الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-02-15

تفْسيرُ القُرْآنِ بِالقُرْآَنِ تصحيحُ «التَّوراة» و«الإنجيل» من« القرآن» - بقلم: د. محمد عناد سليمان

اختلف العلماء قديمًا وحديثًا حول كثيرٍ من القضايا الدِّينيَّة التي تتصلُ بشكل أو بآخر بالنِّزعات «المذهبيَّة» أو «الطَّائفيَّة» التي تعيشها البشريَّة، ولم يكن «العرب» بدعًا منها؛ بل كانوا أكثر النَّاس اختلافًا ونزاعًا، حتَّى وصل الخلاف إلى مرحلة اقتتال فكريٍّ، أدَّى بأصحابه إلى أن يصفوا المخالِف بأوصاف درجوا عليها سابقًا وتابعها اللاحق، كـ«الكفر»، و«الزَّندقة»، والخروج من «الملَّة».

ولعلَّ السَّبب الذي دفعهم إلى ذلك يكمن في «العنصريَّة الدِّينيَّة» لديهم إذ جعلوا من أنفسهم أوصياء الله في أرضه على دينه، والحاكمين على العباد نيابة عنه، نتج عن ذلك أنَّهم جعلوا «الإسلام» دينًا تقترن بدايته ببعثة محمَّد e، وأنَّ أركانه من «صلاة»، و«صيام»، و«حجٍّ» وغيرها وُلِدَت بولادته e، وهو زعمٌ يردُّه النَّصُّ القرآنيّ نفسه، ويفنِّدُ ويدحضُه.

وقد تكون قضيَّة القول بتحريف الكتب السَّماويَّة السَّابقة كـ«الإنجيل»، و«التَّوراة» إحدى هذه القضايا التي تنازعها النَّاس، واختلف «العرب» مع غيرهم من «الطَّوائف»، مستدلِّين على مذهبهم ببعض الآيات القرآنيَّة التي تشير إلى دخول «التَّحريف» كقوله تعالى: ]أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[البقرة 75، وقوله أيضًا: ]مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ[النساء46، وقوله: ]فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ[المائدة13.

ولا شكَّ أنَّ القول بأنَّ ما في بين أيدي «الطَّوائف» الأخرى من «الكتب» قد دخله «التَّحريف» وهو واقع لا محالة، فهذا يلزمُنا أنَّ نمتلك الأصل لنثبتَ أنَّ الآخر «محرَّف»، وليس فقط الاعتماد على «الآيات» القرآنيَّة التي لا يؤمنُ بها الطَّرف الثَّاني، خاصَّة وأنَّ معنى «التَّحريف» الوارد في هذه الآيات ونظائرها قد أوَّلها بعض «المفسِّرين» على أنَّ المراد هو تحريف «التَّأويل» وليس تحريف «اللَّفظ»، وهو الوجه الذي لم يوردُ «الطَّبريّ» غيره فقال: «وأمَّا تأويل قوله: يحرِّفون الكلم عن مواضعه فإنَّه يقول: يبدِّلون معناها ويغيِّرونها عن تأويله»، ونظيره ما قاله «القرطبيّ»: «ومعنى يحرِّفونه: يتأوَّلونه على غير تأويله».

ولم يكن هذا النَّوع من التَّحريف خاصَّا بـ«التَّوراة»، و«الإنجيل»؛ بل تطرَّق إلى «القرآن الكريم» نفسه، يظهر ذلك جليًا لدى «الرَّازيُّ»، بعد أن ذكر معنى «التَّحريف» الحاصل فيها، ورجَّح أنَّ المقصود هو تحريف «التَّأويل»، لا تحريف «اللَّفظ» إذ قال : «المراد بالتَّحريف: إلقاء الشُّبهة الباطلة، والتَّأويلات الفاسدة، وصرف اللَّفظ عن معناه الحقِّ إلى معنى باطل بوجوه من الحيلة اللفظيَّة، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصحَّ».

ومن أمثلة التَّحريف بالتَّأويل في «القرآن الكريم» قوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}الأعراف40، حيث جعلوا معنى «الجَمَل»: «البعير»، وهو حيوان معروف ومشهور لدى العرب، والعلَّة في ذكره كما يقول «الرَّازي» مثلا: «وإنَّما خصَّ الجمل من بين سائر الحيوانات؛ لأنَّه أكبر الحيوانات جسمًا عند العرب، فجسم الجمل أعظم الأجسام، وثقب الإبرة أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل في تلك الثقبة الضَّيِّقة محالا».

لكنَّ من يتدبَّر آيات «القرآن الكريم» نفسها يجد أنَّ الله سبحانه وتعالى قد ذكر «البعير» صراحة في غير ما موضع منه فقال تعالى: ]قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ}يوسف72، لذلك الأرجحُ في المراد من لفظ «الجمل» هو «الحبل» الثَّخين الذي تشدُّ به «السَّفينة»، ونرجِّحُ ذلك لسببين:

الأوَّل: أنَّ هذا المعنى قد ورد في «القرآن الكريم» نفسه فيمن قرأ هذه الآية بتشديد الميم وتخفيفها، أو إسكانها، ونظيره قوله تعالى: ]كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}المرسلات33.

الثَّاني: أنَّ بعض المفسِّرين كـ«ابن عبَّاس» قد ذهب هذا المذهب، فقال فيما يورده «الرَّازي» عنه: «أنَّ الله تعالى أحسن تشبيهًا من أن يشبِّه بالجمل»، أي: «أنَّ الحبل مناسبٌ للخيط يسلك في سمّ الإبرة، والبعير لا يناسبه».

الثَّالث: أنَّ تعليلهم لذكر «الجمل» دون سواه لكبر حجمه تعليل ضعيف واستدلال أضعف، إذ لو كان المراد من التَّشبيه للدَّلالة على ضخامته، وأنَّه أكبر الحيوانات لكان ذكر «الفيل» الوارد في سورة أخرى أولى بالذِّكر، وأدلَّ على المراد.

ولسنا بصدد ذكر البراهين والأمثلة على التَّحريف بـ«التَّأويل» في هذه الكتب الثَّلاثة، وإن كان من الضَّرورة بمكان فيما يتعلَّق بـ«القرآن الكريم»، لكنَّ القصد البحث عن الدَّليل والصَّحيح من الكتب الأخرى لإثبات أنَّ ما بين أيديهم هو «المحرَّف»، إذ إنَّ مجرَّد القول بذلك من دون حجَّةٍ أو برهان كما أشرنا يبقى واهيًا، وزعمًا باطلاً.

إنَّ نقطة الارتكاز التي كانت سببًا في هذا البحث، وبداية انطلاق شرارة هذا القول، هو سؤال ورَدَنا من أحد الأخوة الأفاضل بعد أن أثبتنا أنَّ «الصَّلاة» كركن من أركان «الإسلام» كان موجودًا قبل بعثة النَّبيّ e،  فقال تعقيبًا على ذلك: «وهل كانوا يقرؤون القرآن في صلاتهم؟ علمًا أنَّ القرآن الكريم نزل على رسول الله e؟». وهو سؤال محقٌّ من صاحبه، و لا بدَّ له من إجابة، وعند الشُّروع في البحث عنها، وجدنا أنَّ «القرآن الكريم» قد تضمَّن بعض ما ورد في الكتب السَّماويَّة السَّابقة، وأكاد أجزمُ أنَّ متابعة البحث والدِّراسة في هذا الموضوع سترجِّحُ وقد تجزمُ أنَّ «القرآن الكريم» قد ضمَّ جميع ما ورد في هذه «الكتب»، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يبارك لنا في وقتنا، وأن يهيِّأ لنا الظٌّروف المناسبة لمتابعة ذلك.

وحتى لا يكون ما ذكرناه آنفًا قولا مجرَّدًا من الدَّليل والبرهان نعرض بعضها كما نصَّ عليه «القرآن الكريم»، وكما فهمه بعض «المفسِّرين» الأوائل، من ذلك قوله تعالى: ]مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} المائدة32، ففي هذه الآية أحكامٌ تشريعيَّة لـ«بني إسرائيل» وهي لنا من بعدهم، كما في قول «الطَّبريّ»: «حدَّثني المثنَّى قال: حدَّثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك عن سلام بن مسكين قال: حدَّثنا سليمان بن علي الرّبعيّ قال: قلت للحسن:  من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل من قتل نفسًا بغير نفس، الآية، أهي لنا يا أبا سعيد، كما كانت لنبي إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا». لكن السُّؤال: أين كتب الله ذلك عليهم؟ وأين فرضه؟ قال «أبو حيَّان»: «ومعنى كتبنا: أي: كتب بأمرنا في كتب منزلة عليهم تضمَّنت فرض ذلك».

ويؤكِّدُ ما قلناه بناء على منهج «تفسير القرآن بالقرآن» قوله تعالى في موضع آخر: ]وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}المائدة45، فإنَّ لفظ «فيها» عائد على مكان الكتابة وهو «التَّوراة»، وهو ما ذكره «المفسِّرون» فقال «الطَّبريّ»: «وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكِّمونك يا محمَّد وعندهم التَّوراة فيها حكم الله»، ونظيره قول «الرَّازيّ»: «والمعنى أنَّه تعالى بيِّن في هذه الآية أيضًا أنَّه تعالى بيَّن في التَّوراة أنَّ النَّفس بالنَّفس، وهؤلاء اليهود غيَّروا هذا الحكم أيضًا»، وأرجِّحُ أن يكون التَّغيير تحريفًا بـ«التَّأويل» كما سبقت الإشارة إليه، وهو ما يُشيرُ إليه قول «ابن كثير»: «وهذا أيضًا ممَّا وبخت به اليهود وقرعوا عليه، فإنَّ عندهم في نصِّ التَّوراة: أنَّ النَّفس بالنَّفس، وهم يخالفون ذلك عمدًا وعنادًا»، وفي ذلك يقول «أبو حيَّان»: «مناسبة هذه الآية لما قبلها أنَّه تعالى بيَّن في التَّوراة أنَّ حكم الزَّاني المحصن: الرَّجم، وغيَّره اليهود، وبيِّن هنا أنَّ في التَّوراة: أنَّ النَّفس بالنَّفس، وغيَّره اليهود أيضًا».

بل إنَّ الله سبحانه وتعالى قد نصَّ في «القرآن الكريم» على أنَّه تضمَّن تصحيحًا لكثير ممَّا اختلفت فيه «بنو إسرائيل» فقال تعالى: ]إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} النمل76، ولا شكَّ أنَّ هذا دليلا واضحًا على وجود بعض ما جاء في «التَّوراة»، وجعلوا ذلك من معجزات «القرآن الكريم» نفسه فقال «الرَّازيّ»: «إنَّ الأقاصيص المذكورة في القرآن موافقة لما كانت مذكورة في التَّوراة والإنجيل»، وقال «القرطبيُّ»: «إنَّ هذا القرآن يبيِّنُ لهم ما اختلفوا فيه لو أخذوا به، وذلك ما حرَّفوه من التَّوراة والإنجيل، وما سقط من كتبهم من الإحكام»، ونظيره قول «أبي حيَّان»: «ومن جملة إعجازه إخباره بما تضمَّن من القصص الموافق لما في التَّوراة والإنجيل».

ولم يقتصر الأمر على ما في «التَّوراة» و«الإنجيل»، إذ نجد في «القرآن الكريم» بعض ما ورد في «صحف» «إبراهيم» عليه السَّلام أيضًا، فقال تعالى: ]أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}النجم 36 -37. فما هو الذي في «الصُّحُف» التي يريد سبحانه وتعالى أن يخبرنا بها؟ إنَّها الآيات التي بعدها من قوله تعالى: ]أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}النَّجم38 إلى قوله تعالى: ]هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى}النَّجم56.

وحتَّى لا يظنُّ أحدٌ أنَّ ما ذكرناه ادِّعاء من عند أنفسنا، أو اتِّباع هوىً، نذكر ما قاله بعض «المفسِّرين» في هذه الآية ونحوها، فـ«الطَّبريّ» يؤكِّدُ ذلك فيما يورده فقال: «حدَّثنا محمد بن عبيد المحاربيّ قال: حدَّثنا أبو مالك الحنبي قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك الغفاريّ في قوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، إلى قوله: من النُّذر الأولى، قال: هذا في صحف إبراهيم وموسى».  وقال «ابن كثير»: «ثمَّ شرع يبيِّنُ ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: ألا تزر وازرة وزر أخرى».

ومنه قوله تعالى: ]إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى *  صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى الأعلى}الأعلى17 - 18، فلفظ «هذا» يشير وبوضوح إلى ما سبق ذكره، وأنَّه في موجود في «صحف إبراهيم وموسى»، وإلى ما ذهبنا إليه أشار إليه «المفسِّرون» كقول «الطَّبريّ»: «أشار به إلى الآيات التي في سبح اسم ربِّك الأعلى». ومثله قول «القرطبيّ»: «إنَّ هذا لفي الصُّحف الأولى من قوله: قد أفلح إلى آخر السُّورة»، «وروى عكرمة عن ابن عبَّاس: إنَّ هذا لفي الصُّحف الأولى قال: هذه السُّورة». وفي «الحديث» الذي تذكره بعض كتب «التَّفاسير في ذلك عن «أبي ذرّ» قال: «قلت يا رسول الله، فهل في أيدينا شيء ممّا كان في يدي إبراهيم وموسى ممَّا أنزل الله عليك؟ قال: نعم، اقرأ يا أبا ذرّ: قد أفلح من تزكَّى، وذكر اسم ربه فصلَّى، بل تؤثرون الحياة الدُّنيا والآخرة خير وأبقى، إنَّ هذا لفي الصُّحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى». وجعل «ابن كثير» هذا القول «حسنٌ قويٌّ، وقد رُوي عن قتادة وابن زيد نحوه»، بل رجَّح «الطَّبريّ» ذلك فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصَّواب من قال: إنَّ قوله: قد أفلح من تزكَّى، وذكر اسم ربِّه فصلَّى، بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى، لفي الصُّحف الأولى صحف إبراهيم خليل الرَّحمن، وصحف موسى بن عمران».

ولو أردنا متابعة البحث لاستطعنا استنباط ما أنزله الله سبحانه وتعالى في الكتب السَّماويَّة السَّابقة والتي ستكون نسخة أصليَّة صحيحة من كتاب الله عزَّ وجلَّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتكون دليلاً وبرهانًا قويًّا لإثبات المحكم من المحرَّف في «التَّوراة»، و«الإنجيل» ممَّا بين أيدينا، وأكاد أجزمُ أنَّ جميع الآيات التي ورد فيها «قال الله» مخاطبًا فيها «الأنبياء» السَّابقين هي ممَّا ورد وثبتَ في كتبهم التي أنزلها الله عليهم، من مثل قوله تعالى: ]إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}آل عمران55، وقوله تعالى: ]إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} المائدة110،  وقوله أيضًا: ]وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ}المائدة12، وغيرها من الآيات الكثيرة.



لذلك كان واجبًا علينا طرح السُّؤال التَّالي: هل يجوز للمسلم العربيّ أن يقرأ في صلاته شيئًا من «التَّوراة»، أو «الإنجيل»؟ وهل صلاته صحيحة؟ والذي نعنيه: ما ورد منها في «القرآن الكريم» نفسه، وتبيَّن لنا من خلال استقراء الإجابات الواردة في ذلك أنَّ كثيرًا من «المسلمين» من عرب وغيرهم يجزمون بأنَّ «القرآن الكريم» لم يتضمَّن شيئًا من الكتب السَّماويَّة السَّابقة، وقد ثبتَ قبل قليل خلافه، وأجبنا عن السُّؤالين في آنٍ معًا.

د. محمد عناد سليمان
11 / 2 / 2015م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق