بسم الله الرحمن الرحيم
عُني الإسلام بالروابط الاجتماعية
عناية خاصة، وجعل الإحسان للآخرين أمراً قيماً، وأساساً عظيماً من أسس التعايش بين
الناس، بل تعداه إلى الأمر بالرفق بالحيوان والإحسان إليه، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم
أخلاقاً"، وقال: " أحب الناس إلى الله أنفعهم"، وتناول
الشرع الكثير مما يخص العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع المسلم، حيث حضّ على
الابتسامة والبشاشة بقوله: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة"، وقوله: "ولا
تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" ، وأمرنا بعيادة المريض،
والمسح على رأس اليتيم، والإحسان إلى الجار، والرفق بالضعيف، والبر بالوالدين،
وإماطة الأذى عن الطريق، وأوصانا بالمرأة وطالبنا بصيانتها وحمايتها ورعايتها
وإعطائها حقوقها.
وقائمة الإتيكيت الاجتماعي في
ديننا طويلة لا يتسع المقام لذكرها، ومن هذه الأمور الجميلة المتميزة التي حضّ
عليها نبينا صلى الله عليه وسلم " الهدية" التي يتشدق بها العصريون
بأنهم أصحاب سبق في هذا المجال، ولكن نصوص السنة ترد عليهم بقول صاحب الخلق الرفيع
صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابُّوا"، فما أجمل هذا الخلق وما أبلغه
في دعم العلاقات الإنسانية.
فالهدية بريد القلوب ومفتاحها،
ترققها وتذهب جفوتها وجفاءها، وتجلوها من ضغائنها وأحقادها، بها تزداد المودة
وتتآلف الأرواح، فهي عنوان المحبة، تُنبت في الضمير المودة، وتَصل حِبال الودّ
المقطعة، وتؤكد وتعمق معاني الأخوة الحقّة.
والهدية تستمد قيمتها ومكانتها من
مكانة مُهديها وصدق مشاعره، ولا تقاس بارتفاع ثمنها أو قلته.
وأفضل الهدايا ما كان موافقاً
للحال والمناسبة، ولبعضها رموز ودلالات، فنقدم الورود بألوانها المختلفة تارة، ونقدم
الفاكهة تارة أخرى، وقد تكون هديتنا طبقاً من طعام أو تمر أو حلوى، وقد نقدم بعضاً
من أثاث المنزل في حالات أخرى، كما نقدم المصوغات الذهبية والفضية في بعض الأحوال،
وهكذا تتنوع هدايانا بما يلائم حال المهدي والمهدى له.
وهناك هدية انتشرت في الآونة
الأخيرة، لا أكاد أقف على معانيها ولا أكاد أدرك مراميها، وهي الدبّ
"الدبدوب" يقدمه الأصحاب لأصحابهم والآباء لأبنائهم، ولكن اللافت أن يقدمه الخاطب لخطيبته، وانتشر ذلك انتشاراً واسعاً، وكثيراً ما تساءلت عن رمزية
هذه الهدية؟
فهل هي رسالة من الخاطب إلى
خطيبته يخبرها بأنه سيكون مثل هذا الدب في تعامله معها؟! وجميعاً نعلم قصة الدب
الذي قتل صاحبه بعد أن حطت ذبابة على رأسه فأراد قتلها فضربها بحجر فأودى بصاحبه
قتيلاً، هذا في حال الحبّ فما بالكم بالوضع في حال الكراهية وعدم التفاهم؟!
أم هي تعبير عن صدق مشاعره وبأنه
سيكون رقيق المشاعر مثل هذا الدبّ تماماً؟!
أم هي تعبير عن حياة اجتماعية
مثالية؟! ومن المعروف أن الدببة إجمالاً مخلوقات متوحدة ولا تبقى بالقرب من بعضها لفترات
طويلة، وخصوصاً الذكور منها.
ويقول علماء الحيوان بأنه لا يمكن
التنبؤ بسلوك الدب الجائع؟!
وبعد أن علم الأمريكان بحبنا
للدببة وتفضيلنا لهذا النوع من الهدايا قاموا بإهدائنا دباً قطبياً روسياً في
سوريا، وذلك تعبيراً عن حبهم وتقديرهم لشعبنا.
وقام الدبّ الروسي بقتل السوريين
الآمنين في كل سوريا، وذلك انطلاقاً من حبّه للشعب السوري، والرغبة الجامحة في
الزود عنه وتطهيره من الإرهاب الجاثم على صدره.
ولكن الأمريكان سرعان ما عادوا عن
هديتهم بعد أن اصطدموا بصلابة شعبنا، وتصميمه على انتزاعه لحريته وحقوقه.
جاء في الحديث الصحيح: "العائد
في هبته كالكلب يعود في قيئه"، فإذا أهداكم الكلب دبّاً فردوه عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق