الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-11-26

التهويل بالحرب الأهلية جهل بالجغرافية السورية - د. حسين إبراهيم قطريب


لم يشهد التاريخ السوري حربا أهلية من قبل، ولايمكن أن يشهدها في شكلها ومعناها الحقيقيين، لأنها لاتملك مقومات حدوثها على الأرض السورية.

وإن خيوطها الظاهرة للعيان أمام كثير من الساسة والمحللين، الذين يتكهنون بها، ويحذرون من نتائجها، ويتقاعسون عن نصرة الشعب السوري المظلوم تذرعا بها، ليس وجودها في الواقع الجغرافي السوري إلا كوجود الماء في السراب.


ولايمكن أن تحدث الحرب الأهلية في سورية أبدا، لأن تكامل مقوماتها غير متوافر على امتداد ماهو موجود في رؤوس أصحابها وماهو موجود في مساقط رؤوسهم على الأرض، فهم إما على كرسي وراء مكتب في حجرة ليست لهم، أو في إمرة دبابة لايملكون ديمومة مابداخلها من جنود وعتاد.

ولا يكفي الاحتقان الطائفي وحده لنشوئها، فهو موجود بدرجات متفاوتة منذ تسلط العائلة الأسدية على مقدرات الشعب السوري في عام 1970م. وحتى تشتعل الحرب الأهلية لابد من أن يتعزز هذا الاحتقان بواقع جغرافي على الأرض، يتمثل بتوزيع جغرافي للسكان غير متجانس، متداخل أو على احتكاك متواصل، تبدو صورته على النحو التالي :
1-      على شكل اصطفاف سكاني متكافئ أو شبه متكافئ بين طائفتين أو أكثر من السكان.
2-      أو على شكل تداخل بالتواجد السكاني غير المتجانس على مستوى الجوار في القرى، والمناطق، والأحياء السكنية في المدن.

والواقع الجغرافي للتوزيع السكاني، الذي يشكل حطب الحرب الأهلية، لايبدو في سورية هكذا، وإن تعددت به الطوائف، ولايتوافر فيه شرطي الامتداد والتوسع من خلال الاحتكاك والتواصل لمقومات الاستمرارية في نار الحرب الأهلية عند نشوئها.

فالتوزيع الجغرافي السكاني على تنوعه الطائفي والمذهبي في سورية، وفي حصرة مع طائفة النظام الحاكم، يبدو كبقع يابسة معزولة وسط بحر من الماء، إذا اشتعلت النار بها أو بأحدها، ستنطفئ في مكانها لاستحالة انتشارها الأفقي عبر المياه المحيطة بها.

ومنذ أكثر من أربعين سنة والنظام الأسدي القرمطي الحاكم في دمشق يمارس الشحن الطائفي في كل صغيرة وكبيرة من سلوكياته، ضد كل الطوائف السورية، ويعيش على فتات الطائفية، ويحتمي بقشها اليابس.

وهو غير مكترس باشتعال نارها في الهشيم الذي بناه، لأنه يعرف الواقع الجغرافي السوري حق المعرفة أنه غير مؤهل للحرب الأهلية، ويعرف أن الشحن الطائفي الذي يمارسه، إنما يسيره في خدمة بقائه واستمراره، وأن حبائل قوته التي بناها على تفكيك المجتمع السوري من جهة، (وتلك تبدو واضحة في صورة المعارضة السورية الحالية)، وعلى الاحتماء بالأقليات من جهة أخرى (وراء الخوف من فتنة الحرب الأهلية، وتفكك الوحدة الوطنية)، هي الضمانة له ولإعوانه من غضبة الشعب العامة. 

لذلك ومن نكد الحياة مع أولى انطلاقة الثورة السورية المباركة، كان أول كلام النظام للسوريين على لسان الشمطاء بثينة شعبان التي خرجت تصرح مرعوبة إما نحن أو الفتنة الطائفية وشبح الحرب الأهلية، ثم تكرر الكلام نفسه على لسان الشبيح الأول في مجلس جوقة الممسوخين الأقزام من الشعب.

أيتها الشمطاء المفلسة، ويا كل رموز الفساد والاجرام في نظام الأسديين القرمطيين، هلا قلتم لنا أين ستقع الحرب الأهلية في السماء أم على الأرض؟!، أفي حي من أحياء حمص ؟!، أم في عشرة قرى في جبال اللاذقية ؟!، أم في ثلاثة قرى في الجولان المحتل ؟!.

الانهيار السريع هو مصيركم، وفي لحظة المفاجأة ليس لكم شيئ على الأرض في خضم بحر الوطنيين الشرفاء من كل أطياف الشعب السوري العظيم، وستنطفئ ناركم ونار مجوسكم وحسنكم ومقتداكم.

وياأيها العرب الشرفاء، والمسلمون النجباء، والخيرون من بني الانسان، إن معركة الشعب السوري مع النظام الأسدي الوحشي، المحترف بالاجرام والنذالة، هي معركة نبيلة في كل المقاييس، وإن الشعب السوري الجريح لهو بحاجة ماسة وعاجلة جدا إلى نصرتكم جميعا على حد سواء. 

هناك تعليقان (2):

  1. إياد أبازيد28‏/11‏/2011، 6:54:00 م

    تشكيلة النظام التي أراد لها رئيسه، أن تكون "طائفية"، وعائليةً بإمتياز، منذ الأول من مجيئه إلى السلطة، فهو ركب السياسة، منذ البداية، "طائفياً"، مستغلاً بذلك "المظلومية العلوية"، بإعتبارها أقلية من الأقليات السورية، التي تترواح نسبتها، بحسب إحصائية للسي إن إن(2007)، بين 8 و 9% من مجموع السكان. هذا الإستغلال السياسي للطائفة العلوية في السلطة، من جهة النظام السوري، لعقود طويلة، أدى مع مرور الزمن "الطائفي" الصعب، إلى خلق المزيد الإحتقانات والإصطفافات الطائفية، التي لم تخلُ منها المجتمعات الشرقية، ذات التنوع الإثني والعرقي والطائفي، يوماً، على امتداد تاريخ المنطقة، وهو الأمر الذي شجّع ظهور وصعود ما يمكن تسميتها ب"الطائفية المضادة"، على الضفة الأخرى من سوريا،

    ردحذف
  2. إياد أبازيد28‏/11‏/2011، 6:59:00 م

    مع ازدياد الضغط العربي والتركي والدولي على النظام السوري، بدأنا نسمع في الأيام الأخيرة عن "عمليات نوعية" تبنّاها الجيش السوري الحرّ، المنشق عن صفوف جيش النظام. علماً أنه توّعد بتنفيذ المزيد منها، في المستقبل، بحسب تصريحات قائده العقيد رياض موسى الأسعد، الموجود حالياً في تركيا.
    ماذا يمكن أن يعني ذلك؟
    المعنى ههنا، ليس في قلب الشاعر بالطبع، وإنما هو في قلب سوريا، التي دخلت مرحلة جديدة و"نوعية" من الصراع، بين أهل النظام وأهل الثورة. هذا الدخول الجديد في "صراعٍ نوعيٍّ" بين الطرفين، يعني في السياسة على الأرض، انزلاقٌ السوريين إلى حربٍ أهلية، سيدفع فيها الطرفان، الكثير من سوريا، والكثير من الثقة بين طوائفها، ناهيك عن فقدان الكثير من السلم والأمن الأهليين.

    الظاهر هو أن الخوف من الحرب الأهلية في سوريا ما عاد "شبحاً"، وأنما بات قاب قوسين أو أدنى من حقيقةٍ وشيكة.

    ردحذف