- أعلام مجتهدي الفهم في العصر الحديث.
- وبصولنا إلى عصرنا الحاضر، وما برزت فيه من حركات
( خلط الفهوم ) من أجل غزو الأمة فكرياً، وحرفها عن المسار المبارك، المسار المبارك،
الذي ينتج الخير، وتكون البركة إفرازاً من إفرازات التمسك بهديه القويم، ولما لا يريدون
لنا ذلك، أخذو يحاولون إدخال الأمة في دوامة الضياع، من خلال جملة من الحركات والمؤسسات،
التي اشتغلت على هذا الأمر، بدأب منقطع النظير، وعمل لا يعرف الكلل ولا الملل، وبذلت
له الأموال، وسخرت له الإمكانات، وأعطته من الجهد والوقت أشياء كثيرة.
- وكان منها تياران مشهوران : الأول
– تيار الاستشراق: الذي يعمل على تشكيل العقل المسلم، بلغة غازية، ومنهج استعماري،
وغزو ثقافي، ليصل إلى مصادرة المسلم، فكرياً ونفسياً واجتماعياً وسياسياً وسلوكياً،
والنظريات الاستشراقية من حيث الجملة، هي التي أصلت لكثير من معاني خلط الأوراق، من
خلال دس السم بالعسل، وتلوين المشهد الثقافي بلون البحث العلمي المجرد، لمزيد من الخداع
والتدليس.
والثاني: تيار التغريب والغزو الفكري.
إضافة إلى تيارات الموروث التاريخي،
التي تحدثنا عن طرف منها، في القسم الأول من هذه المقالة، والتي منها نتوءات الغلو،
التي ما تفتأ أن تخمد، حتى تلتهب من جديد، وإن تغير لونها، وفاحت منها روائح بنكهات
ثانية، أو برزت بطعوم مختلفة، وهذه سنة الله في خلقه.
ورحم الله سيد قطب، لما بلغه أن بعض
الشباب من أهل الغلو يستندون إلى مقاطع من كتبه، يستشهدون بها، قال قولته الشهيرة:
لقد حملوا أفكاري على حمار أعرج.
- وكان أن قام جماعة من علماء العصر
ومجدديه، للقيام بواجب تفهيم الأمة، أمر دينها، مع تجديد في الخطاب، وحسن بيان للناس. من أمثال : الشيخ أبو الحسن الندوي،
والإمام المودودي، والمفكرسيد قطب، وعالم الفقه الجنائي، عبد القادر عودة، والشيخ محمد
الغزالي، والشيخ عبد السلام ياسين، والأستاذ الهضيبي، وبديع الزمان النورسي، والأستاذ
أربكان، ومالك بن نبي، والشيخ الإبراهيمي، والدكتور السباعي، والشيخ الرفاعي، والشيخ
حبنكة الميداني، والعلامة الحامد، والشيخ سعيد حوى، والعلامة عبد الفتاح أبو غدة، والدكتور
حسن هويدي، والشيخ أحمد عز الدين البيانوني، والدكتور الحبر نور الدايم، والمفكر البهي
الخولي، والمفكر محمد المبارك، والفقيه العلامة يوسف القرضاوي، والعلامة السعدي، والشيخ
ابن عثيمين والشيخ ابن باز، والشيخ أبو بدر المطوع، والشيخ ابن باديس، والأستاذ الزبيري،
والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ فيصل مولوي، والشيخ الزرقا، والعلامة الزهاوي، وخليفته
العلامة عبد الكريم زيدان، والشيخ الصواف، والأستاذ عبد الرحمن خليفة، وأضراب هؤلاء
من العلماء والمفكرين العدول، حيث عملوا على مواجهة تحديات بث الأفهام المنحرفة، والأفكار
المغلوطة، والتصورات المتوهمة، والعقائد الزائغة، ينفون تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،
وتشويش المشوشين، ورد الدساسين، وتأويل الجاهلين، والتصدي للمصطادين بالماء العكر،
ويشكلوا مدرسة الوسطية الإسلامية، التي تمثل الاعتدال الإسلامي، القائم على التيسير
والتبشير، والشمول والتوازن، ونبذ الغلو ( التطرف ).
- ولعل في مقدمة فقهاء الدعوة، الذين حملوا أمانة
التجديد، الإمام حسن البنا – رحمه الله تعالى – الذي صاغ أصول عشرين، يكون عليها مدار
الفهم الصحيح للإسلام. وهذه الأصول هي :
- الأصل الأول :
الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة
جميعاً، فهو دولة ووطن، أو حكومةوأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون،
أو علم وقضاء، وهو مادةوثروة، أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة
صادقة، وعبادةصحيحة سواء بسواء .
الأصل الثاني :
القرآن الكريم والسنة المطهرةمرجع
كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقاً لقواعد اللغة العربية منغير تكلف
ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقاة .
الأصل الثالث :
وللإيمان الصادق، والعبادة الصحيحة،
والمجاهدة نوروحلاوة، يقذفها الله في قلب من شاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف
والرؤىليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدينونصوصه
الأصل الرابع :
والتمائم والرقى والودع والرمل والمعرفةوالكهانة
وادعاء معرفة الغيب، وكل ما كان من هذا الباب، منكر تجب محاربته، إلا ماكان آية من
قرآن أو رقية مأثورة .
الأصل الخامس :
ورأي الإمام ونائبهفيما لا نص فيه،
وفيما يحتمل وجوهاً عدة، وفي المصالح المرسلة، معمول به، ما لميصطدم بقاعدة شرعية،
وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات .
والأصل فيالعبادات التعبد دون الالتفات
إلى المعاني، وفي العاديات الالتفات إلى الأسراروالحكم والمقاصد .
الأصل السادس :
وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك، إلاالمعصوم،
صلى الله عليه وسلم .. وكل ما جاء عن السلف، رضوان الله عليهم، موافقاًللكتاب والسنة
قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع، ولكنا لا نعرضللأشخاص فيما اختلف
فيه بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم، وقد أفضوا إلى ما قدموا .
الأصل السابع :
ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة
الأحكامالفرعية أن يتبع إماماً من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما
استطاعفي تعرف أدلة إمامه، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل، متى صح عنده صدق من أرشدهوكفايته،
وأن يستكمل نقصه العلمي، إن كان من أهل العلم، حتى يبلغ درجة النظر .
الأصل الثامن :
والخلاف الفقهي في الفروع، لا يكون
سبباً للتفرق فيالدين، ولا يؤدي إلى خصومة، ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من
التحقيقالعلمي النزيه في مسائل الخلاف، في ظل الحب في الله، والتعاون على الوصول إلىالحقيقة،
من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب .
الأصل التاسع :
وكل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض
فيها من التكلف، الذي نهينا عنهشرعاً، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام، التي لم تقع،
والخوض في معاني الآياتالقرآنية الكريمة، التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في
المفاضلة بين الأصحاب،رضوان الله عليهم، وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضل صحبته،
وجزاء نيته، وفيالتأويل مندوحة .
الأصل العاشر :
معرفة الله تبارك وتعالى، وتوحيدهوتنزيهه
أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات، وأحاديثها الصحيحة، وما يلحق بذلك منالتشابه، نؤمن
بها كما جاءت، من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها منخلاف بين العلماء،
ويسعنا ما وسع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه (والراسخون في العلم يقولون
آمنا به كل من عند ربنا ). [آل عمران] .
الأصلالحادي عشر :
وكل بدعة في دين الله لا أصل لها،
استحسنها الناس بأهوائهم،سواء بالزيادة فيه، أو بالنقص منه، ضلالة تجب محاربتها، والقضاء
عليها بأفضلالوسائل، التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها .
الأصل الثاني عشر :
والبدعة الإضافية، والتركية، والالتزام
في العبادات المطلقة، خلاف فقهي،لكل فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان.
الأصل الثالث عشر :
ومحبة الصالحين، والثناء عليهم، بما
عرف من طيب أعمالهم، قربة إلى الله،تبارك وتعالى، والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى
: ( الذين آمنوا وكانوا يتقون ). والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضوان
الله عليهم لا يملكونلأنفسهم نفعاً ولا ضراً في حياتهم، أو بعد مماتهم فضلاً عن أن
يهبوا شيئاً من ذلكلغيرهم .
الأصل الرابع عشر :
وزيارة القبور أياً كانت سنة مشروعة،بالكيفية
المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين، أياً كانوا، ونداءهم لذلك، وطلبقضاء الحاجات
منهم عن قرب أو بعد، والنذر لهم، وتشييد القبور، وسترها، وإضاءتها،والتمسح بها والحلف
بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات، كبائر تجب محاربتها، ولانتأول لهذه الأعمال
سداً للذريعة .
الأصل الخامس عشر:
والدعاء إذاقرن بالتوسل إلى الله بأحد
من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائلالعقيدة.
الأصل السادس عشر :
والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظالشرعية
بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصودة بها والوقوف عندها، كما يجبالاحتراز من الخلاف
اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة في المسميات لابالأسماء.
الأصل السابع عشر :
والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهممن
عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاً وإن اختلفت مرتبتاالطلب.
الأصل الثامن عشر :
والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر
فيالكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالةالمؤمن
أنى وجدها فهو أحق الناس بها .
الأصل التاسع عشر :
وقد يتناولكل من النظر الشرعي والنظر
العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا فيالقطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية
صحيحة بقاعدة شرعيةثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفقمع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر
الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار .
الأصل العشرون :
لا نكفر مسلماً أقر بالشهادتين وعمل
بمقتضاهماوأدى الفرائض برأي أو معصية إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوماً من الدينبالضرورة،
أو كذب صريح القرآن الكريم، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغةالعربية بحال، أو
عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق