1- في عالم الانفجار المعرفي الكبير، الذي تعيشه
البشرية اليوم، لا بد من أدوات عمل تستوعب هذا التوسع الهائل، في شُعب الحياة كلها،
ولعل في مقدمة هذه الوسائل، وفي صدارة هذه الأدوات، وجود "مراكز البحوث والدراسات"
وتفعيلها، ودعمها حتى تنجح، وتقف على أقدامها، وتأخذ الدور الحضاري الرائد، المطلوب
منها.
من هنا تجد آلاف المراكز البحثية،
تنتشر في دول العالم، وبالذات منها تلك الدول، ذات المشاريع "الهيمنية"،
والتي تبحث عن مراكز الصدارة، في قيادة العالم، والتأثير فيه؛ لأن هذه من أهم الوسائل
التي تساعدها على تحقيق طموحاتها الكبرى، وأهدافها الواسعة.
كما أن الحياة، في تغير مستمر، خصوصاً
في أيامنا هذه، قد تتغير أمور جوهرية، بين ساعة وأخرى، فينبغي للعقلاء الغيارى من العاملين،
أن يكونوا على مستوى هذا التغيير المستمر، ويتعاطون معه بشكل حضاري، وصورة تتناسب مع
سرعة الحدث، والمشكلة أننا نحضر متأخرين، وفي كثير من الأحيان، ننشط في الملعب، في
الوقت الضائع.
وهذا خلل كبير، فالحدث لا ينتظر جاهزيتك،
إذن كن جاهزاً، حتى لا يفوتك القطار.
وفي عالم التنافس والسباق، وفي كل
المجالات، لا يتعامل الآخرون برحمة مع ضعفك وعجزك.
فكن مراقباً للتغيير، مخططاً على ضوئه
ومعطياته، قبل ألا ينفع الندم، وتصبح متسولاً في شوارع السياسة، أو تنام على رصيف الفكر
الاجتماعي، أو يمن عليك ببقايا موائد الكبار.
وعلى كل حال أن تصل متأخراً، خير من
ألا تصل.
وهذه المراكز، هي التي نسميها
"بيوت التفكير"؛ حيث تعمل على صناعة الأفكار، التي تساعد صاحب القرار – في
المؤسسة أو الجماعة أو الجامعة أو أي مرفق حياتي عامل – على اتخاذ قراره بعلمية، وبعد
دراسة كل الجوانب المتعلقة بهذا القرار، بعيداً عن العاطفة المجردة، أو الانفعال الآني،
أو العفوية السطحية.
القرار أو الخطة لما تبنى على معلومات،
تكون ناضجة وواقعية ومتناغمة، وقابلة للتطبيق، أما إذا كانت بغير هذه الأداة، تصبح
احتمالية، وغالباً ما تغرد خارج السرب، وهنا تكون إشكالية، من إشكاليات العمل، حيث
يتعقد المشهد، بصورة مركبة، تزيد الأمر اضطراباً وحيرة، وقد يؤدي إلى الفشل، أو الإرباك
على الأقل.
المعلومة حاجة ثمينة جداً، الحصول
عليها، وبلورتها في جزئها الصحيح، من تركيبة عملك، هو مقدمة النجاح الأولى.
وفي تاريخنا العريق، نماذج رائعة من
الإفادة من هذه الحقيقة، وهي تدلل على الوعي الحضاري، للإنسان المسلم، الذي استنبط
أصول عمله، من الأصلين العظيمين، والذخرين الخالدين، كتاب الله تعالى، وصحيح سُنة نبيه
– عليه الصلاة والسلام – ومن أمثلة ذلك، ما كان في العصر العباسي، لما تم إنشاء دار
الحكمة، أو بيت الحكمة، الذي يعتبر "مركزاً ضخماً" من مراكز البحوث والدراسات،
وفي المناحي كافة.
وإن من يتابع تفاصيل هذا البيت أو
هذه الدار، يجد عجائب من الإبداع الحضاري، بلغة فيها رقي متقدم، وسبق معرفي نادر، وتلمس
لوسائل النجاح، في العمل، ومواكبة لاحتياجات العصر.
وهنا نتلكم عن الآلة والوسيلة، ونتحدث
عن أصل الفكرة، ولا نتحدث عن المضمون، نقول هذا، حتى لا يعاجلنا أحد مستنكراً مدحنا
هذا، من خلال إثبات خطأ في النواتج هنا أو هناك، ويغفل كلية المشروع، وما كان له من
آثار كبيرة، في تاريخ الحضارة.
وفي الأيام الأخيرة، وأنا أرقب المشهد
التركي عن كثب، وأتابعه عن قرب، وقفت على خبر مفاده: إن الدولة التركية، وضعت خطة،
لتفريغ ثلاثمائة ألف باحث وعالم، بحلول عام 2023م، وهذا دليل قوي، وبرهان صادق، على
ثمرة البحث وأهميته، والباحث وضرورته، ونتائج "بيوت التفكير" من حيث النتيجة
وأثرها على الواقع العملي، من حيث التطوير والإبداع والإنتاج والتنمية وغير ذلك مما
يدخل في هذا الشأن، كما هو دليل "مأسسة"، وعقلية بناء استثنائية.
من هنا، قال بعضهم عنها، مبيناً الفائدة
منها، والهدف من إنشائها: "باعتبارها الطريقة الأمثل لإيصال المعرفة المتخصصة،
من خلال ما تقدمه من إصدارات علمية وندوات متخصصة، من شأنها أن تضاعف مستوى الوعي لدى
صانع القرار والمؤسسات والأفراد، وتساعدهم على الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها
العلمي النظري".
2- والعاملون في الحقل الإسلامي، بحاجة ماسة، إلى
بيوت التفكير هذه "المراكز البحثية"؛ لأنها تعين أصحاب القرار على اتخاذ
القرار، بمنطقية علمية، وتساعد على وضع الخطط، بصورة منهجية، وتعمل على قراءة المستقبل
بشكل سليم، وهذه المراكز تكون وسيلة الفعل الحضاري، الذي من خلاله تصاغ هياكل العمل،
نحو حالة ناجحة، من حالات الشهود الواقعي، بلونه المعاصر، وبحسه البحثي، وبرونقه العملي.
3- من الخطر، عليك وعلى جماعتك، وعلى
مؤسستك، وعلى حزبك، أن يغيب هذا الأمر من مفاصل العمل، من برامج عملك، وخطتك في التفكير،
ونصبح على لغة من يقول: نحن نعمل على البركة.. البركة تحتاج إلى أخذ بالسبب، وهذا ما
تعبدنا الله به، وإلا فقد وقعنا في نظرية التواكل - كما ذكرنا هذا مراراً – وهو أمر
يتنافى مع منظومة أخلاق العمل عند المسلم، ويتعارض مع قيم النجاح المطلوب في حدود الجهد
البشري، ضمن التصور الإسلامي الصحيح.
كل جماعة وتجمع ومؤسسة وتكتل وحزب
إسلامي، بحاجة ماسة، لهذه المراكز، حتى نحقق المراد، بالصورة التي ذكرنا طرفاً من منافعها،
في ثنايا هذه المقالة.
وبكل وضوح وصراحة، الجماعة التي لا
تهتم بالدراسات، وبيوت التفكير، النقص يكتنفها، والقصور يحيط بها، وفيها نقص في لازم
النجاح.
ومنها على سبيل المثال، دراسات المستقبل،
ولها مراكز متخصصة، ودراسات خاصة، ومعارف تتعلق بها، وقواعد تعمل على ضوئها، وأصول
تمضي على منوالها، وأعجبتني دراسة، عبارة عن رسالة ماجستير بعنوان "الدراسات المستقبلية
وأهميتها للدعوة الإسلامية" للباحث الأستاذ عبدالله بن محمد المديفر، أحب لفت
الأنظار لدراستها، وسأكتفي بذكر الأبواب والفصول والمباحث، لمعرفة الموضوعات التي تتعلق
بالدراسة، على الشكل الآتي:
المقدمة:
وتشتمل على أهمية الموضوع، وسبب اختياره،
ومشكلة البحث، وحدوده، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وقائمة الموضوعات.
التمهيد:
ويتضمن التعريف بالدراسات المستقبلية،
والدعوة الإسلامية.
الباب الأول: الدراسات المستقبلية:
الفصل الأول: تاريخ الدراسات المستقبلية
وأبرز علمائها ومؤسساتها.
المبحث الأول: الكتابات قبل تكَوّن
الدراسات المستقبلية.
المبحث الثاني: نشأة الدراسات المستقبلية
وتكوُّنها.
المبحث الثالث: أبرز علماء الدراسات
المستقبلية.
المبحث الرابع: أبرز مؤسسات الدراسات
المستقبلية.
الفصل الثاني: أهداف الدراسات المستقبلية،
وأهميتها، وأهم نظرياتها.
المبحث الأول: أهداف الدراسات المستقبلية.
المبحث الثاني: أهمية الدراسات المستقبلية.
المبحث الثالث: أهم نظريات الدراسات
المستقبلية.
الفصل الثالث: مناهج الدراسات المستقبلية
وأساليبها.
المبحث الأول: مناهج الدراسات المستقبلية.
المبحث الثاني: أساليب الدراسات المستقبلية.
الفصل الرابع: أهم العلوم التي تعتمد
عليها الدراسات المستقبلية، وأسس نجاحها.
المبحث الأول: أهم العلوم التي تعتمد
عليها الدراسات المستقبلية.
المبحث الثاني: أسس النجاح في الدراسات
المستقبلية.
الفصل الخامس: أهم الدراسات المستقبلية
العالمية، والعربية، والإسلامية.
المبحث الأول: الدراسات العالمية.
المبحث الثاني: الدراسات العربية.
المبحث الثالث: الدراسات الإسلامية.
الباب الثاني: التأصيل الإسلامي للدراسات
المستقبلية:
الفصل الأول: النظرة المستقبلية في
القرآن الكريم.
المبحث الأول: النظرة المستقبلية من
حيث عِلمُ مُنزِلِ القرآن، ومُشرِّع ما فيه.
المبحث الثاني: القصص القرآني ومغزاه
المستقبلي.
المبحث الثالث: القواعد المستقبلية
في القرآن الكريم.
الفصل الثاني: النظرة المستقبلية في
السُّنة النبوية.
المبحث الأول: النظرة المستقبلية في
السُّنة النبوية.
المبحث الثاني: النظرة المستقبلية
في التشريع وما يُلحق به.
المبحث الثالث: النظرة المستقبلية
في تنظيم المجتمع الإسلامي، وآدابه، وأخلاقه، ومعاملاته.
المبحث الرابع: القواعد المستقبلية
في السُّنة النبوية.
الفصل الثالث: النظرة المستقبلية لدى
بعض علماء الأمة الإسلامية.
المبحث الأول: النظرة المستقبلية عند
الصحابة رضي الله عنهم.
المبحث الثاني: النظرة المستقبلية
عند بعض العلماء من مختلف العصور.
المبحث الثالث: النظرة المستقبلية
عند المؤرخين.
المبحث الرابع: النظرة المستقبلية
عند ابن تيمية.
المبحث الخامس: القواعد المستقبلية
التي صاغها الفقهاء في القواعد الشرعية.
الفصل الرابع: أساليب استشراف المستقبل
الممنوعة والمشروعة.
المبحث الأول: أساليب استشراف المستقبل
الممنوعة.
المبحث الثاني: أساليب استشراف المستقبل
المشروعة.
الفصل الخامس: ملامح المنهج الإسلامي
في النظرة المستقبلية.
المبحث الأول: الملامح الاعتقادية.
المبحث الثاني: الملامح التشريعية.
المبحث الثالث: الملامح الزمانية.
المبحث الرابع: الملامح المتعلقة بمزايا
المنهج الإسلامي وخصائصه.
الباب الثالث: أهمية الدراسات المستقبلية
للدعوة الإسلامية:
الفصل الأول: الدراسات المستقبلية
وفقه الدعوة.
المبحث الأول: أثر الدراسات المستقبلية
في الفتوى، والاجتهاد، والرأي.
المبحث الثاني: أثر الدراسات المستقبلية
في فقه الموازنات والأولويات.
المبحث الثالث: أثر الدراسات المستقبلية
في الإقناع، وأهمية ذلك للدعوة.
المبحث الرابع: أثر الدراسات المستقبلية
في معالجة الاختلاف وتلافيه.
المبحث الخامس: أثر الدراسات المستقبلية
في الإبداع والتجديد لمصلحة الدعوة، والإفادة من تجاربها، وعلاج بعض مشكلاتها.
الفصل الثاني: الدراسات المستقبلية
والداعي إلى الله، والمدعو.
المبحث الأول: اكتساب النظر المستقبلي.
المبحث الثاني: علم الداعي وثقافته
وتأهيله.
المبحث الثالث: أهمية المشاهد المستقبلية
للداعية.
المبحث الرابع: القدرة على التكيف
الإيجابي، والحماية من بعض المواقف السلبية.
المبحث الخامس: أهمية النظر المستقبلي
للتفكير، والتفكر، والعمل، والتدبير.
الفصل الثالث: الدراسات المستقبلية
ووسائل الدعوة وأساليبها.
المبحث الأول: أثر الدراسات المستقبلية
في سرعة المشاركة في الوسائل المستجدة، وفوائد ذلك.
المبحث الثاني: التخطيط للدعوة الإسلامية.
المبحث الثالث: الجهاد في سبيل الله.
المبحث الرابع: المال.
المبحث الخامس: التربية والتعليم.
المبحث السادس: الترغيب والترهيب.
الفصل الرابع: الدراسات المستقبلية
ومستقبل الإسلام.
المبحث الأول: أهمية الحديث عن مستقبل
الإسلام، وإجراء دراسات مستقبلية عنه.
المبحث الثاني: أسس في بناء مستقبل
الإسلام.
المبحث الثالث: عالمية الإسلام، وأهليته
لقيادة العالم.
المبحث الرابع: المستقبل للإسلام.
الخاتمة:
1- النتائج.
2- التوصيات.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/library/0/18665/#ixzz3SZ56VRV8
هذا في إطار شعبة من شعب الدراسات،
ونحن بحاجة إلى كثير من الشعب، في مجالات العمل كافة، تأصيلاً وترشيداً، سياسة واقتصاداً،
دعوة واجتماعاً، وغير ذلك من واجبات العمل، وأسس الانطلاق، من باعث الحاجة، وليس من
دافع الترف الفكري المجرد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق