إنَّ اعتماد
النَّصّ القرآنيّ كأصل في توضيح وتبيان المفاهيم والمصطلحات التي تزخر بها
المؤلَّفات قديمًا وحديثًا يُبدِّدُ كثيرًا من الأوهام التي لحقتها، والتي بثَّها
أصحابها بين ثنايا كتبهم ومصنَّفاتهم، حيث أصبحت مفاهيم مقدَّسة، ومصطلحات ثابتة،
اتَّخذ أصحابها من «التَّأويل» بابًا في تحريف الأصول، وسَعَوا من خلاله إلى ترسيخها،
وإثباتها، حتى غدت معتقدًا لا يخالطه شكٌّ، ولا يقربه ريبٌ.
وقد بيَّنا بعض هذه التَّحريفات والأوهام في مقال
سابق بعنوان: «العنصريَّة الدِّينيَّة لدى العرب» حيث رأى العلماء أنَّ «الإسلام»
لم يكن قبل بعثة النَّبيّ e،
وأنَّ أركانه من «توحيد»، و«صلاة»، و«صيام»، و«زكاة»، و«حجّ» لم تكن موجودة قبله e،
وهي رؤيةٌ يردُّها «القرآن الكريم» نفسه؛ بل هي دعوة تجاوزتْ ما ادَّعته «اليهود»
و«النَّصارى» من أنَّهم أحبُّ النَّاس إلى الله في قوله تعالى: ]وَقَالَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ
يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن
يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}المائدة18.
وجرتِ «العربُ»
على هذه الدَّعوة، وأصبحت قاعدةً راسخة في أذهانهم، لا يزحزحها أصل، ولا يدخلُها
نقدٌ، ولا يطالها نقاشٌ، ومن يفعل ذلك فإنَّ الاتِّهام بـ«الرَّفض» يترصَّده من
كلِّ جانب، وتتناوشه ألفاظ «التَّكفير» حينًا، و«الزَّندقة» حينًا ثانية، والخروج
من «الملَّة» أحيانًا كثيرة، ولم يعلموا أنَّهم بصنيعهم هذا قد أضاعوا «العرب»
كطائفة، وأضاعوا «الإسلام» كدين!
ولا شكَّ أنَّ
التَّحريف في مثل هذه المفاهيم، والغلطَ في تبيانها كما نصَّ عليه «القرآن» قاد
أصحابها إلى الوقوع في أوهامٍ وتحريفاتٍ أكثر خطورةً، وأشدُّ مرارة من الأولى؛
لأنَّها أنتجت أحكامًا خاطئة بالضَّرورة، وهذه الأحكام لا شكَّ في بطلانها؛ لأنَّها مبنيَّة على أصول باطلة.
ومن هذه
المفاهيم الخاطئة أنَّهم أقرُّوا بوجود ديانات أخرى غير «الإسلام»، فجعلوا «المسيحيَّة»
ديانة قائمة بذاتها، وكذلك «اليهوديَّة»، ويكثرون من استخدام مصطلح «الدَّيانات
السَّماويَّة»، ولو تدبَّروا آيات «القرآن الكريم» حقَّ التدبُّر لعلموا سقوط هذا
المفهوم، وأنَّه افتراء وبهتان عظيم، كان له الأثر الكبير في حال المسلمين «العرب»
الذي نراه واقعًا مأساويًا اليوم، من قتل، وتشريدٍ، وتنكيل في شتَّى بقاع الأرض.
وهو مفهوم
يخالف مخالفة صريحة ما بيَّنه سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، إذ وضَّح «القرآن
الكريم» أنَّ «الإسلام» هو دين الله في الأرض، وأرسل رسلَه من أجل دعوة النَّاس
إليه، كقوله تعالى إشارة إلى «إبراهيم» وبنيه u:
]وَوَصَّى
بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ
الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}البقرة132، وقوله تعالى: ]أَمْ
كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا
تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ}البقرة133.
ومثله قوله تعالى إشارة إلى سيِّدنا «عيسى» u:
]فَلَمَّا
أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ}آل عمران52، وقوله أيضًا: ]وَإِذْ
أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ
آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}المائدة111.
بل إنَّ الله
قد أمر «العرب» في كتابه العزيز أن يسيروا على دين من سبقهم وهو «الإسلام» في أكثر
من موضع في «القرآن» فقال تعالى: ]قُلْ
آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى
وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}آل عمران84، ثمَّ أصدر سبحانه وتعالى الحكم الأزليَّ
على وجوب اعتناق هذا «الدِّين» فقال: ]وَمَن
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ}آل عمران85.
د. محمد عناد
سليمان
12 / 3 / 2015م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق