إن أي إنسان فيه مثقال ذرة من عقل .. ومن تفكير ..
وينظر إلى واقع الثورة السورية .. وإلى طبيعة الشعب السوري .. بما يتصف به من
سلبيات .. وإيجابيات .. بحيادية .. وموضوعية .. واستقلالية تامة ..
يجد عجباً عجاباً .. ويلمس ظاهرة خارقة للقوانين
الطبيعية .. وحالة استثنائية .. تتحدى كل النظريات .. والمبادئ القتالية .. التي
تُدرس في كل المدارس العسكرية .. القديمة والحديثة في العالم أجمع ..
ويشعر يقيناً .. أن ثمة يداً خفية .. وقوة جبارة ..
هائلة .. عظيمة .. تدير .. وتسيِر هذه المعارك جميعاً على أرض الشام .. من وراء
ستار .
ويمكن بسهولة بالغة توثيق .. وتأكيد هذ الحقيقة
اليقينية ..
فقط تعالوا نستعرض أحوال الناس في سورية .. خاصة في
السنوات الأخيرة ما قبل الثورة .. كيف كانوا يأكلون بعضهم البعض ..ويلهثون .. ويركضون
متنافسين .. متزاحمين على حطام الدنيا !!!
وكيف كان بطرهم .. وفجورهم .. وانغماسهم في الشهوات
.. والملذات يعبون منها عباً .. إلا قليلاً منهم !!!
ثم كيف انطلقت الثورة على يد أطفال صغار !!!
ثم كيف تطورت إلى مظاهرات عفوية .. سلمية .. دون
تخطيط .. ولا تدبير .. ولا تنظيم !!!
ثم كيف كان إصرار المتظاهرين على تحدي الرصاص ..
وبصدور عارية .. بالرغم من تساقط عشرات الشهداء في كل مظاهرة ..
وكلهم كانوا يرددون شعارات ايمانية خالصة .. صادقة
( مالنا غيرك يا الله ) !!!
ثم كيف بقي المتظاهرون صامدين قرابة الستة أشهر ..
يتلقون الرصاص فيُقتلون .. ولا يردون عليه ، ولو برصاصة واحدة !!!
وهذا ما لم يحصل .. عند أي شعب من شعوب الأرض قاطبة
– سواء العربية أو الأعجمية .. أن صمد مثل الصمود الأسطوري !!!
مما يجعل هذا .. منقبة يتميز بها الشعب السوري ..
على شعوب الأرض طراً !!!
ثم كيف بدأت الإنشقاقات في صفوف الجيش الأسدي ..
الذي أخذ يتضعضع .. ويتمزق .. وتم تشكيل الجيش السوري الحر ..
ومن ثم تطور الأمر إلى قيام المتظاهرين بتشكيل
كتائب .. وألوية عديدة .. ومتنوعة .. بدون أن يكون بينها أي رابط .. أو حتى تنسيق
..
وقيام بعض
الفصائل بشراء السلاح من مالهم الخاص .. للدفاع عن أنفسهم .. بينما البعض الآخر
كانت تأتيه الأسلحة من مصادر خارجية عديدة .. ومما يستخلصونه من الجيش الأسدي
المنهزم .. أو من مستودعاته ..
ثم كيف أخذ يتزايد تشكيل الفصائل المسلحة ، حتى
أصبحت بالعشرات.. وبأسماء متنوعة يغلب عليها الصفة الدينية .. ولكن ما كانت كلها
تنهج .. وتسير حسب هذا الإسم العظيم الذي تحمله .. بل إن البعض منها كان يتخذه
ستاراً للمتاجرة .. والإثراء .. وابتزاز .. وتضليل الجهات الداعمة .. والفصائل
الأخرى !!!
وبقيت طوال هذه السنوات الأربع ونيف ، كل فرقة تعمل
لوحدها ، وأحيانا تنضم بعض الفرق لبعضها البعض ، ولا تمضي إلا فترة وجيزة .. حتى
تعود وتنفصل ، بل وأحياناً تتقاتل ضد بعضها البعض ، ويسقط جرحى وقتلى من الثوار ..
والأنكى من ذلك ، أنه أحياناً .. كانت تتفق عدة مجموعات
على عمل عسكري معين ، فتتشكل غرفة عمليات واحدة ، لتنسيق العمل العسكري .. ولكن
للأسف .. ما إن تحتدم حدة المواجهات بين الثوار والأعداء - الذين يأتون بقيادة
واحدة .. وأوامر .. وتعليمات واحدة – حتى تبدأ بعض المجموعات بالإنسحاب ، وترك
الآخرين يواجهون المعركة لوحدهم ، فتتضعضع صفوفهم .. وتخور قواهم .. أمام بأس ..
وشدة .. وضراوة الأعداء المنظمين .. مما يضطرهم إلى الإنسحاب .. وترك مواقعهم !!!
وقد تكرر هذا الأمر مرات كثيرة .. وكانت الخسائر في
كل مرة فادحة في الأرواح .. والمعدات .. والأراضي ...
إضافة إلى أخطاء كبيرة في تصوير بعض المعارك .. أو
بعض اللقاءات .. ونقلها إلى وسائل الإعلام .. وما إن يتم هذا .. حتى تأتي الطائرات
فتدك المكان بحممها اللاهبة .. فتحيله قاعاً صفصفاً ..
إضافة إلى قيام مجموعات من السوريين .. بتشكيل
عصابات للمتاجرة بالسلاح ، الذي كان يأتيهم من مصادر خارجية .. والإثراء على حساب دماء
الناس وأرواحهم ، حيث كانوا يخزنون الأطعمة .. ولا يبيعونها إلا بأثمان باهظة ..
مستغلين حاجة الناس !!!
علاوة على استمرار أعداد غير قليلة .. من ذراري
المسلمين منخرطين .. ومنغمسين إلى آذانهم في اللهو .. والعبث .. والمجون .. وفي
تأييد النظام حتى النخاع !!!
بل الأكثر إيلاماً .. وتوجعاً .. وحزناً أن معظم
عناصر الطبقة الدينية .. المشيخية لا تزال حتى هذه اللحظة .. مؤيدة حتى الثمالة
للنظام .. ومدافعة عنه .. بشكل مستميت .. وهي ترى .. وتبصر يومياً الجرائم التي
يرتكبها .
وثالثة الأثافي .. حصول الغزو الروسي الهمجي في
الأشهر الأخيرة .. وقيام طائراته بضرب مواقع المقاتلين .. والمدنيين .. دون تمييز
إن كان هؤلاء المقاتلون .. متشددين أو معتدلين – حسب مصطلحاتهم –
والهدف الرئيسي للغزو الروسي هو :
ضرب المقاتلين الذين حرروا أراض شاسعة .. لتمكين
جيش النظام من استرجاعها .. ولقذف الخوف .. والهلع .. والرعب في نفوس المدنيين ..
ولتدمير ما لم تدمره قوات النظام ..
هذا الوضع المأساوي .. الحزين .. الكئيب لسورية يجعل
الإنسان العادي .. أو البعيد عن روح الإيمان يقول:
هل من الممكن
لمثل هذا الشعب .. بهذه المواصفات المتناهية في السلبية .. أن يحقق شيئاً من
الإنتصارات؟
هل من الممكن لجماعات متقاتلة .. متناحرة ..
متخاصمة .. تترك عدوها الرئيسي .. النظام الأسدي والإيراني .. وتتقاتل مع بعضها ..
في الوقت الذي تتلقى الضربات الجوية .. والصاروخية .. والمدفعية .. والأسلحة
الكيماوية .. والمحرمة دولياً من ستة جيوش أو يزيد .. جيش الأسد .. وإيران .. وحزب
الشيطان .. والأحزاب الشيعية العراقية .. والأفغانية .. وسواها .. ومن روسيا ..
ومن التحالف الصليبي الذي يضم ستين دولة ؟؟؟!!!
هل من الممكن حسب النظريات العلمية .. أن تحقق
شيئاً من الإنتصار .. بل حتى أن تبقى على قيد الحياة ؟؟؟!!!
والله .. لو الله لما بقي مقاتل واحد ... يدافع عن
الشام .. فكيف بمن لا يزال يهاجم .. ويحرر .. ويذيق المعتدين .. الباغين أشد
العذاب !!!
والله ..إنه الله الذي يلطف بالشام وأهله ..
ويصنعهم على عينه .. ليعيدوا أمجاد الإسلام .. ويقيموا دولة القرآن ..
وصدق الله العظيم :
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
ٱلْأَشْهَـٰدُ غافر
آية 51
كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠
وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ المجادلة آية 21
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ
ٱلْغَـٰلِبُونَ الصافات آية 173
الجمعة 8 صفر 1437
20 تشرين الثاني 2015
موفق السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق