نحن في
زمن قلب الحقائق والأشياء، وتسميتها بغير أسمائها، وتصوريها بصور مختلفة، لا تعبر
عن حقيقتها، وربما ساعدهم في هذا التزييف والتزوير، انتشار فنون كثيرة، تسهل مثل
هذه العمليات، وبالطبع لا أعني ( الفوتوشوب) ولا ( فنون المونتاج) ولا ( الخدع
السينمائية) التي ربما تكون أدوات في يد اللاعبين، وإنما أعني لعب الظلم والقهر،
والمكائد والمؤامرات، وغياب العدل، وانتشار الظلم.
ونتيجة لهذه الأخلاق السيئة، والسلوكيات
المشينة، والتعاطي المر مع الوقائع والأحداث، والكيل بأكثر من مكيال، ظهرت في
الحياة ثنائيات قاسية، تحمل الشيء ونقيضه، والصورة وعكسها، بروح عدوانية لم يعرف
لها التاريخ مثيلاً.
ومن هذه
القيم التي انتشرت هذه الأيام، في عالم الاستحالة، وتغيير الحقائق بل طمسها،
انتشار لغة المساواة بين الجلاد والضحية، والظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول،
والسارق والمسروق، وغير ذلك من ثنائيات لا تحصر بسهولة، وهو دليل على فساد كثير من
مؤسسات العالم اليوم، وتدق ناقوس الخطر، في كل المجالات، ومن أشهرها ما اصطلح عليه
( بحقوق الإنسان) ، وصار الأمر مكشوفاً ومفضوحاً، وأصبح يدرك عاره وشناره القاصي
والداني، والقريب والبعيد، حتى أن فوح رائحته النتنة، أزكمت أنوف حتى صناع هذا
الضلال المبين، ومثل ما يقول المثل الشعبي ( على عينك يا تاجر).
كانوا
يقولون: فلان يقتل القتيل ويمشي بجنازته، واليوم يقتلون القتيل، ويقولون: إنه قتل
نفسه، يقتل آلاف الناس، فيقوم القاتل باتهام آبائهم وأمهاتهم بقتلهم.
×××××××××××××××××××
يقتل شخص
في المكان الفلاني، من دين ما، فتقوم الدنيا ولا تقعد، وسائل الإعلام تحلل،
والساسة يستنكرون، والمؤسسات الدولية قلقة، بينما في سورية، بحلب ودير الزور وحمص
ودرعا وإدلب والساحل ودمشق وريفها وحماة
وريفها، والرقة وما يحدث فيها، وغيرها من المدن والقرى والبلدات، يذبح الناس ذبح
النعاج، تارة بالكيماوي، وفي كثير من الأحيان من خلال إلقاء البراميل المتفجرة،
التي تأتي على المكان بأكمله، حيث تسقط، لا تستثني بيتاً ولا مزرعة، ولا ترحم
صغيراً، ولا توقر شيخاً كبيراً، ولا تعرف للمرأة قدرها، وكأن فلم ( كرتون )، يتسلى
الناس على عظيم مشاهده؟!!!!
على فكرة،
الواقع السوري، بما فيه من نكبات، سهل على صناع أفلام الرعب، والخيال العلمي
مهمتهم، إذ سيجدون مادة دسمة من غير عناء ولا اصطناع، فكل شيء جاهز، وما عليهم
إلاّ أن يقصوا ويلصقوا..( مصائب قوم عند قوم فوائد).
يكون
حادث مرور – كاصدام قطارين - في بلد ما، فتهب الدنيا، هلعاً من هول الكارثة، وتسلط
وسائل الإعلام لتغطي الحدث، وتستنفر القوى، لتلافي الموقف، وتتحرك المؤسسات لتطويق
الحدث، والتقليل من الأضرار، وهذا شيء طيب، فالإنسان له حرمته، وله مكانته، ويجب
أن يعتنى به، ويهتم بشأنه، وهو أمر نشجع عليه، وندعو إلى ترسيخ قيمه في الحياة (
لقد كرمنا بني آدم).
ولكن
لماذا هذا يكون مقتصراً على أناس دون آخرين، وعلى بلدان معينة، وتستثنى أخرى، يركز
عليه إذا كان أصحابه ينتمون لأديان محددة، وقارات معدودة، أما الباقون، فلا يلتفت
لهم، ولا يقيمون لهم أي حساب، وكأنهم ليسوا بشراً، ولا يخضعون لقانون الحقوق
الإنسانية !!!
هذا
الكيل بمكاييل متعددة، في نفس الأمر وذات الحدث، صار من سمات العصر، في كثير من
شعب الحياة، وهو نذير تهافت، ومؤشر على قرب سقوط المنظومات الظالمة، إذ هلاك الفرد
والمجتمع والأنظمة، وسقوط الحضارات، وانهيار المملكات، بسبب الظلم، أمر معروف
ومعلوم في التاريخ القديم والمعاصر.
حتى شاع
من مقولات علمائنا أن دولة الكفر العادلة تبقى، ودولة الإيمان الظالمة تزول، كيف
لا، والعدل جماع الحسنات، والظلم جماع السيئات، وجاء في الحديث الصحيح : ( الظلم
ظلمات يوم القيامة)، فإن من يغوص في أعماق هذا النص ليفهمه فقهاً وتنزيلاً، يقف
أمام حقائق مذهلة، في عالم البناء والهدم، من هنا حذرنا نبينا – صلى الله عليه
وآله وصحبه وسلم – من دعوة المظلوم، وأنه ليس بينها وبين الله حجاب.
قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ
يُطَاعُ يعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ
يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ
إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة غافر الآيات (17-20)
(وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ
وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) سورة الشورى الآية (15) . (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ
وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) سورة الأنعام الآية (152) . (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) سورة النحل الآية (90) . ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ
غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ
فِيهِ الأَبْصَارُ) سورة إبراهيم الآية (42) .
ومن
أنواع الظلم:
ظلم فعل –
لمن يباشر الظلم بكل مستوياته، ومنهم ظالم لنفسه، وظالم لغيره، كالقتل بغير حق،
وأكل أموال الناس بالباطل، وكثير من الصور، الفردية والجماعية، وتركيبها من قليل
وكثير، وبسيط ومركب، ومحدد ومتشعب، وهو ما يعرف عند العلماء بمراتب الظلم، وأشده
وأنكاه، ما كان مركباً، وتحول إلى إفساد في الأرض، كما هو الحال في سورية، مع هذا
النظام المجرم، الذي لم يترك حالة من حالات الظلم، وصورة من صوره، إلا وقد
ارتكبها، وفي نهاية المطاف الظلم ظلم، بما له من أثر وانسحاب، على كل حال، ويصنف
هذا القسم من الظلم، في الفقه الجنائي، تحت مسمى جرائم الأفعال ( الجريمة بالفعل).
ظلم ترك –
( جرائم التروك، أو الجريمة بالترك) وهذا الظالم هو من ينظر إلى الظالم يرتكب
ظلمه، وهو يتفرج، فلا يساعد المظلوم ولا يقف إلى جانبه، ولا يسانده، أو بمعنى آخر
يليق بثقافة العصر، من كان سلبياً أمام وقائع الظلم، ولم يقم بدور إيجابي، بنصرة
المظلوم، في رفع الظلم، أو التقليل من أضراره.
أخرج البخاري في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، و الترمذي في سننه، وغيرهم ولفظه في البخاري، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك
ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان
مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن
ذلك نصره)
. ﻗﺎل ﻧﺒﻲ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ: «اﻟﻤﺴﻠﻢ أﺧﻮ اﻟﻤﺴﻠﻢ، ﻻ ﯾﻈﻠﻤﮫ، وﻻ ﯾﺨﺬﻟﮫ، وﻻ ﯾﺤﻘﺮه» رواه ﻣﺴﻠﻢ.
وﺛﺒﺖ ﻋﻨﺪ
اﺑﻦ ﺣﺒﺎن، ﺑﺈﺳﻨﺎد ﺻﺤﯿﺢٍ، ﻗﻮل ﻧﺒﯿﻨﺎ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ: «أﻣﺮ ﺑﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﻋﺒﺎد ﷲ أن ﯾﻀﺮب ﻓﻲ ﻗﺒﺮه ﻣﺎﺋﺔ
ﺟﻠﺪة، ﻓﻠﻢ ﯾﺰل ﯾﺴﺄل وﯾﺪﻋﻮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﺟﻠﺪة واﺣﺪة، ﻓﺠﻠﺪ ﺟﻠﺪة واﺣﺪة، ﻓﺎﻣﺘﻸ ﻗﺒﺮه ﻋﻠﯿﮫ ﻧﺎراً، ﻓﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻊ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل: ﻋﻼم ﺟﻠﺪﺗﻤﻮﻧﻲ؟ ﻗﺎﻟﻮا: إﻧﻚ ﺻﻠﯿﺖ ﺻﻼة ﺑﻐﯿﺮ طﮭﻮر، وﻣﺮرت ﻋﻠﻰ ﻣﻈﻠﻮم ﻓﻠﻢ ﺗﻨﺼﺮه»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق