لم يعُد
خافيًا على أحدٍ أنَّ حركات «التَّحرُّر العربيّ» باتت الهدف الأسمى للشُّعوب
العربيَّة التي طالما رضخت لسطوة استبداد «الحكَّام»، الذين يرون في البلاد وشعوبها
مملكة خاصَّة يفعلون فيها ما يشاؤون، دون رقيب، أو محاسب، ويضعون القوانين التي
تساهم بشكل أو بآخر في استمرار حكمهم، واستعباد شعوبهم.
لكن في الوقت
نفسه أصبحت هذه «الحركاتُ» بالنِّسبة إلى الدُّول ذات المصالح المشتركة في المنطقة
العربيَّة الخنجرَ المسموم الذي يهدِّدُ وجودها واستقرارها، ويزلزلُ مصالحها التي
ترتبط بشكل مباشر بسلطة «الأنظمة الدِّكتاتوريَّة» القائمة، أنظمةٌ سعَت جاهدة
وباستخدام الوسائل الممكنة وغير الممكنة إلى إجهاض ثورات شعوبها، وحركاتهم
التَّحرريَّة والإصلاحيَّة، إذ لا إصلاح دون تحرُّر، ولا شكَّ أنَّ أوَّل درجات
الإصلاح العربيِّ تتمثَّل في إِسقاط المنظومة «العصاباتيَّة» القائمة على شكل «أنظمة»
حاكمة.
ولم تبقَ
الأطراف الدُّوليَّة ذات المصالح المشتركة في المنطقة العربيَّة بعيدة عن الاشتراك
في «الصِّراع السِّياسيّ» الذي تحوَّل إلى صراع «مسلَّح» يذهب ضحيته المئات من
الشُّعوب العربيَّة، سواء أكان ممَّن يؤيِّد الحراك الشَّعبيّ، أم ممَّن يؤيِّد «الأنظمة
الاستبداديَّة» الحاكمة؛ بل إنَّ هذه الأطراف أصبحت شريكة وحليفًا مباشرًا لطرف
دون طرف، وغالبًا ما يكون «النِّظام القائم» هو الطَّرف المؤيَّد؛ لأنَّه الحافظ
والضَّامن لاستمرار مصالحها ونفوذها في المنطقة.
وعلى الرَّغم
من تنوَّع الأساليب التي تستخدمها هذه الأطرف في دعم حليفها إلا أنَّها كانت تحاول
التَّظاهر بالنَّأي بنفسها، وتعمل جاهدة على إخفاء دعمها؛ لتبدو أنَّها صديقة
للشُّعوب في نيل حريِّته، وحقوقه. وإن كان هذا الأمر قد التبسَ على كثيرٍ من
المحلِّلين والمتابعين في بداية الحراك الثَّوريّ العربيّ، إلا أنَّه لم يبقَ كذلك
بعد هذه السَّنوات، إذ انكشفت الأمورُ، حيث أصبح الحليف يتصدَّر وسائل الإعلام في
مباهاته لدعم حليفه بشتَّى الوسائل الممكنة.
فمنذ وقت ليس
بالبعيد كان «حزب الله» يعلنُ بين الفينة والأخرى وعلى لسان أمينه العام «حسن نصر
الله» أنَّ قوَّاته لم تشترك، أو تساند نظام «الأسد»، وأنَّ ما يقال هنا أو هناك
إنَّما هو محاولة يائسة للزَّجِّ باسمه في «الصِّراع السُّوريَّ»، صراع يمكن أن
نسميه «مذبحة سوريَّة»، وكذلك الأمر بالنِّسبة إلى «الحوثي» في «اليمن» الذي كان
يتظاهر بأنَّه شريك في «العمليَّة السِّياسيَّة»، على نحو ما حاولت «إيران» أن
تتظاهر به أيضًا في أنَّها تسعى للبحث عن حلٍّ سياسيّ في «سوريا».
لكنَّ الواقع
الجديد الذي بدأت تظهر ملامحه، بعد الجرائم التي ارتكبتها «داعش» بحقِّ «الطيَّار
الأردنيّ»، والعمَّال «المصريِّين»، والأحداث المصاحبة لها في عدد من الدُّول «الأوروبيَّة»
في محاولة تشويه معمَّد لـ«الإسلام» و«المسلمين»، دفع هذا الواقعُ جميع الأطراف
إلى الانتقال من مرحلة التّقيَّة إلى مرحلة «اللَّعب عَ المكشوف»، ولم يعُد الحليف
والشَّريك يخشى من الإعلان عن الطَّرف الذي يدعمه؛ بل أصبح يتباهى بذلك، على نحو
ما وجدناه في التَّصريحات الأخيرة لـ«حسن نصر الله»، واستيلاء «الحوثيّين» على
السُّلطة في «اليمن»، ووصول العتاد العسكريّ عبر موانئها، والتَّدخُّل العسكريَّ «المصريَّ»
في «ليبيا».
وعلى الرَّغم
من كلِّ هذه المتغيِّرات القديمة الجديدة إلا أنَّ حركات «التَّحرُّر العربيّ»
ماضية في طريقها، لتحقيق أهدافها التي قامت من أجلها، وإن كانت تشهد مرحلة أصعب
ممَّا كانت عليه في بدايتها؛ لأنَّ مجريات الأحداث تشير إلى أنَّ «الأنظمة
العربيَّة» القائمة، التي هي أدوات تنفيذيَّة لـ«أنظمة خارجيَّة» ترتبط مصالحها
ببقائه لن تسمح من وصول هذه الحركات إلى مبتغاها، فتحوَّلت المسألة بين الطَّرفين
إلى «حياة» أو «موت».
د. محمد عناد سليمان
18 / 2 / 2015م
18 / 2 / 2015م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق