لي صاحب سحرته السياسة واستهوته، وأخذته من الشلة
إياها، فلم نعد نراه إلا في المناسبات، رأيته قبل أيام بمناسبة تعيينه وزيراً،
فعجبت أنه يشرب الحليب ويمتنع عن بقية المشروبات الكثيرة الشهية التي ملأت المائدة، فسألته عن ذلك، أجاب :
- أريد أن أبيّض قلبي
قلت ممازحاً : لكني أعرف أن أصحاب القلوب البيضاء
يفشلون في السياسة، فهل أنت عازم على الفشل بعد هذا النجاح الكبير الذي حققته؟!
أجاب وهو يكرع الحليب برغبة : لا، طبعاً، لا أريد
الفشل ، ( ومع ضحكة صاخبة أضاف ) يا صديقي لا تشغل بالك فأنا أبيض قلبي من الخارج
فقط ، أما من الداخل فهو كلب ابن كلب!!
ضحكنا، وانصرف الوزير إلى تجهيز غليونه الفاخر،
بينما انصرف تفكيري إلى أحوال السياسة والسياسيين فرأيت أن للسياسة طرقاً شتى،
بعضها ينتهي إلى السلطة والمناصب الرفيعة وتدخين الغليون الفاخر، وشرب أرطال من
الحليب يومياً، وبعضها ينتهي إلى السجون والتعذيب والمشانق، وفي أحسن الأحوال إلى
المنافي والتشرد في بلاد الله الواسعة !
عدت إلى الوزير وقد راح يدخن غليونه بشراهة وينفث
دخانه دوامات وصلت إلى عنان السقف، قلت له :
- معالي الوزير ! الآن وقد أصبحت وزيراً ماذا تنوي
؟
أجاب وهو يضع الغليون جانباً ويرفع كأس الحليب إلى
فمه :
- سوف أواصل شرب الحليب إلى أن أصبح رئيساً
قلت مشفقاً: رفقاً بقلبك يا صديقي! فتلك هي النهاية
!
قال في ثقة : اطمئن يا صديقي، فالحليب عندي يشتغل
على السطح فقط ، لهذا انا واثق من الرئاسة عما قريب .
فرفعت كأس الشاي بيدي ومددته نحوه مشجعاً وقلت :
إذن كاسك ! سيادة الرئيس !!!
فرفع كأس الحليب عالياً بحركة متعجلة جعلت الحليب
يندلق على بدلته السوداء .
فانفجرت ضاحكاً بيني وبين نفسي وأنا أرى الوزير
يبيض من الخارج ويزداد سواداً من الداخل، وقمت أستأذنه بالانصراف تاركاً إياه
يحضّر نفسه للرئاسة بما تبقى بين يديه من حليب!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق