يعرضُ
ابنُ كثير رحمه الله تعالى في سورة (ص) قصة النبي الصابر أيوب عليه الصلاة والسلام
، فيقول:" يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله أيوب عليه الصلاة والسلام وما كان
ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما
سوى قلبه ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غيرَ أن زوجته
حفظت ودَّه لإيمانها بالله تعالى ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه
نحواً من ثماني عشرة سنة وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولادٍ وسعة طائلة من الدنيا،
فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن رفضه القريب والبعيد سوى زوجته رضي الله
عنها فإنها كانت لا تفارقه صباحاً ومساءً إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبا
فلما طال المطالُ واشتد الحال وانتهى القدر وتم الأجل المقدَّرُ تضرع إلى رب
العالمين وإله المرسلين فقال " إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "الأنبياء
83. انتهى قول ابن كثير.
في
سورة الأنبياء ذكر أيوب عليه السلامُ أن الضُّر مسَه ، وسأل اللهَ تعالى رحمته،
فاستجاب له وكشف عنه الضرَّ،وأعاد إليه أهله ، ومثلَهم معهم ، لقد استجاب الرحيم
نداءه وتوسُّلَه، فكشف ضُرّه ،وشمله في الصالحين وجعله مثلاً( للعابدين )."
فاستجبنا لهُ، فكشفنا ما به من ضُرٍّ،وآتَيْناه أهلَه ومثلَهم معهم رحمةً مِن
عندنا ، وذكرى للعابدين"
وفي سورة(ص) يصرح النبيُّ الصابر أيوب
النبي أن الشيطان مسَّه بالأذى ، فأذن
الله تعالى بشفائه وعلمه كيف يتخلص من الأذى ووهب له أهله وزاده مثلهم وجعله
مثالاً وعِبرةً لأولى الالباب والعقول:"واذكر عبدنا ايوب إذ نادى ربه أني
مسَّنيَ الشيطانُ بنُصْب وعذاب ، اركُض برجلك هذا مغتسل باردٌ وشراب، ووهبنا له
أهلَه ومثلـَهم معهم رحمةً منّا ،وذكرى لأولي الألبابِ""41-43،(ص).
إنَّ
الله بيده مقاليد الأمور يفعل ما يشاء وقتَ يشاءُ، يبتلي عباده الصالحين فيرفع
بابتلائهم مقامهم.ويجزيهم على صبرهم من خيره العميم ما يُنسيهم ما كانوا
فيه،ويُعلي ذَكرَهم.
وفي
هذه الآية الكريمة نَسَب الضُّرَّ إلى الشيطان ،ونسب الخير إلى الله تعالى ،فهو عليه
السلامُ يعلمنا أن نتأدب مع المولى ، ومثال التأدُّب معه سبحانه في القرآن كثير ،
من ذلك قوله تعالى في سورة الجنِّ " وأنا لا ندري ؛ أشَرٌّ أريدَ بمن في
الأرض أم أرادَ بهم ربُّهم رشداً " الآية 10.؛ فالشرَّ ذكَرَه بصيغة المبني
للمجهول ، ونسبَ الخير إلى الله تعالى، وعُد إلى قصة الرجل الصالح وموسى عليهما
السلام في سورة الكهف تجدْ مثالاً واضحاً للتأدب مع الله تعالى _ ذكرتُ هذا في
كتابي من أساليب التربية في القرآن الكريم- .
شكا إلى الله وحده الذي يرفع البلاءَ ما أصابه فاستجاب
له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يلمس بقدمه الارضَ بقوة، ففعل،
فنَبَعَتْ عينٌ، فاغتسل منها فأذهبت جميعَ ما كان في بدنه من الأذى بإذن الله،ثم
أمره فرَكَضَها مرّة أخرى في مكان آخرَ، فتفجَّرتْ عينٌ ثانيةٌ ،فشرب منها ،فذهب جميع ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية
ظاهرا وباطنا
فعن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن
نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ،فرفضه القريب
والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدُوان إليه ويروحان فقال أحدهما
لصاحبه تعلمُ –والله- لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه
وما ذاك ؟ قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى فيكشف ما به، فلما راحا
إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ،فقال أيوب عليه الصلاة والسلام :لا أدري ما
تقول ،غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان فيذكران الله
تعالى فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يُذكرَ الله تعالى إلا في حق ،وقال
وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم
أبطأ عليها فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام " أن اركض
برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " فاستبطأته فالتفتت تنظر فأقبل عليها قد أذهب
الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت أي بارك الله فيك ،هل
رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله القديرُ على ذلك ما رأيت رجلا أشبهَ به منك إذ
كان صحيحا. قال فإني أنا هو. وروى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " بينما أيوب يغتسل عُريانا خرَّ عليه جرادٌ من ذهبٍ، فجعل
أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه ،فناداه ربه عز وجل :يا أيوبُ؛ ألم أكن
أغنيتك عما ترى قال عليه الصلاة والسلام بلى -يا رب -ولكن لا غنى بي عن بركتك
" رواه البخاري .وأحيا الله أبناءَه بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم رحمة على
صبره وثباته ،فكان مثالاً لذوي العقول ليعلموا أنَّ عاقبة الصبر الفرج .
قيل لأيوب صلى الله عليه وسلم : قد آتيناك أهلك
في الجنة فإن شئت تركناهم لك في الجنة وإن شئت آتيناكهم في الدنيا . قال مجاهد :
فتركهم الله عز وجل له في الجنة وأعطاه مثلهم في الدنيا .وقال عبد الله بن مسعود
كان أهل أيوب قد ماتوا إلا امرأته فأحياهم الله عز وجل في أقل من طرف البصر ,
وآتاه مثلهم معهم . وقاله ابن عباس ، ولعلهم – كما قال القرطبيُّ: ماتوا ابتلاء
قبل آجالهم،ونشأت سحابةٌ على قدْرِ قواعد داره ،فأمطرت ثلاثه أيام بلياليها جراداً
من ذهب . فقال له جبريل : أشبِعتَ ؟ فقال : ومن يشبع من فضل الله . فأوحى الله
إليه : قد أثنيت عليك بالصبر قبل وقوعك في البلاء وبعده , ولولا أني وضعت تحت كل
شعرة منك صبراً ما صبرتَ .
إن
من صفات أولي الألباب:
1-
أنهم يصبرون ، والأنبياءُ سادةُ إولي الألباب.
2-
وهو يظنون بالله الخير فهو سبحانه ربُّ الخير وأصلُه.
3-
أنعم مبتلَونَ :أشد الناسِ بلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثلُ فالامثلُ .
4-
أنهم يلجأون إلى الله وحده ، فخلاصُهم ونجاتُهم بيده سبحانه.
5-
ومن شفافيتهم ذكرُهم ابتلاءاتِ الأنبياء والصالحين ،فيجتهدون أن يكونوا مثلهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق