بسم الله الرحمن الرحيم
على أعتاب العام
السادس للثورة السورية المجيدة، وفي مرحلةٍ حاسمةٍ بالغة التعقيد، تختلط فيها الآلام
بالآمال، ويُبرهِن خلالها شعبُنا الأبيّ الكريم، أنه ماضٍ إلى تحقيق أهدافه في الحرية
والكرامة، مهما عَظُمَت التضحيات، ومهما بلغت درجة الخذلان.. انعقدت الدورة العادية
الثالثة لمجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سورية، التي كانت محطةً على طريقٍ
طويلٍ لاهب، لتقويم الأعمال، وترشيد الخطط، ورسم معالم الخطوات الجديدة القادمة، ضمن
رؤيةٍ واضحةٍ تُلائمُ الظروفَ المستجدّة، والتطوّرات المتسارعةَ للقضية السورية.
يا أحرارَ شعبنا
السوريّ المقاوِم.. يا أبناء أمّتنا العربية والإسلامية:
إنّ شعبنا يتعرّض
لأقسى أساليب الـمَكر وأفظع حروب الإبادة، ولأشدّ أنواع الجرائم الإنسانية في التاريخ
الحديث، وقد تواطأت عليه معظمُ قوى الشرّ في الأرض، في حملاتٍ متعاقبة، لقهره وإسكاته
وإخماد ثورته، واستمرار قتل المستَضعَفين من رجاله ونسائه وأطفاله.. ولتكريسِ نظام
الاستبداد في سورية، الذي يتسلّط بواسطته أعداءُ
الأمة وأصحابُ المشروعات المشبوهة، فقد تَعَانَق المشروعُ الصفويُّ الطائفيّ، مع المشروع
الصهيونيّ، الذي تحتضِنُه المشاريع الاستعمارية، ضمن أوضح حالات التواطؤ والعدوان..
إنّ جماعتنا، من واقع المحنة التي تعيشها منذ نصف قرنٍ وما تزال مستمرةً حتى اليوم..
تُعلِن مَوْقِفَها الواضحَ من المستجدّات الأساسية، بما يأتي:
أولاً: إنّ الثورة السورية
المبارَكة، هي ثورةٌ شعبيةٌ عامة، على الظلم والاستبداد والنظام الحاكم الفاسد، الذي
يُثبتُ يوماً بعد يوم، أنه عصابة خائنة لا تملك أدنى انتماءٍ لسورية، ولا للأمة العربية
والإسلامية، ولاخيار للشعب السوريّ إلا أن يستمرّ في ثورته المبارَكَة، لاقتلاع
هذه العصابة، بكل أركانها ورموزها وركائزها.
ثانياً: إنّ
القوى الطائفيةَ الصفوية، والروسية، هي قوى احتلالٍ بغيضٍ لسورية، يختلط فيه الاستيطانيّ
مع العسكريّ والأمنيّ.. ما يستوجب الجهادَ بكل أنواعه العسكرية والمدنية، لمواجهة هذا
الاحتلال، بالمقاومة التي سنّتها شرائعُ السماء والأرض، والانخراطِ في (حربِ تحريرٍ
شعبيةٍ) لا تهدأ، بكل أدواتها ووسائلها وأساليبها، لطرد المحتلّ من وطننا السوريّ،
وتطهيرِ كامل الأرض السورية وأجوائها من رجسه.
ثالثاً: إنّ التعاونَ،
والتشاورَ، والتنسيقَ، والوحدةَ، بين أبناء شعبنا، وفصائله المقاوِمَة على الأرض..
بات
فرضاً لا يمكن تجاهُله بأي حالٍ من الأحوال.. فالهدف واحد، والوسيلة واحدة، لتحرير
سورية وشعبِها من الطغيان والاستبداد.
رابعاً: إنّ بناءَ
القوّة الذاتية للثورة والشعب السوريّ وثوّاره، وتأمينَ موارد المقاومة بكل أشكالها.. صار
ضرورةً تؤكِّدُها وقائع الخذلان، الذي ما يزال شعبُنا يدفَعُ ثمنَه، من دمائه وحَرْثِهِ
ونَسْلِه، وأرواحِ أبنائه وبناته.. في جريمة حربٍ كبرى متعدِّدة الوجوه، ينبغي لمجلس
الأمن الدوْليّ أن يقومَ بواجبه تجاهها، ويكفَّ أيدي مُرتكبيها، لا أن يتفرَّجَ عليها،
ويتقاعسَ عن إيقافها.
خامساً: إنّ جماعتنا
التي تعاني من الإرهاب الأسديّ منذ خمسين عاماً، ترى أنّ مُحاربَةَ ما يُسمى بالإرهاب،
التي تزعُمُها إيرانُ الراعية للإرهاب، وروسية، وبعضُ القوى العالمية.. ليست إلا ذريعةً
تتترّس وراءها، للتدخّل في شؤون سورية وشعبها، بقصد إخماد ثورته، وإعادةِ تأهيلِ العصابةِ
الأسديةِ الحاكمة، التي أثبتت التطوّرات، أنها الخيارُ الوحيدُ
للعدوّ الصهيونيّ، وممالئيه، وحاضنيه.. فهم الذين صنّعوا المنظّمات الإرهابية، وهم
الذين يخطِّطون لها، ويرسمون سياساتها، ويستثمرونها، ويتحالفون معها على الأرض وفي
ميادين الصراع كلها. إنّ أيَّ حربٍ على الإرهاب لا تبدأ بالعصابة الأسدية وحلفائها،
لن تكونَ إلا تشجيعاً عليه، وتغذيةً له، ومَدّاً في عُمُرِ هذه العصابة الإرهابية المجرمة.
سادساً: إننا مع
الحلّ السياسيّ الكريم لشعبنا، الذي يـُحقِّقُ المبادئ الخمسةَ لثورتنا، ولا يمكن أن
نقبلَ بالعمليات الالتفافية عليه، لتصفية ثورته، من خلال المؤتمرات
الدوْلية التي تسعى إلى حماية المجرم، والاعترافِ باحتلال المحتلّ.. إنّ الحربَ المفروضةَ
على شعبنا، -في رؤيتنا- هي حربُ إراداتٍ وليست حربَ طائراتٍ ودبّابات، وإنّ إرادةَ
الشعوب المجاهدة، مستمَدَّةٌ من إرادة الله عزّ وجلّ، فهو وحده ناصرُ المستضعَفين المظلومين
المقهورين.
إننا نؤيِّد الهيئةَ
العليا للمفاوضات، في سعيها للحفاظ على ثوابت الثورة بمبادئها الخمسة، وإنّ أيَّ حَلٍّ
سياسيّ، لا يُمهَّد له بفكِّ الحِصارات المفروضة على شعبنا، وبإيقافِ جرائمِ القتلِ
والقصفِ المتعمَّد على أهلنا، وخروجِ المحتلّ الصفويّ والروسيّ من بلادنا، بكل تفرّعاته
وميليشياته الإرهابية، لاسيما (حزب الله) والميليشيات الطائفية العراقية، وغيرها، وبالإفراجِ
عن أكثر من ربع مليونٍ من الأسرى والمعتقلين لدى سجون الاحتلال الأسديّ.. ولا ينتهي
ببشار أسد وعصابته وأعوانه في محاكم الحساب والعقاب الدوْلية، لمحاسبتهم على جرائمهم
بحق شعبنا والإنسانية.. ولا يؤدي إلى بناء دولة العدل الحديثة للشعب السوريّ كله..
إنّ أيَّ حلٍّ سياسيٍّ لا يبدأ وينتهي بذلك كله، دون شروطٍ أو تسويفٍ أو مراوغة.. لن
يُكتَبَ له النجاح، ولن يقبَلَهُ شعبُنا الثائرُ مهما تضاعفت الأثمان، وستستمرُّ ثورتُهُ
المبارَكَةُ حتى تَبلغَ هدفَهَا بإذن الله عزّ وجلّ.
سابعاً: إنّ وَحدةَ
التراب والشعب السوريَّـيـْن ثابتٌ من الثوابت الوطنية، وخَطٌّ حرام، لا يمكن لعابثٍ
أن يتجاوزَه، أو يلتفَّ عليه، أو يلعبَ على حِباله، وإنّ شعبَنَا
الذي عُرِف على مَرّ التاريخ بوحدته وتلاحمه، لا يمكن أن يتنازلَ عن وحدة ترابه تحت
أي ظرفٍ من الظروف، وإنّ مقاومةَ المحاولات المشبوهة لتقسيم سورية، هي ضرورة من ضرورات
انتصار الثورة المبارَكَة، ومن أهم أهدافها.
ثامناً: إنّ
رعايةَ ملايين اللاجئين السوريين، والعملَ على عودتهم إلى وطنهم وديارهم، باتت امتحاناً
إنسانياً فاصلاً، لمصداقية المجتمع الدوليّ والمنظّمات الرسمية الدوْلية لحقوق الإنسان،
وإنّ استخدامَ هذه القضية الإنسانية ورقةً في الصراعات الدوْلية.. لا يدلّ إلا
على مدى الانحطاط الذي وصلت إليه قوى المجتمع الدوليّ، الساكتةُ عما يرتكبه المحتلّ
الروسيّ والإيرانيّ الطائفيّ، من جرائمِ القتل والتهجير بحق شعبنا، بدافع التغيير
الديموغرافيّ الخبيث على الأرض السورية.
تاسعاً: إننا نتقدّم
بالشكر والعِرفان، لكلِّ مَن وقف مع الثورة الحقّ في سورية، وكلِّ مَن مَدَّ لها يداً
حانيةً داعمةً كريمة، في مختلف المجالات والميادين والمحافل الدولية، وذلك من أحرار
العالَم والشعوب والحكومات العربية والإسلامية، التي نطالبُها
ونطالبُ الجامعةَ العربيةَ ومنظمةَ التعاون الإسلاميّ والمنظّمات الإسلاميةَ في العالم،
بنُصرة الشعبِ السوريّ، ودَعمِهِ، والتلاحمِ معه، لتجاوز الخطر المحدق بسورية والأقطار
العربية والإسلامية، المتمثِّل بمشاريع التفتيت والتقسيم التي لن تقفَ عند الحدود السورية،
إن لم تـُجَابَه بـِمَدّ الثوار، بالوسائل النوعية للمقاومة والانتصار، حتى يبلغوا
أهدافَ ثورتهم في الاستقلال والحرية والتحرير، ويتمكّنوا من صَدِّ هذا الخطرِ الجسيم
الذي يُهدِّد العربَ والمسلمين جميعاً.
يا أبناءَ شعبنا
السوريّ الأبيّ.. أيتها الصابراتُ المحتَسِبات.. أيها المجاهدون المقاومون:
إنّ جماعة الإخوان
المسلمين في سورية، ما تزال على العهد، بتلاحمها معكم، حتى تتحقّقَ أهدافُ ثورتنا في
الحرية والكرامة.. وإنما النصرُ صَبرُ ساعة، وإنكم واجهتم وما
تزالون، كلَّ أشكال البغي والتنكيل والبطش والتواطؤ والخذلان والعدوان والاحتلال،
وقدّمتم شلالاتٍ من دمائكم في سبيل الله، وأكثر من أربع مئة ألفِ شهيدٍ من فلذات
أكبادكم في سبيل حرّيتكم، وجاهدتم دون أرضكم وعِرضكم بلا كللٍ أو تعب.. فأبشروا
بنصر الله عزّ وجلّ، وأبشروا –يا أهل سورية المبارَكة- ببشارة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، أنه لا يضرّكم مَن خذلكم، ولن يقفَ بوجه نصركم هؤلاء الذين تواجهونهم
بإصراركم، من أصحاب المشروعات العدوانية.
والله أكبر،
ولله الحمد.
(وَمَا
جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ، وَمَا
النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل
عمران/126).
شباط 2016م – جمادى الأولى 1437ه مجلس
الشورى
* *
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق