2- الثقافة الخاصة
بعد بيان مفهوم الثقافة يُمكن الدخول في موضوع الثقافة
الخاصة للداعية.
وكما يُقسّم علماء الأصول مصالح الناس إلى ثلاث درجات:
ضرورية، وحاجية، وتحسينية، يُمكن استعارة هذا التقسيم في شأن ثقافة الداعية،
فنقول: من هذه الثقافة ما هو ضروري، أو هو فرض عين على الداعية، أو يقترب من فرض
العين، ونقصد بذلك ما تصح به عقيدته وعبادته ويخرج عن دائرة الجهل المفرط.
ومنها ما هو حاجيّ، وهو ما يجعله في درجات العلم
الأولية، ودرجات الوضوح في تصوراته وقيمه وأخلاقه وتعامله مع الناس، ويُعطيه شيئاً
من القدرات في حمل الدعوة إلى الآخرين.
ومنها ما هو تحسيني أو كمالي، وهو ما يزيد من
قدراته على معرفة عصره ومجتمعه، وقدرته على عرض فكره وكسب الناس إلى دعوته.
ومن البداهة أن نقول: إنه لا بد للداعية من استيعاب الحد
الأدنى الضروري بشكل كامل، ثم استيعاب الحد الأوسط كله إن استطاع، أو معظمه، ثم
تحصيل ما أمكنه من الحد الأعلى (التكميلي).
الحد الأدنى، حد الضرورة
من ذلك أن تكون عقيدته سليمة واضحة. وإذا كنا لا نشترط
أن يعرف شيئاً من مصطلحات "علم الكلام" فإنه لا بد أن تكون أسس اعتقاده
بالله واليوم الآخر وأركان الإيمان الأخرى واضحة عنده، وأن يكون إيمانه فوق مستوى
التقليد.
وأن تكون تلاوته للقرآن الكريم بمستوى تصح به صلاته.
وأن تكون معلوماته في الفقه والسيرة النبوية وغيرهما بما
يُصحح عبادته ومعاملاته ويعرفه بالصفات الأساسية للنبي صلى الله عليه وسلم
وهكذا...
الحد الأوسط، حد الحاجيات
وهنا نبدأ بالقرآن الكريم وتفسيره وعلومه، لأن القرآن
الكريم حوى أسس العقيدة والتصورات والقيم... وما فصّل فيه القرآن فهو أولى
بالاهتمام والتركيز، وما أوجز فيه فحقُّه الايجاز... فحين نجد التفصيل والتكرار
وتصريف الآيات في شأن علم الله تعالى وقدرته وإبداعه وإنعامه ووعده ووعيده... فهذا
يعني أن تتعمق هذه المعاني في نفس المسلم عامة، والداعية خاصة، حتى تستولي على
مشاعره وتتعمق في قلبه... وأما حين يعرِض القرآن قضية المواريث في بضع آيات فحسب،
فهذا يعني أن ذلك ليس من القضايا اليومية التي تشغل اهتمام الداعية، بل يمكن أن
يحيلها عند الحاجة إلى المختصين.
وحين يكون الحديث في فقه الأولويات وفقه الموازنات فهذا
وغيره إنما يُستمد – أول ما يستمد – من كتاب الله تعالى.
فليكن كتاب الله ورد المسلم يتلوه آناء الليل وأطراف
النهار، ويتدبر آياته، ويخشع لتلاوته، ويبحث في كتب التفسير عن دقائق معانيه...
وما يُقال عن القرآن الكريم يقال بعده عن السنة النبوية
وعلومها، فهي الشارحة والمفصلة والمترجمة لما في كتاب الله تعالى. فلا ينبغي
لداعية أن يكون اطلاعه على السنة بأقل مستوى من دراسة "رياض الصالحين"
ونحوه، مع علمه بشيء من مصطلح الحديث وعلومه.
ويُرافق ذلك معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سواء
من الكتب التي استعرضت أحداث السيرة وفق التسلسل التاريخي لها، أو الكتب التي
تناولت جوانب هذه السيرة ومزاياها وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله وسُننه
في شؤون حياته الشخصية والبيتية وشؤون إدارة المجتمع المسلم.
ونقول مثل ذلك في معرفة العقيدة والفِرَق، لا سيما
المعاصرة منها، والفِقهِ وأصوله، وأنظمة الإسلام في شؤون الحياة، والتربية
والتزكية والأخلاق...
ونقصد أن يكون للداعية زاد مقبول في كل جانب من الجوانب
المذكورة. أما التوسع والتعمق في أي جانب فأمر طيب، ولكنه لا يجوز أن يكون على
حساب إهمال جانب آخر. لذلك نعُدّ هذا التوسع من مستحقات الدرجة الأعلى، درجة
التحسينات.
الحد الأعلى، حد التحسينات
وقد يبدو لأول وهلة أن هذا الحد كمالي فعلاً، وأن النقص
فيه ليس ذا قيمة، والحقيقة إنه مهم جداً، حيث إن ما سبقه من الحد الأدنى والحد
الأوسط هو ما يحتاجه المسلم العادي، وإنما يمتاز الداعية بما يتمثله من هذا
الحد الأعلى.
إنه إذاً يُمثل مرحلة الاختصاص أو المرحلة التي تخص
الداعية وتضعه في صف الدعاة.
ثم إن بدايته هي التحقق بما سبقه، ولكن لا نهاية له،
فكلما ارتقى الداعية في مدارجه كان أجدر بالنجاح في عمله الدعوي. وكلما تعددت
جوانبه وتنوعت مداركه كان أحرى بالقيام بشرف الدعوة.
الداعية الناجح يستأثر قلوب الناس، ويفرض عليهم احترامه،
وهو آلف مألوف.. وحتى يكون كذلك فلا بد من أن يكون إيمانه عميقاً، وأخلاقه عالية،
واطلاعاته واسعة، وقدرته على التعبير عن آرائه وإقناع الآخرين بها.. ودحض شبهات
الآخرين... كبيرة.
ففضلاً عن صفاته الإيمانية والنفسية والخُلقية نذكر
ميادين الثقافة التي كلما تحلى بها أكثر، كان أدعى لأن ينجح في عمله.
- فمن هذه الميادين:
·
فقه الدعوة وتاريخ الدعوة
·
التاريخ العام والتاريخ الإسلامي
·
واقع العالم الإسلامي والقوى الفاعلة في العالم، والوعي السياسي
·
العلوم النفسية والاجتماعية (وما يرافقها من تنمية للحس النفسي والتربوي
والاجتماعي)
·
اللغة والآداب
·
العلوم البحتة والعلوم التطبيقية
·
البيئة المحلية وما فيها من أعراف وتقاليد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق