الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-03-21

من لوازم النجاح للعمل الإسلامي (7)، العمل المؤسسي – بقلم: د. عامر البو سلامة

4- العمل المؤسسي، واجب شرعي، وضرورة إدارية، وحاجة واقعية:
ديننا علمنا النظام، وكل أحكامه تدلل على صدق هذه الحقيقة، ومن لوازم هذا، أن نتبع السبل المؤدية، لتحقيق هذا الغرض، مستفيدين من تطورات الوسائل، وحداثة الأدوات، ومعاصرية الوسائط، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها، فهو أحق الناس بها، وقاعدة العلماء المؤكدة "ما يتم الواجب إلاً به فهو واجب".

ومن هذه الوسائل المهمة، اتباع قواعد العمل المؤسسي، بأحدث ما توصل له الجهد البشري، من تقنية وتطور، بناء على علم قائم، أو نظم مكتشفة.

ورضي الله عن سيدنا عمر، حيث أخذ بنظام الدواوين، حيث تمثل في ذلك الوقت حالة من حالات تجلي العمل المؤسسي، وصورة من صور شهوده الحضاري.

تعريف العمل المؤسسي:
عرفه الأستاذ عبدالحكيم بلال: "كل تجمع منظم يهدف إلى تـحـسـيـن الأداء وفـعـالية العمل، لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بـتوزيع العمل على لجان كبرى وفرق عمل وإدارات مـتخـصـصـة؛ علمـيـة، ودعــويـــة، واجتـماعية؛ بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرار في دائرة اختصاصها.. يعتبر عملاً مؤسسياً".

ويقول: "من الضروري العناية بتنمية الفكر الجماعي، وأسلوب العمل المؤسسي المحكم الذي صار أسلوب القوة والتحدي في هذا الزمان، ويكفي برهاناً من الواقع أن الــدول الكبرى في الوقت الحالي دول مؤسسية ليست مرتبطة ارتباطاً كلياً بالأفراد؛ فالولايات الـمـتـحــــدة الأمريكية مثلاً هي بجملتها مؤسسة ضخمة تضم في ثناياها عدداً هائلاً من المؤسسات مخـتـلفة التخصصات، ولا تتغير إستراتيجياتها الرئيسة بتغير أفراد حكوماتها إلا من منطلق جماعي".

لماذا العمل المؤسسي؟
- لأن العمل المؤسسي، عمل جماعي، وهذا يمنح العمل أماناً ونجاحاً "يد الله مع الجماعة"، أما العمل الفردي؛ فهو مهما كان ناجحاً، فإنه يبقى محدوداً، ومحفوفاً بالمخاطر، وعرضة للزوال والانهيار، فالعمل الجماعي المؤسسي يثبت، أما الفردي، فيزول بزوال صاحبه، لأن خيوط العمل كلها بيده، فلما رحل، رحلت معه.

- العمل المؤسسي، يجعل أصحابه يملكون الرؤية، ويحرصون عليها؛ لأنها تؤسس للعمل الطويل والقوي، أما الفردية، فهي طريق إلى الفشل، والفرد مهما علا كعبه، في العلم والمعرفة، يظل محتاجاً إلى من يتكامل معه، حتى تؤدى الرسالة في الحياة، على أكمل وجه (سنشد عضدك بأخيك).

- العمل المؤسسي، يمثل حالة الاستقرار للعمل، على المدى الطويل، والنفس المستمر، وهذا بدوره يمنح العمل قوة وصلابة، وهذا الأمر مما نحتاجه خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، التي تمر بها الأمة.

- العمل المؤسسي، يعني فريق عمل، منضبط، منظم، له لوائح، وفيه تفكير منضبط، ذو هيكلية تمثل فاعلية العمل المتسلسل، الذي يمنح العمل فرص النجاح الأمثل، عماده المهنية العالية، في وضع الإنسان المناسب، في المكان المناسب، فلا يعرف المجاملة، ولا يقيم لغير معيار التخصص، قوة وأمانة، أي وزن، من مثل الواسطة والمحسوبية، والقرابة والعواطف، والمناطقية والشللية والحزبية، وعندما يكون الميزان، القوة والأمانة، فهذا برهان نجاح، وعنوان سير صحيح.

- من هنا يكون اختيار القدرة البشرية ضمن معايير الإنتاج، أمراً غاية في الصعوبة، ولكن لا بديل عنه، إذ البديل المعياري المقابل، يعتبر انتكاسة في عالم التنظيمات والمؤسسات.

- العمل المؤسسي، ينقلك من العفوية و"الدروشة" إلى التنظيم، والعمل القائم على الدراسة والتخطيط، واتخاذ أنجع السبل للوصول إلى الهدف، مضى عصر العفوية، والتفكير الساذج، إذ نحن في زمن لا يحترم فيه إلا الأقوياء، والقانون لا يحمي المغفلين، وعدوك يتربص بك ريب المنون، وخصمك ينتظر عثرتك ليأخذ مكانك، ولا ننسى أننا في زمن "لعبة الكراسي الموسيقية".

- العمل المؤسسي يرتقي بك، من التنظير المجرد، والاستغراق فيه، على حساب العمل، والبرامج التفعيلية، إلى ميادين الانطلاقة الحرة، في صناعة الحياة، على ضوء أحدث المكتشفات المعاصرة، والاستغراق في عالم الأخذ بالسبب، بعيداً عن التواكل المذموم، والاتكاء على وسائد الانتظار، ظناً من أصحابه أن موائد العمل تمد رواقها، وتعطي أصحابها فرص التقدم، من خلال وضع برامج متوهمة، دون ترتيب صحيح، لمراتب العمل الصالح، فيختلط الحابل بالنابل، وما هكذا يا سعد تورد الإبل.

- العمل المؤسسي، ينقل العاملين من الضبابية، إلى وضوح الرؤية، ومفردات الأهداف، من خلال خريطة عمل، معروفة بدايتها، مرسومة خطواتها، واضحة معالمها، تعرف من أين تبدأ، وأين تنتهي، وإلى أين ترسو سفينة العمل، عمادها التخطيط الواقعي، على ضوء الإمكانات المتاحة، والقدرة البشرية المتوافرة.

- العمل المؤسسي، يمنح العاملين، عقلية الانفتاح على تجارب الآخرين، وما عندهم من خير، حتى لو كانوا مخالفين، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها، فهو أحق الناس بها.

- العمل المؤسسي، يمنحك – حسب تعبير المتخصصين -   الذاكرة المؤسساتية، وتراكم التجارب (التراكمية العملية)، ويردم فجوات الانقطاع التي يورثها العمل الفردي، ففي العمل المؤسسي، كل شيء مدون ومحفوظ، وحقوقه للمؤسسة وللأجيال فيها، وليس لشخص، تموت كل التجارب والخبرات بموته، وهذه إشكالية من إشكاليات العمل العام، والعمل الإسلامي بشكل خاص، إذ هو ظاهرة ملموسة الفعل، معلومة الممارسة، ومفهمة السلوك، ملاحظة المسار، وهذا والله كارثة من الكوارث، فكم من جهود أعلام ضاعت بسبب غياب العمل المؤسسي.

- في كثير من الأحيان، لا يكون العيب في الفرد المتميز، حين يمارس العمل بطريقة غير مؤسساتية، بل يكون العيب في الجمعية أو الجماعة أو الحزب، حيث لم "يُمَأسسوا" عملهم على قواعد الرشد، والمعارف العلمية، فتكون المسؤولية جماعية، وهنا تحضرني مقولة من قال: "الليث بن سعد أفقه من مالك، غير أن أصحابه ضيعوه".

وفي الختام: لا بد من تذكر جوانب النقص، ومحاولة تداركه، من العاملين للإسلام، مع إنعام النظر، في جوانب الخلل، حتى نسدها، ولا ندع للشيطان فرجة أو نافذة منها يتسلل إلى عملنا، فيحدث الاضطراب، لا قدر الله.

ومن باب البشرى، والفأل الحسن، نذكر كثيراً من العمل الإسلامي المؤسسي، الذين يملأ سمع الدنيا، وفي مجالات كثيرة، وبورك بالإخوة العاملين، الذين كانوا روحاً يقظة، وأملاً منشوداً، وفكراً وقاداً، وغيرة مشعة، وحماسة عملية، ولكن بالمقابل، ما زال العمل المؤسسي، يغيب بنسب متفاوتة، هنا وهناك، في إطار العمل الإسلامي المبارك، وعلينا أن نشد العزم، ونأخذ بأسباب القوة، والإعداد الذي أمرنا به، حتى نكون على مستوى الأمانة، التي أشفقت السماوات والأرض والجبال، أن يحملنها، وحملها الإنسان. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق