حين بُني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
فيه جذع شجرة نخيل، يقف إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسكه بيده الشريفة وهو يخطب في المسلمين،ويتكئ
عليه، كان هذا حتى جاءت السنة السابعة للهجرة، فقال أصحابه يوماً: نصنع لك يا رسول
الله منبراً له ثلاث درجات، فترتفع عليه، فنراك وترانا، قال: فاصنعوا ما بدا لكم،
وهكذا فعلوا، فلما جَهُزَ المنبر، وقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، سمع المسلمون صوتاً، تلفتوا حولهم، من
هذا الذي يبكي؟ من يئن؟ من أين هذا الصوت المتقطع، تكاد نفس صاحبه تخرج من صدره؟
صمت الناس، يبحثون عن مصدر هذا الصوت، ويا للعجب إنه يصدر من جذع النخلة، كان
المسجد يغَصُّ بالمصلين، فوصف كثير منهم هذا الصوت.
قال أحدهم: سمعنا للجذع صوتاً كصوت الناقة التي
انتهت في حملها إلى عشرة أشهر، فهي تصدر أنين الحمل أو الوضع.
وقال الثاني: اضطربت تلك السارية كحنين الناقة
الخلوج التي انتزع ولدها.
وقال الثالث: حنَّت الخشبة حنين الوالد فارقه ولده.
وقال الرابع: خار ذلك الجذع كخوار الثور حتى انصدع
وانشق.
وقال الخامس: صاحت صياح الصبي فارق أمّه.
يا الله، خشبة تبكي على فراق رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتحن إليه؟! فالمسلمون أحق أن يشتاقوا إليه صلى الله عليه. .
كان الجذع في أقصى حالات السعادة حين يلمسه الرسول صلى
الله عليه وسلم، فيشعر بالأمن، والأمان، ويسمع منه القرآن الكريم، والذكر الحكيم،
أما الآن فهو يشعر أنه فقد ذلك، فحق له أن يبكي.
فماذا فعل النبي الرحيم، ذو الخلق العظيم، والأستاذ
الذي علم البشرية كيف يتصرَّفون، وماذا يفعلون؟
نزل النبي صلى الله عليه وسلم وسار إلى جذع النخلة
فضمَّه إليه يسكنه ويهدئه، كما تفعل الأم بوليدها، فجعل الجذع يئن أنين الصبي بين
يدي أمه والطفلِ في أحضانها، حتى هدأ وسكن.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لو لم أحتضنه لحن
إلى يوم القيامة))، ثم قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للجذع على مسمع من الناس: ((اختر واحداً من
اثنين)).
الأول: ((أن أغرسك في المكان الذي أنت فيه فتكون
كما كنت نخلة مثمرة وارفة الظلال)).
الثاني: ((أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها
فيحسن نبتك، وتثمر، فيأكل منك أولياء الله تعالى)).
فقال للنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أختار
أن أغرس في الجنة يا رسول الله
فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فدُفِن.
رياض الصالحين
باب المنثورات والملح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق