إنّ لم يكن التغيير معمدا بالدماء؛ فهو يبقى محدودا
وقاصرا. ولا يقوم التغيير الحقيقي إلا على سواعد المؤمنين بدورهم التاريخي والعقائدي،
الواثقين بعدالة قضيتهم. الأنظمة الطاغية المستبدة
المبنيّة على العصبيّة العنصريّة لا تتحطم بمحادثات سلام. ولا بحلول سياسية. التخلص منها يكون بقلعها بالقوة من جذورها. وتقديم
الضحايا والدماء للتخلص من طاغوتها.
الموضوع في الصراع بين الثورة السوريّة ونظام الأسد
أكبر من إسقاط نظام سياسي لدولة. هو
صراع بين إرادة شعبية تحررية ونظام سياسي طاغ طائفي مرتبط بأنظمة سياسية طائفيّة في
المنطقة وبمصالح دولية تتقاطع مع مصالح إسرائيل العنصرية وغايات النهب والاحتلال. ومن الخطأ تحجيم النظام السياسي في سوريا ببشار
وعائلته؛ لأنّه نظام يعتمد على طائفة مسلحة
وقوى النظام الإقليمي ذات المطامع السياسية والدينيّة، وعلى منظومة من التّحاصصات المعرقلة لبناء دولة
الحريّة والعدل والديمقراطيّة.
العمل السياسي الحلي لا يدور حول إسقاط النظام،
بقدر ما يدور حول الانتقال السياسي وعملية تحويل سياسية واهمة. جنيف 2 هو إعطاء حياة
جديدة للنظام الطائفي الطاغي في سوريا .. ويزيد الضغط على الشعب وتصبح عملية التخويف
المستمرة (التقتيل، تصعيد الإرهاب التجويع، التعذيب، الحصار، تحطيم الحياة اليومية
والمعيشة)، العصا الغليظة التي يهشّمون بها إرادة الشعب ويضربون صبره ويجرونه نحو التسوية والانصياع. الذين ينخرطون
في جنيف 2 يقزّمون، بقصد، أو بجهل، نضالات الشعب السوري، ويمدّون النظام بالحياة. فهل يعقل أن الشعب السوري الذي قدّم التضحيات الكثيرات،
وخسر الخسائر الكبرى في الأرواح والعائلات والأموال والبيوت والمدن، سيقبل ببقاء نظام قام بنشر الخراب والدمار والدماء في كل مكان. وهلمن المنطق أن الثورة قامت وقدمت الكثير من أجل منصب وزاري
وحقائب سياسية؟. الغاية من اي عمل سياسي هي
الوصول لحلول يقبلها المتنازعون وتحقق الفائدة والرضا. فما الفائدة من العمل السياسي السوري الحالي؟ وماهي الحلول التي يمكن ان يأتي بها الحل
السياسي لثورة سوريا وشعبها المطالب بالحرية والكرامة والعدل؟ وماذا سيجني الوطن؟ ربما
يكون هناك حل لمشكلة حالية أوجدها النظام وهي وقف إراقة الدماء والدمار.. لكنّه حل آني وليس حلا جذريا؛ لأن إرادقة الدماء مرتبطة بمطالب
الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدل. كذلك موضوع التدمير؛ فهو حرب يشنها الطاغية على الثورة وحواضها وشعبها... ..
وبالتالي المناورات والمراوغات لا تحقق نجاحا حقيقيا للحل السياسي. قد تعيد إنتاج نظام سياسي جديد قائم على المحاصصات
وتقاسم المصالح؛ لكنّها لن تقدم العدل والحق والحرية. الشعب سيجد نفسه يعود مرة أخرى
للمواجهة والثورة على هضم الحقوق الوطنية؛ لأنّ فكرة المحاصصات لن تكون عادلة بأي شكل
في ظل الهيمنة الإقليمية والدولية وموازين القوى المحيطة واللاعبة. وستنقسم الدولة بين إثتيات كثيرة تتقاسم الفتات.
نظام المحاصصات قام في العراق. وتحول إلى دكتاتوريّة أشد من دكتاتوريّة صدام وأسس لبناء طائفي سياسي
مريع. وهاهو الشعب العراقي يقوم عليه بقوة.
كذلك لبنان، فقد قامت على التحاصص الديني والمذهبي والسياسي ولم تستطع ان تقوم كدولة
ذات سيادة وقوة وتماسك.
الواقعية كلمة خطيرة عندما يراد بها
ومنها الاعتراف بالقائم والركون له، مهما كان معرقلا وظالما. وهذا ما تروّج له بعض
أطياف المعارضة، خصوصا، المرتبطة في الوجود
بنظام بشار، فيجري تداول معجزة إسقاط النظام خارج فكرة الحوار السياسي والتنازلات من
اجل الأمن والسلام. وتتحوّل معاني الواقعية
لتصبح تكريسا للذل وشرعنة للخيانة. ويبدو بذلك
كأن جنيف 2 يختصر الواقع السوري المتناقض في
معادلة بين المعارضة والنظام لاقتسام السلطة. وهو ما يناقض مصلحة الشعب السوري ومسعاه، ولن يحل المشكلة بل سيعقدها، ويزيد في خزن البارود
لتفجير أشد وأقوى.
الحرب بين الثورة السوريّة ونظام بشار
هي حرب مصيرية ، لا مجرد خلاف سياسي. هي صراع سياسي وفكري وديني واجتماعي وحضاري ونهضوي.
وكل ما يقال خارج هذه الحقائق هو شبيه بحكي الجرائد البالية. والصراع الدموي سيشتد،
لأنْ، لا لقاء بين حق وباطل.
د.سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق