الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-04-19

رجال المهمات الصعبة – بقلم: د. محمد وليد حياني


أحوج ما تحتاجه الثورة السورية المباركة اليوم، وما زال الانتظار ساري المفعول، إلى رجال المهمات الصعبة، إلى قامات عالية تلتف حولها الجماهير، على مستوى القطر من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه، كما يتطلّب السّير في مشروع تّحررنا من ربقة النظام الأسدي الكثير من التّخطيط والاجتماع والتّنسيق والتّحليل والتّفكير بما يخدم الثورة وأهدافها، لكن ليس من الضرورة بمكان أن يحتاج مشروعنا هذا إلى متدربين مراهقين من المعارضة في جسم الثورة, وليس أبناء الثورة السورية المباركة فئران تجارب، اعذروني ألف مرة على هذا التعبير لكن الموقف يتطلب ذلك، إن ثورتنا المباركة عند انطلاقتها الميمونة، سبقت حشود المعارضة المترامية الأطراف والوجهات والتي استغرق عجنها وقتا طويلا، كمن يعجن الرمل، وهي ما تزال إلى اليوم في سباق محموم لتلحق بركب الثورة، لتواكبها أو تعبر عنها ولو جزئيا أمام العالم وفي المحافل الدولية.


إن ثورتنا المباركة لا تحتاج  إلى كل هذه المؤتمرات واللقاءات والمحاضرات والورشات، التي تشهدها أطياف المعارضة السورية المنقسمة على بعضها تارة، والمستمرة في الانشطار تارة أخرى، وخطابها عاجز عن مواكبة ما يجري على الأرض، ولسان مقالها أعجز من حالها, دون مشاركة فعلية لمسيرة الثورة في كل المواقع وعلى امتداد وطننا الثائر في وجه الطغيان بصدور عارية وما توافر له مما امتلكت يمينه من أسباب ووسائل الدفاع عن النفس والعرض والمال؟

لقد بلغ عدد المشردين داخل البلد رقما مخيفا يزيد عن المليونين كما زاد عدد اللاجئين إلى المخيمات في تركيا والأردن إلى رقم فاق الخمسة والعشرين ألفا، فضلا عن أعداد المعتقلين التي ناهزت الربع مليون وضاقت عليها السجون والملاعب الرياضية بما رحبت، وكل أولئك يحتاجون إدارة لأزمتهم بالمساعدات العينية والمادية والإسعافات وتوفير المسكن المؤقت والمأوى لهم.

إن مشروعنا التحرّري هذا يحتاج أول ما يحتاج من أطياف المعارضة في الخارج إلى الإيمان الحقيقي  بهذه الثورة وأهدافها النبيلة دون اجتزاء أو تقسيم، وعدم القفز عليها ابتغاء منصب أو متاع، الأمر يتطلب الالتزام بما تحتاجه الثورة نفسها، لا أن يٌفرض عليها ما تراه المعارضة من منظورها الضيق،  لأنها طارئة على الثورة، وليست من فجرها أو صنعها، وخاض في سبيلها أعنف المعارك، فمن يتعاملون مع واقع الثورة على الأرض ويواجهون العسف والقصف والقتل والتشريد، هم أشد مضاء، وأكثر معرفة وواقعية، فأهل مكة أدرى بشعابها، وكم  من ثورة من ثورات التحرر العربي والعالمي سرقت عند أو قبيل انتصارها، والآن تصدر أصوات قوية ترتفع هنا وهناك من أبناء الثورة في الداخل على تخوف من هذا المصير لكثرة ما يرون من التواطؤ الإقليمي والدولي عليها .

إن من لم يتعامل مع واقع الثورة وفي كل مفصل من مفاصلها وخضب جسده بدمائها، وعانق مجدها وتنسم هواءها وعبيرها، كمن ادعى بأنه بطل في حمل الأثقال، فأحدث عندما حمَلوه عنزة ! فقال:ناولوني الأخرى!

لا نريد هنا تصغير شأن المعارضة – حاشا لله - أو التقليل من وطنيتها، أو التسفيه من حراكها الدؤوب, ولكن نريد أن نرى طحنا بعد أن تم الاعتراف بالمجلس الوطني كممثل شرعي للثورة السورية، إن ما ينجز من لقاءات أدمنت عليها اسطنبول وتونس والقاهرة لن تنجز لنا إلا مزيدا من الخطابات، وشعبنا ملَ الخطابات البعثية والقومجية خلال نصف قرن، وهو الآن يقصف ويدمر ويهجر، والمعارضة إذا كان هذا ديدنها وخطابها، ستكون كمن يقدم لجريح ينزف زهرة، فيما هو يحتاج إلى عملية جراحية تنقذ حياته فضلا عن أكياس الدم وأرطال الدواء.

 إن ما يجري على أرض الواقع من خلال التعامل مع النظام الأسدي إقليميا ودوليا ما هو إلا تواطؤ وإعطاء فرص ومهل، تزيد بل تطيل من عمر النظام بحجة أنّ البديل عنه هو الدمار والحرب الأهليّة؟ أو الإنفصال إلى دول بينما القتل وشلال الدم يعصف بأهلنا على امتداد الوطن الحبيب.

الوطن أكبر من المعارضة بكل أطيافها بما فيها المجلس الوطني، بل من الجميع.
وهو يحتاج إلى قامات عالية تمثله في الداخل وتلتف حولها الجماهير كما في الخارج أيضا، لتكون مواكبة للحدث، تعبر عنه، وتدافع عن الثورة أمام المجالس والهيئات الدولية ، وإلا  لن ترى المعارضة في الخارج وطنها، ولن يترك لها موطئ قدم لتنمو فيه ، كما لن يجد الذين ثاروا في وجه النظام أرضا تقلهم أوسماء تظلهم على امتداد وطنهم.

إن ثورتنا اليوم أحوج ما تحتاج إلى رجال المهمات الصعبة المؤمنين بقضيتهم والمدافعين عنها بكل ما أوتوا من حول وطول وحنكة وخبرة ودراية ودهاء ومطاولة ومصاولة وعزيمة لا تلين.

د.محمد وليد حياني  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق