الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-11-27

أحزاب سورية المستقبل – بقلم: محمد زهير الخطيب


حولي بعض الأصدقاء المتفائلين الذين يؤكدون لي بأن أيام النظام السوري أصبحت قليلة، ورغم أنهم لا يستطيعون إثبات رأيهم بشكل قاطع ولكني أميل إلى تصديقهم بأن شيئاً سيحدث وسيؤدي إلى انفجار ورم النظام المتسرطن القاتل لشعبه، والذي انتهى أجله وهو ما يعبر عنه بالانجليزية (Expierd)، وفي القرآن الكريم (لعل الله يُحدثُ بعد ذلك أمراً) وتقول العرب (الأيام حبلى بكل جديد)، وحيث يقول المثل (لكل ظالم نهاية).

وانطلاقاً من هذا التفاؤل فإنني أتساءل، لو أن النظام سقط قريباً وفتحت سورية الحرة أبوابها لأبنائها في المهجر، وعدنا لننعم بالعيش الكريم في ربوع الوطن ونمارس حقنا في الحياة السياسية الديمقراطية التعددية كباقي خلق الله، فما هو الحزب الذي سيفضله أغلب الناس؟


ابتداءً أرى أن جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تعود جماعة إسلامية دعوية تربوية شاملة، ولكنها ليست حزباً سياسياً، ويمارس أفرادها السياسة من خلال أحزاب سياسية أخرى، ويصح في هذه الحالة أن ينتمي المواطن إلى جماعة الإخوان وإلى حزب سياسي في نفس الوقت، وهنا يجب أن يظهر في سورية حزب جديد شعبي ديمقراطي معتدل نظيف اليد، وهذا سيكون حزب الأكثرية والحزب الرابح في أي انتخابات قادمة، ويمكن أن ينشأ هذا الحزب مستقلاً أو أن تساهم في إنشائه بنفسها وتجعله مستقلاً إدارياً ومالياً، وهذا ما وصل إليه الإخوان في الأردن حيث أنهم يمارسون السياسة من خلال حزب (جبهة العمل)، وما وصل إليه الإخوان في مصر حيث أنهم سجلوا حزباً سياسياً متخصصاً مستقلاً اسمه (الحرية والعدالة)، وقد تم قبول تأسيسه في 6 يونيو 2011 وهو حزب ذو مرجعية إسلامية، فبعد أيام قليلة من تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك إثر ثورة 25 يناير أعلن الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عن تأسيس الجماعة لهذا الحزب وأعلنوا أنه سيكون حزباً مستقلاً ومفتوحاً لكل المصريين مسلمين ومسيحيين.

من المتوقع أن تدور تسميات الأحزاب المرشحة لسورية المستقبل حول الحرية والديمقراطية والعدالة لأننا فقدنا هذه المعاني لفترة طويلة، ولكن بعد شيء من الوقت والاستقرار في ظلال الديمقراطية والحرية سيبحث الناس عن مضامين أكثر تحديداً للأحزاب تتراوح بين الميل إلى الحرية أو المحافظة، وسيكون أبرز حزبين في سورية حزب المحافظين وحزب الأحرار -هذا من حيث طبيعة الحزب- ولا يمنع أن يختاروا أسماء أخرى إنما ستبقى طبيعة التجاذب والاستقطاب السياسي تتراوح بين الأحرار والمحافظين، ففي بريطانيا مثلا هناك حزب المحافظين وحزب العمال الذي هو البديل لاسم حزب الأحرار، وفي أميركا الحزب الديمقراطي الذي يمثل (الأحرار) والحزب الجمهوري الذي يمثل (المحافظين) وفي كندا تطابقت التسمية مع الواقع فهناك حزب المحافظين وحزب الأحرار.

هل سيميل الشعب السوري لحزب المحافظين أم لحزب الأحرار؟ يبدو لي أن الشعب السوري يميل إلى حزب وسط بين المحافظين والأحرار، والحزب الذي سيبادر إلى الاقتراب من نهج الوسط هو الذي سينال الأغلبية مع الزمن، ولكن في كل الأحوال سيكون هناك أصوات كثيرة تذهب إلى الحزب الذي يثبت نظافة اليد والبعد عن الفساد والاقتراب من هموم الناس وهنا تعتقد الأحزاب المحافظة أنها أقدر على تحقيق البعد عن الفساد لاهتمامها أكثر بالأخلاق والقيم الأسرية والاجتماعية، ولكن الناس يريدون نتائجاً على الأرض وليس بروباجندا صوتية لا علاقة لها بالوقع.

في تركيا كان حزب الراحل أربكان يمثل الاتجاه المحافظ وكان نظيف اليد، ولكنه بقي حزب نخبة، ولم يكن قادراً على تمثيل شريحة واسعة من الطبقة الشعبية بالإضافة إلى الضغوطات التي مورست عليه من العسكر، وعندما أسس أردوغان وصحبه حزب العدالة والتنمية استقطبوا شرائح أوسع من الناس وجذبوهم بالنتائج لا بالمبادئ، وقدم لهم أردوغان نموذجاً مشجعاً في إدارته لبلدية استانبول ثم في إدارته لتركيا كلها.

في سورية المستقبل يمكن أن يكسب الجولة الأولى أي حزب له سمعة جيدة مسبقة مثل الإخوان أو حزب الشعب الديمقراطي أو الأحزاب التي تتسمى بالحرية والوطنية والديمقراطية، ولكنها لن تكسب الجولة الثانية إذا فشلت في تحقيق النجاح ونظافة اليد والتنمية، أما أن نتصور أن حزباً سينجح في أول انتخابات ثم يلغي الديمقراطية أو يفرغها من مضمونها، فهذا ما لن تسمح به جموع الشعب التي عرفت طريقها إلى الحرية واقتلعت أعتى الأنظمة المافوية في العالم، فضلاً عن أن الدستور الجديد لسورية يجب أن يحمي إرادة الشعب من التلاعب، منها على سبيل المثال إلغاء مادة الثامنة عن الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع، وإثبات تعدد الأحزاب والتحول من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني وتقليل صلاحيات الرئيس وجعل الرئاسة لدورتين فقط كل منهما لمدة أربع سنوات فقط، وتحقيق استقلال السلطات الثلاث وخاصة سلطة القضاء...

الحزب الذي أراه سيكسب ثقة الناس في سورية المستقبل هو حزب وسط يوازن بين قيم الأخلاق والحرية الشخصية، ويستطيع استيعاب المواطنين على اختلاف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم، ويجمع الناس على معاني الحرية والديمقراطية والعدالة والوطنية والتنمية والمساواة.

إن نمو التوجهات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية على حساب المبادئ والأفكار والمصالح الاقتصادية والتنموية للناس ليس بظاهرة ايجابية إنما هو غلباً ردود أفعال لأنواع من القمع والظلم الاجتماعي الذي يجب أن يزول في سورية المستقبل الحرة الديمقراطية التبادلية العادلة بين كل أبنائها دون تمييز.

إذا كانت أمريكا أقوى دولة في العالم، والتي فيها 300 مليون إنسان وفيها عشرات القوميات وعشرات الأديان، فيها حزبين رئيسيين فقط، فتعالوا لنتحدى السوريين في المهجر أن ينظموا أنفسهم في حزب أو حزبين مثلاً حزب محافظين وحزب أحرار، هل يقبل السوريّون المهاجرون هذا التحدي؟

لتنفيذ هذه الفكرة من الأفضل أن تعلن الأحزاب الدينية كالإخوان والأحزاب القومية كالأحزاب العربية والكردية والتجمعات العشائرية تحولهم جميعا إلى جمعيات اجتماعية تخدم أهدافها الدينية والقومية والعشائرية والاجتماعية دون أن تباشر السياسة. يقوم أعضاء هذه الأحزاب الدينية والقومية بالعمل مع بقية أبناء الوطن على إنشاء حزب أو حزبين تتمايز بالليبرالية والمحافظة دون أي وصف ديني أو قومي أو عشائري أو مناطقي، ولا يجب أن يبنى ذلك على المنع والقمع للأحزاب الدينية والقومية، بل بالتوافق وتوعية الناس وإقناعهم بممارسة السياسة من خلال الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي تستوعب الجميع.

الدول المتقدمة الديمقراطية لم تمنع الأحزاب الدينية والقومية ففي كندا مثلاً هناك حزب شيوعي وآخر مناطقي قومي (كيبيكوا) في مقاطعة كويبك سيطر على المقاطعة لعقود ثم خسر خسارة فادحة أمام الديمقراطيين الجدد في الانتخابات الأخيرة، ولا يمنع القانون الكندي إنشاء أحزاب دينية ولا قومية ولكن الناس بوعيها وثقافتها تميل إلى الأحزاب الشاملة لكل الناس كحزب الأحرار وحزب المحافظين.

هل الوقت مبكر؟، هل التوقيت الصحيح لإنشاء مثل هذا الحزب هو بعد انتصار الثورة؟، أم أنه يمكن أن يكون عنصراً مساعداً على انتصار الثورة؟ أنا أرى أن هذه طروح واقعية لسورية المستقبل وأن الوقت قد حان لإنشائها، ولكن الأمر يحتاج إلى كثير من سعة الأفق والصبر والتحمل والتركيز على المشترك والصدق في التعامل، من يدري؟ يقولون أحلام اليوم حقائق الغد.


27/11/2011 - 02:47 ص


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق