واقع الحال وما يصدر عن مسؤولي
الولايات المتحدة الأمريكية غير المتوافقة وغير المتجانسة؛ تنبئ بأن هذه الدولة
العظيمة بقوتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وقوتها التكنولوجية المتطورة وقوة
إعلامها؛ هي في انحدار سريع نحو الهاوية ووصولها إلى القاع بات مسألة وقت، أرجو أن
لا يسخر من قولي البعض لأن سنن الحياة تقول أن الدول كالإنسان والحيوان والشجر يمر
في مراحل متعددة حتى إذا ما وصل إلى الهرم والشيخوخة زوى ثم هوى فمات، فمن منا كان
يفكر للحظة واحدة أن الاتحاد السوفياتي بكل جبروته وقوته وعنفوانه يتفكك وينقرض
ليصبح من الماضي، وبالأمس وقف أحد زعمائه بكل غرور في قاعة الأمم المتحدة يضرب
بحذائه على الطاولة والآن ينبش قبره ولا يعرف مصير بدنه في أي حفرة طمر.
أنا لا أقول ما أقول من فراغ؛
فلو تتبعنا واقع أمريكا الآن لوجدنا في حالها العجب العجاب، فقد اختلط الحابل
بالنابل فالسياسي فيها ينظّر ويتحدث في الشؤون العسكرية، والعسكري يرسم لها
السياسة الخارجية، والاقتصادي يتحدث في الشؤون الاجتماعية، ووزير العدل يدس أنفه
في عمليات البورصة، والكونجرس يتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية ويصفعه على قفاه،
والرئيس يندب حظه العسر لأنه لا يملك من أمره شيء.
ما دفعني إلى كل ما أخمن وأتنبأ
هو تصريحات مدير "وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" (جون برينان)
يوم الجمعة 12 شباط الحالي التي قال فيها:
"أن الولايات المتحدة لا تريد انهيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها،
لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة، ولا سيما تنظيم
الدولة الاسلامية".
وقال برينان أمام مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية في
نيويورك، ان "لا أحد منا، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف (ضد
تنظيم الدولة الاسلامية)، ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات
السياسية في دمشق".
واضاف إن "عناصر متطرفة بينها تنظيم الدولة الاسلامية،
وناشطون سابقون في تنظيم القاعدة، هم في مرحلة صعود في بعض مناطق سورية حالياً".
وقبل ذلك إهانة الكونجرس الأمريكي للرئيس الأمريكي عندما
وجه دعوة لكبير الإرهابيين في العالم نتنياهو رئيس وزراء الدولة العبرية ليلقي
خطاباً أمام أعضاء الكونجرس من خلف الرئيس الأمريكي الذي أصيب بمرارة وخيبة أمل
كبيرتين، وهو يرى على شاشات التلفزة الأمريكية والعالمية نتنياهو، وهو يخطب في
قاعة الكونجرس في العاصمة الأمريكية من وراء ظهره دون استشارته أو علمه.
نعود للسيد جون برينان رئيس المخابرات المركزية الأمريكية
وإلى تصريحاته وهو يرسم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية متجاوزاً السيد
كيري الذي لم نسمع منه أي رد على برينان ولسان حاله يقول: وعند برينان الخبر
اليقين (عذراً من جهينة).
لقد تعودنا نحن الدول المتخلفة أن الحكم في بلداننا هو
حقيقة بيد رجال الأمن وفروعه، وما رجال السياسة والاقتصاد والقضاء والاجتماع
والمال والإعلام إلا ديكورات أراكوزية تحركها هذه الأجهزة من وراء الكواليس، ولكن
أن تكون المخابرات المركزية الأمريكية هي من تدير سياسة أمريكا وفي العلن وعلى
المكشوف يا تاجر، فهذا أمر مخزي لقائدة الدول الديمقراطية في العالم، والتي تتبجح
ليل نهار بأنها حامية الديمقراطية في العالم وراعية حقوق الإنسان.
برينان يثبت في تصريحاته أنه لا يعلم من أمر واقع سورية شيء
بعد أربع سنوات من القتل والدمار والنزوح والتهجير، ويذرف الدموع خوفاً على سقوط
النظام الذي فعل كل ذلك بشعبه وببلده، حتى لا يحدث سقوطه فراغ (قد) تملأه عناصر
متطرفة صاعدة في بعض المناطق السورية.. برينان هذا يثبت أنه جاهل بالحال التي وصلت
إليه سورية.. فسورية اليوم لم يعد يحكمها نظام أو تديرها مؤسسات أو أجهزة فكل ذلك
أصبح من الماضي البغيض.. فسورية اليوم في ثورة شعبية (بغض النظر عن العوار الذي
أصابها هنا أو هناك) تبسط نفوذها على أكثر من ثلثي مساحة البلاد، رغم ما استقدم رأس
النظام المتهالك من ميليشيات ومرتزقة طائفية ومن لون مذهبي واحد لدعمه ومؤازرته للحيلولة
دون سقوطه، ناهيك عن الدعم اللامحدود الذي تقدمه إيران الصفوية للنظام حتى يقف على
قدميه، ومن منطلق اعتبارها أن سورية هي المحافظة الخامسة والثلاثين، كما صرحت
وتصرح بذلك. ناهيك عن الدعم العسكري والسياسي الروسي غير المحدود.
أما بالنسبة للنظام الذي يخشى برينان من سقوطه فهو محاصر في
قصر الرئاسة في حي المهاجرين وأن أبعد نقطة وصل إليها خارج القصر هي حي القصاع
الذي يبعد عن القصر الجمهوري سبعة كيلو مترات، أما قواته المنتشرة هنا وهناك من
الأراضي السورية فهي تعيش في جزر صغيرة محاصرة وتتلقى يومياً على يد الثوار
الضربات المؤلمة والموجعة، ولولا الطيران الذي يساند هذه القوات ويفتك بالمدنيين،
ولولا امتناع أمريكا والغرب، التي تدعي صداقة الشعب السوري، عن تزويد المعارضة
بالأسلحة النوعية المضادة للطائرات، لما بقي هذا النظام المتهالك الذي يذرف برينان
الدموع عليه إن سقط؛ حتى لا يحدث فراغاً تملأه الحركات المتطرفة، التي هي من زرع
النظام وغض الطرف عن تواجدها من قبل المخابرات الأمريكية والغربية، الذي بات معه
النظام في عيون الجميع أنه والحركات
المتطرفة وجهان لعملة واحدة الهدف ذبح السوريين وتدمير البلاد.
كلمة أخيرة لبرينان: "إن كنت سيد برينان تعرف ما يجري
في سورية من قتل وتدمير وتهجير وتسكت عليه وأنت رئيس مخابرات أكبر دولة في العالم
فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري بما يجري في سورية فتلك مصيبة تستحق عليها الطرد من
البنتاغون لأنك ستكون أحد الأشخاص الذين ساقوا أمريكا إلى ضمورها ونهايتها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق