الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-11-01

هموم الربيع العربي (1): من يصنع الاستبداد ؟! د.أحمد محمد كنعان


من الأمور التي ينبغي الانتباه إليها كثيراً في إطار الثورات العربية التي باتت تعدنا بربيع عربي جديد  أن الحاكم المستبد لا يصنع نفسه بمقدار ما تصنعه الشعوب عندما تتخلى عن دورها وتترك مصيرها في يد الحاكم ليمارس فجوره السياسي ضدها ، ويستفرد بالحكم ، ويمارس سلطته المستبدة ، مستخدماً في ذلك جوقة المنافقين المصفقين المؤيدين له من سياسيين وأدباء وفنانين وإعلاميين ورجال دين ، الذين يتبارون في تمجيده وتزيين أعماله وتضخيم خصاله حتى يصلون به إلى درجة التأليه ، وذلك من أجل ضمان مراكزهم عنده والمحافظة على مصالحهم الشخصية !


ومبالغة من هؤلاء المؤيدين في الإعراب عن ولائهم للمستبد نراهم يتعاونون على إفساد الجماهير بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، وذلك لضمان خضوع الجماهير وإضعاف روح المعارضة عندها !

وأدهى من هذا أن تنضم إلى جوقة المطبلين والمزمرين هؤلاء عصبة من رجال الدين الذين يجتهدون في تبرير كل ما يصدر عن المستبد من أفعال مهما كانت مناقضة لمبادئ الدين والأخلاق ، ويزيدون الطين بلة بأن يزهدوا الناس بالعمل السياسي لأنه في زعمهم ليس من الدين في شيء ، بل ويمنون الجماهير إن هم تجنبوا السياسة بالنجاة من عذاب الله في الآخرة ، ليشغلوهم بهذا الزهد الفارغ عن العذاب الذي يصبه المستبد على رؤوسهم صباً ، وليبعدوهم عن مناكفته والمطالبة بحقوقهم !

ويستكمل المستبد بخبثه ودهائه هذه الجوقة ببعض الأحزاب الانتهازية فيسمح لها بالمشاركة الشكلية في الحكومة لكي يضفي على نظامه صبغة ديمقراطية خادعة !

وعرفاناً من المستبد بفضل هذه الجوقة في دعم استبداده نراه يقرّبهم إليه ، ويغدق عليهم المناصب والأموال والعطايا السخية ، ويطلق أيديهم لتعبث بمقدرات الشعب كما تشاء ، ويقصي بالمقابل أهل الثقة والإخلاص والفضل والحكمة والخبرة !

وهكذا تكتمل الصورة البشعة للاستبداد ، وتدخل البلاد دوامة الفساد والتخلف التي قد يحتملها الشعب فترة من الزمن ، حتى إذا ضاقت به الأحوال ، ولم يعد يطيق الصبر ، انفجر غضبه دفعة واحدة ضد الاستبداد ، ولأن الشعب في هذه الحالة يكون بحالة من الضعف الشديد أمام الآلة العسكرية والأمنية الرهيبة التي في يد المستبد فقد يستنجد الشعب بالخارج طلباً للخلاص ، وهذا ما يزيد الطين بلة ، إذ ينتهز المستبد الفرصة ويعتبر الاستعانة بالخارج بمثابة صك شهادة بوطنيته هو ، مما يزيد في تعنته واستبداده وبطشه وتمسكه بمواقفه الوطنية المزعومة ، وبهذا تقع البلاد بين نارين : إما السكوت والخنوع والرضا بالاستبداد والظلم والبطش ، وإما الخضوع والارتهان للخارج .. وهما أمران أحلاهما مرُّ !
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com


هناك تعليقان (2):

  1. شكرا د. أحمد على المقالة الرائعة التي تحاكي واقع حالنا بنقيضيه الحسن والسيء . إن ما مر علينا في العقود الخمسة الماضية لم تبقي ولم تذر وإن أبقت شيئا توكل نظام البطش والفساد بالقضاء عليه ، أستاذي الكريم أولا أريد أن أقول لك من صميم إيماني ويقيني أن ثورتنا بشكل خاص وجميع الثورات بشكل عام أي مرحلة الربيع العربي هي إعجاز رباني ،الرجل الآن بألف رجل أيام الخنوع والاستبداد وإن الحكام من هول هذا الربيع فقدوا عقولهم وتلعثمت كلماتهم وساء اتزانهم وذهبت رجاحة عقولهم ، (إن كانت موجودة أصلا )لأنهم زائلون وهم موقنين بذلك ولكن تأبى أنفسهم أن تصدق وتؤمن بهذا ، لو أنهم عندما أدركوا زوالهم ، سلموا بالأمر الواقع وتركوا الأمر لشعوبهم لشهد لهم التاريخ هذه الوقفة وحقنهم للدماء ، ولكن لامناص من مزابل التاريخ مأوى لهم لأنهم لا يعرفون معالجة الأمور إلا بالطغيان والتجبر والقتل .
    أستاذي الكريم ، بالنسبة لنا ولثورتنا ولشعبنا ، بشار القاتل يملك كل شيء يملك الدولة ومؤسساتها والجيش والأمن والسفارات والسلك الدبلوما سي كل هذا بيده
    وماذا بيد الشعب ؟؟ لاشيء أبدا ، وهذا هو وقود الثورة وهذا ما دفعنا للخروج لانا لم نعد نملك شيئا نخاف عليه من لايعمل بيومه عنده ضائقة بمعيشة عياله هذا اليوم أي عنصر من الأمن يستبيح كرامة أي مواطن ولا محاسب ولا رقيب ... إن هذا النظام المستبد الفاجر هو بنفسه من صنع قاعدة الثورة ... إنهم باستبدادهم واستعبادهم وتجبرهم وتماديهم في غيهم ، قتلونا ونحن أحياء ... لقد ثورنا في الوقت الذي كانت قناعاتهم أن هذا الشعب أصبح كسكان الحظائر لا رأي له ولا يرى إلا مايراه الحاكم وزبانيته ... لهذا تراهم يقتلوننا وكأننا شردنا من حظائرهم ، إن لم يستطيعوا إعادتنا إلى الحظيرة قتلونا لأنهم يعتبروننا عبيد لهم ، لقد أطلت أستاذي الكريم وأرجو المعذرة ...
    المهم ، من ناحية شهادتهم بان طلب العون الخارجي هو شهادة بوطنيتهم ، أستاذي لقد فقدوا رداء وطنيتهم الذي يتوارون خلفه من أول قطرة دم أراقوها من دم الشعب السوري الطاهر، إنهم ليسوا منا ، كلمة خائن لا تكفيهم إنهم تعدوا الخيانة ، إنهم ليسوا من الشعب السوري ، إنهم الخونة إنهم القتلة إنهم من استباح الاعراض إنهم من نهب وسرق من أربعين عام ونيف والآن أعادوا الكرة ...وفيها نهايتهم بإذن الله...

    ردحذف
  2. تحية اكبار واجلال للكاتب العزيز على هذا التحليل الواقعي والذي يكشف سر وجود هؤلاء الطغاة عشرات السنين جاثمين على صدور شعوبهم المقهورة بفعل هذا الحشد من المزعبرين الذين يرهبون الشعوب من الطغاة والحشد الآخر من المنافقين الذين يرغبون الشعوب بقبول الطغاة على أنهم أولياء أمورهم ولايمكنهم العيش دونهم والا فقدوا دنياهم وآخرتهم ، تعسا" لهم ولمن لف لفهم وهذا الربيع العربي الاسلامي الخالص قد نفض الغبار وأزاح الستار وذاب الثلج وظهر كل شئ على حقيقته .
    أبو مصعب

    ردحذف