقوا حتى نزلوا بئر معونة ،ثم بعثوا حَرَام
بن مِلْحان برسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
عامر بن الطفيل يدعوه إلى الإسلام . وكان عامر طاغية شرير ، لا يراعي عهد ولا ذمة
، فأشار إلى رجل فطعن حرام بن ملحان من الخلف في ظهره ، فخرجت من صدره ، فلما رأى
حرام ذلك اخذ دمه بكفه ثم نضحه على وجهه وهو يقول " فزت ورب الكعبة ".
وفي هذه السرية استشهد عامر بن فهيرة رضي الله عنه ، وأثر عنه انه
قال كلمة حرام بن ملحان " فزت والله " .
وهذا جبّار بن سلمى يقول : إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلاً منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه ، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره
فسمعته يقول : فزت والله فقلت في نفسي : ما فاز ألست قد قتلت الرجل ؟
قال : حتى سألت بعد ذلك عن قوله ، فقالوا : للشهادة ؛ فقلت : فاز لعمر
الله . (سيرة ابن هشام )
إن سرية بئر معونة موجودة في كتب السنة النبوية ، وفي كتب السيرة
النبوية فمن أراد المزيد فليرجع إليهم .. ولكن حديثي يبدأ من الصرخة المدوية التي
هزت أرجاء الكون ، وزلزلت قلوب الأعداء ، وانشرحت لها صدور المؤمنين ، الصرخة التي
أطلقها حرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة " فزت ورب الكعبة " ، " فزت
والله "
وكثير يسأل أين الفوز في نهاية حرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة ، وفي
شهداء بئر معونة ، وفي شهداء الإسلام في كل مكان وزمان ، وفي شهداء الثورة السورية
؟
يتساءل كثير من الناس عن هذا كيف فاز وقد قتل ؟ يتساءلون بتعجب
واستغراب وإنكار .. ، كما تساءل جبار بن سلمى " ما فاز ألست قد قتلت الرجل؟
" وهذا التساؤل يردده الكثير من المشاهدين والمتابعين لما يجري في سوريا ، أين
النصر في الثورة السورية ؟ وأين الفوز في أحداثها ومجريات أمورها ؟ وأين الخير
فيها ؟ وقد قتل من قتل ، وفقد من فقد ، وهرب من هرب ، ولجأ من لجأ ، وشرد من شرد ،
كم جراح أثخنت ، وأطراف مزقت ، وبيوت هدمت ، وحياة عطلت ؟ وكم أحياء دمرت على
ساكنيها ؟ فدفنت البشر والحياة والحيوانات والنباتات ؟ وكم ..؟ وكم... ؟
هذه التساؤلات جاء جوابها على لسان جبار بن سلمى القاتل نفسه ، فقد
احتار في معنى ومفهوم وكيفية هذا الفوز !! وكان هناك إلحاح شديد من نفسه لمعرفة
الجواب ، فسأل عن معنى قوله " فزت والله " ، فقالوا له الشهادة ، ودخول
الجنة ، والنجاة من النار ، فأسلم رضي
الله عنه .
إن مفهوم الفوز في الإسلام مفهوم جميل متميز ، له نكهته الخاصة ، وله
دلالته القيمة ، فهو مفهوم مختلف عن مفاهيم الأديان والمذاهب والمصطلحات الفلسفية
..
فالفوز الحقيقي ، مرتبط بالله سبحانه ، توكلا وإنابة وعبودية ، ولذا
لا يمكن استيراد الفوز { وما النصر إلا من عند
الله العزيز الحكيم }( آل عمران : 126)
لقد ودع الشهيد الدنيا ، ودمه يسيل ، فلم يصرخ انجدوني ، ساعدوني ،
حياتي ، لا أريد أن أموت ، أنقذوني ....
إنه يودع الدنيا ويستقبل الآخرة وهو مؤمن أن الدنيا طريق إلى الآخرة
، وان الدنيا ليست بدار استقرار ، وان الدنيا ليست أهلا للفوز ، وإنما الفوز كل
الفوز في الموت في سبيل الله .. وأن الفوز كل الفوز في الخروج من الدنيا ، ودخول
الجنة ، والنجاة من النار .
{ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات
ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير }
(البروج:10-11)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق