بوتين والمتحالفون معه (وحدات حماية
الشعب الكردية، مقاتلو قوات سورية الديمقراطية، الحرس الثوري الإيراني، ميليشيات
حزب الله، مرتزقة من باكستان وأفغانستان والعراق جندتهم طهران، إضافة إلى بقايا
جيش النظام المتهالك). ومعهم (تنظيم الدولة الإسلامية داعش). كل هؤلاء يعملون على
تصفية المعارضة وإنهاء الثورة.
هذه الأطراف التي تجمعها مصالح مشتركة
ويحركها طرف لم يعد خفيا أنه إيران التي باتت اللاعب الأول والمؤثر في سورية.
روسيا التي دخلت على الخط بقوة إلى
سماء سورية تستبيح المدن والبلدات والقرى، وتحرق الأخضر واليابس، وتدمر الحجر وتقتل
البشر، في مقابل لا مبالاة أمريكية، وصمت عالمي مريب، وغياب عربي مخجل ومحزن، ورضا
صهيوني حتى الثمالة.
بوتين الذي ينكر وجود دولة اسمها
سورية، وينكر أن فيها شعباً ثار للتخلص من قهر حاكم سفاح ونظام سادي متجبر، يشاركه
نفس الرأي باراك أوباما الذي راح مع بوتين يديران الصراع لتصفية المعارضة السياسية
وسحق الفصائل العسكرية تحت شعار محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يتجنبان فيه الإرهاب
الحقيقي المتمثل ببشار الأسد الذي قتل من شعبه نحو نصف مليون وجرح أكثر من مليون
وسجن واعتقل ما يزيد على نصف مليون وهجر أكثر من اثني عشر مليون في آفاق الأرض،
وتنظيم الدولة (داعش) التي فبركها نظام بشار ومعممو قم، لتكون الغطاء لادعائهما
أنهما يحاربان التكفيريين والمتطرفين والإرهابيين، دون المساس بالإرهابيين
الحقيقيين الوافدين إلى سورية من آفاق الأرض، لقتل شعبها تحت يافطات طائفية حاقدة،
لم تعرفها سورية في تاريخها الحديث ولا القديم.
إيران حققت ما تريده من أمريكا والغرب
بتوقيعها على اتفاقية الملف النووي ورفع العقوبات عنها وإطلاق يدها في سورية،
ولهذا لا نجد لها الآن صوتاً يعلو على هدير الطائرات الروسية، التي تسعى من خلال
قتل السوريين وتدمير مدنهم وبلداتهم وقراهم انتزاع اعتراف من الغرب وأمريكا بضمها
لجزيرة القرم، وتبادل المصالح في كرواتيا، والتوقيع على اتفاق الغاز بين الغرب
وبينها لتكون روسيا المزود الوحيد لهذه المادة لأوروبا، وتوقيع اتفاقية جديدة مع
الغرب حول نشر الدرع الصاروخية في أوروبا تطمئن لها موسكو.
بوتين الذي أصيب بخيبة أمل في حصاد
يجنيه من وراء ما فعله وما ارتكبه في سورية من جرائم حرب ضد الإنسانية وما ارتكب
من مجازر بشعة بحق أهلها وما دمر من مدنها وبلداتها وقراها، أصيب بخيبة أمل من
أمريكا والغرب لأنهم لم يعيروا أحلام اليقظة التي عاشها بوتين ولا تمنياته الوردية
أي انتباه، فسورية بالنسبة لهم لم تعد تغريهم ليبادلوا بوتين بينها وبين جزيرة
القرم وأوكرانيا أو حتى نشر الدرع الصاروخية في البلدان المحيطة بروسيا وقد تم لهم
ذلك، ولا حتى باتفاقية الغاز معه، وقد وجدوا في بعض الأسواق العالمية من يزودهم
بهذه المادة الحيوية وبأسعار تفضيلية.
لم يعد أمام بوتين حتى يحفظ ماء وجهه
للخروج من المستنقع السوري بأقل الخسائر إلا التحرش بتركيا واستفزازها ومضايقة
الغرب بارتكابه جرائم تطهير عرقية في سورية لدفع مئات الألوف للهجرة باتجاه الحدود
الأوروبية، وهذا يخيف الغرب ويقلقه، إضافة إلى سعيه لقيام دويلة للأكراد في شمال
سورية تكون عازلة بين تركيا وسورية، وبالتالي تنشغل تركيا بمواجهة هذه الدويلة عن
سورية التي تعتبر الهم الأكبر لتركيا، فسورية هي العمق الاستراتيجي لتركيا على مر
التاريخ.
تركيا التي وجدت نفسها أنها الخاسر
الأكبر إن هي رضخت لسياسة بوتين وأوباما والسكوت على تصرفهما المريب في سورية،
فأكدت على أوباما أن يختار بين الوقوف إلى جانب حزب العمال الكردستاني وقوات حماية
الشعب الكردية الإرهابيين وبين تركيا الصديق والحليف. وردت على بوتين بتوجيه إنذار
لقوات الشعب الكردية والحزب الديمقراطي الكردي بعدم الاقتراب من مدينة أعزاز
وإخلاء مطار منغ، وأتبعت هذا الإنذار بقصف مدفعي وجوي عنيف على مواقعها التي
كسبتها تحت ضغط الغطاء الجوي الروسي، وسمحت للمئات من عناصر الجيش الحر من العبور
عبر أراضيها وبواباتها للتوجه إلى مدينة أعزاز لمؤازرة فصائل الجيش الحر لمنع تقدم
عناصر الحزب الديمقراطي وقوات حماية الشعب الكردية نحو اعزاز والمناطق المحيطة
بها.
من جهة ثانية على تركيا أن تفعّل
اتفاقها الاستراتيجي العسكري مع السعودية وعدم الخضوع لمطالب أوباما بوقف دعم
فصائل المعارضة السورية بالأسلحة النوعية التي تكفل تخفيف الضغط عن المواطنين
السوريين وحماية أجواء الأرض والمدن المحررة ووقف توسع الميليشيات الإرهابية في
الأراضي المحررة، والعمل على استعادة المناطق التي خسرتها في الأيام والأسابيع
الماضية، ليعود ميزان القوى لصالح المعارضة السورية.
وكلما كانت الفصائل الثورية المعارضة
قوية وصامدة كانت تركيا في أمن وأمان واطمئنان، فمصلحة تركيا تكمن في قوة سورية
ووحدة أراضيها ورحيل نظامها الفاشي الديكتاتوري، وقيام نظام ديمقراطي تعددي
يحكمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق