تفتحت
البلدان الإسلامية على العالم الآخر، فكان هناك تأثر وتأثير، إذ أخذ المسلمون من الشعوب
التي خالطوها ولاسيما الغربية منها الغث والسمين، وحصلت هجرات كثيرة اجتماعية
وثقافية، ونتيجة لهذا الاحتكاك تغيرت الأخلاق والقيم والسلوكيات، فأخذ الشعراء
الإسلاميون يقارنون بين الماضي والحاضر في النهضة والعلم والمفاهيم السائدة، ومن
هنا كان حديثهم عن الحضارة والأخلاق، وعن الأسرة عامة والمرأة خاصة، وعن الأوضاع
الثقافية في العالم الإسلامي .
أولا : الحضارة والأخلاق في الشعر
الإسلامي المعاصر :
الحضارة
عادة تنشأ في ظل قانون ونظام وهدف تسعى إليه، وهي تتحرك متفاعلة مع العالم دون أن
تفقد هويتها، ولقد قدمت الحضارة الإسلامية أروع مفهوم وتطبيق لها، فقد أنشئت
بقانون إلهي لابشري، ولهدف رباني هو عمارة الكون ، وكانت لاتميز بين أبيض وأسود أو
بين غني وفقير ، وترك للجميع حرية التعبير والتعليم، وسخرت معطياتها لخدمة الإنسان
. وكانت تتميز بقيمها الرفيعة حتى بات العالم الإسلامي موطن العلم والبحث والأمن
والرخاء، ولاتزال مكتبات العالم تشهد بهذه النهضة القوية .
وسأبين
سمات كل من الحضارة الإسلامية والحديثة، والأخلاق التي سادت المجتمع الإسلامي كما
بانت عند الشعراء الإسلاميين المعاصرين :
1-
الحضارة في
الشعر الإسلامي المعاصر :
تحدث
الشعراء الإسلاميون عن الحضارتين الإسلامية والغربية وقارنوا بينهما، وحذروا من
أخلاقيات العصر التي وفدت إلينا مع الحضارة الغربية، ونددوا بحضارة الغرب ومفاسدها
وماديتها :
أ-
سمات الحضارة
الإسلامية :
فرق بين حضارتين ، إسلامية تقوم على الدين
والخلق والعلم، وغربية مادية تناهض الدين وتعلي شأن العلم على كل شيء وإن تعارض مع
الدين .
لقد
انطلق المسلمون من الجزيرة العربية لينشروا دين الله سبحانه في الأرض، وينقذوا
البشرية من الفساد والطغيان فأسسوا حضارة لايزال العالم يشهد بها ويترنم بخيرها،
هذا عمار عدنان شيخوني، يقول في الحضارة الإسلامية العظيمة وسيادتها في
الأرض، وهدايتها للناس بالنور وحكمها بالعدل، ونشرها للعلم ثم تكالب أهل الشر
عليها ليطفئوا نورها :
كسرنا جموع الفرس والروم عنوة بما ظلموا، ذلوا وعادوا صواغرا
وجالت بأرض الصين والغال خيلنا وبتنا على الدنيا ملوكا أزاهرا
وكنا نسود الناس بالعدل والتقى وبالعلم والأحلام نبني الحواضرا
ونعلــــــي كلام الله في كل بلدة وفي كل أرض قــد نُشِيدُ المنائـــــــــرا
وكنا منار العلم والعلم حكمة نحكِّـــــــم في كل الأمـــــــور الضمائرا
هدينا شعوب الأرض بعد عَماية وبات أديم الأرض بالنور عاطرا
تألب أهل الشرك والكفر والهوى ووافاهم الشيطان يسعى مؤازرا
يريدون طمس النور بعد سطوعه فساروا كبحر الموت إذ مدّ زاخرا
فأبرقت الدنيــــــا بأفظع غيمة ترى وَبْلَــــــها يهمي حـــُـــــتوفا
مواطرا([1])
وهذا الشاعر
محمود الطاهر الصافي([2])
يتحدث أيضا عن حضارتنا المجيدة وما فيها من دين وعلم، وخلق وخير كان بهداية
المولى فيقول :
هي أعلى الحضارات في علم وفي عمل وليس يدركها في الخلد إنهاء
الحــــــق والخيـــــــر فيها كالبنــــــــاء عـــــــــلا تكاملـــت فيه أنحـــــــــــاء وأجــــــزاء
الله صانعهـــــــا قد جـــــــــــلَّ عن شَــبَــــــهٍ فهــــــــــي الحضارة لايدنــــو لها داء
العلم ينسجـــــــه نـــــــــــورا بلا خطــــــــأ ففيــــــــــه للناس إيضــــــــــاح وإنجــــــاء
وهذه
الحضارة ليست كالحضارة الغربية المادية التي لا تسعد الإنسان، لأن حضارة الغرب وإن
هي طاولت النجوم مادية طارت بجناح العلم، وحاربت الفطرة والدين بعد أن حاربت
المسيحية العلم كما حارب الملوك الحرية ،ولهذا قالت الثورة الفرنسية اشنقوا آخر
ملك بأمعاء آخر قسيس، أما حضارتنا الإسلامية فمبنية على الدين الذي اختاره الله
لعباده، يقول الأميري موجها خطابه إلى ذوي الحضارة الغربية مبينا فضائل
حضارتنا :
ماحضاراتكم وإن هي مدت من ثراها إلى النجوم جسورا
بالتي تسعــــــد الأنام وئـــاما وسلامـــــــــا وصحــــــــة وحبـــــــــــــــورا
نعمة الأمن والسكينة في الأعما ق والحب سلسبيـــــــــلا نميرا
وتآخي الإنسان في الله بالإنــ ــسان يسدي له ودودا نصيــــرا
هي فحوى الحضارة الحق بالإحــ ــسان يحيا الإنسان فيها قريرا
وهي الخير أبدع العُرب بالإســ ــلام صرحا له مشيدا حصـــــــــــورا
وأقاموا حضارة الدين لاالطيــ ــن فسادت وعمت الكون نــورا
إن دين الإسلام شرعا ونهجا أكمـــــــــل الله وحيــــــــه دستــــــــورا
وبشرع القرآن والهدي هد ي رسول الله يمضي جاهدا مستنيرا([3])
وحضارتنا
الإسلامية أيضا تدعو إلى العلم، وتعده
عبادة وهدى، يقول حسن الذاري([4])
:
عالم اليوم كم شكوت الداء وبذلت الجهود ترجو الشفاء
من صراع ساد الحياة فأضحت حسرة أورثت بينها الشقاء
فشلت هذه الحضــــــــارة في أن تجعــــــــــل الناس إخوة سعداء
تاه فيها الإنسان يطلب حلا للمـــــــآسي وينشــــــــــــد النعماء
جاهلا ملة تــــــــولى بنـــــــــاها خالـــــــــق عم لطفــُـــــــه الأحياء
فهــــــدى سيد البريــــــــة مازا ل شعـــــــــاعا يسلــــــــــط الأضواء
لعلاج المشاكل التي يفزع العا لم من هولها ويشكو العناء
ويطلب د.
عارف الشيخ من أبناء حضارتنا أن لايتغَنَّــوا بالماضي ثم ينسوا واجباتهم
اليوم، وينسوا ضرورة النهوض بالعلم ، والقضاء على المفاسد وأهمية نشر العدل في
ربوع العالم والخير، يقول :
أمة الإيمان قد حان الأجل أن تبثوا في الورى روح الأمـــل
ابعثوا مجــــــدا جديدا بيننا حقـِّــقوا الحاضـــــــر فالماضــــــــي أفــــل
إن أشقى الناس من غنى على وتر الماضي ولم يتقن عمل
ندَّعـــــــي أنا سبقنــــــــا أممــــــــــــا وليالينــــــــــا كـــــــــؤوس وغـــــــــــــزل
يادعاة الحق هبــــــوا وانشروا عدلكم مافــــــــــاز إلا من عدل([5])
ب- وصف الحضارة الحديثة :
قلَّد كثير
من المسلمين الغرب في حضارتهم الحديثة فتخلوا عن أخلاقياتهم وسلوكياتهم التي دعاإليها
الإسلام، فعم فيهم الفساد واستشرى، وقد وصف الشعراء الإسلاميون ماران على الشعوب
من أخلاق وتصرفات بعيدة عن الإسلام، فقال صالح آدم بيلو منددا بالفساد وهتك
حجاب المرأة وانتشار المجون :
سألوني
ماالذي أفعـــــــــم دنيـــــــاهـــــم رذائــــــل
والذي
أشعل نار العهر في تلك الفضائل
وأتت هـــــــوج
الأعاصير على إرث الأوائــل
وتعرت نسوة في البحر تبغي المدنية
جرَّت العالم للخلف لأعصار الرزية
عصر ما قبلك يانـــــــوح
فقالوا عبقرية([6])
ولقد
تحدث الشعراء عن مفاسد الحضارة الغربية ليبصروا الناس سبل الحق، قال عبد الرحمن
بعكر([7])
مبينا الفساد الخلقي في الغرب، وتقليد المسلمين لهم رامزا للغرب بالثعالب ( رمز
الإنكليز) وبالقرود (رمز اليهود ) :
ونهرب من حقيقتنــــــــا فرارا لتقليد الثعالب والقـــــــرود
هنالك في المراقص والملاهي بقية قصة الغزو الجديد
يبيع الجيـــــــل آخر مالديه ليصبح نسخة من هوليود
ويفقد حاضـرا وغدا وأمسا ويكفر بالطريف وبالتليد([8])
وينكر أسامة
الخريبي([9])
ماقام به بعض المستغربين من إنكار لشرع الله في القرآن الكريم الذي حرر العقول
فيقول :
ياقومنـــــــــا استمــــــعـــــــــوا لله دركـــــــم هل قمــــــة الفــــــــكر إنكار لقـــــــرآن
هل حرم الدين حق المرء في عمــــــل أو في ابتكار وإبـــــــــداع وإتقـــان
هل حرم الدين ضرب الفكر في فلك أو في جبال وأشجار وشطآن
من حـرر العقل من جهل ومن غبش في الجــــــــاهلية إلا آي قــــــــــرآن
ستعلـــــــن الآي أن القــــــــوم قد هلكوا حين استخفوا بأحكامي وتبياني
وكان من
نتائج البعد عن كتاب الله أن ضاع الشباب وكثر المخنثون حتى قال أحمد فرح عقيلان([10])
:
ليس الشباب أنوثة ونعومـــــــــة خلق الشباب مكافحين جنــــــــودا
لهفي على ابن الأكرمين مخنفسا رخصا يسابق في الدلال الغيدا
الشَّعر مُنْسَدِل على أكتافـــــــه يتسلح الأمشــــــــاط لاالبـــــــــــــــارودا
بسوالــــــــف وسلاسل وأظافر يعصي الإلـــــــه لكي يطيـــــــــــــع
يهودا
الخصم يغزو بالسموم عقولنا لتظــــــــل للفكـــــــــر الدخيل عبيـــــــدا([11])
ويرفض مفدي
زكريا([12])
ابتذال الرجال وتشبههم بالنساء، وتعاطيهم المخدرات وغيرها من المفاسد فيقول :
طبائعنـــــــــــا صالحـــــــــــات جليلــــــــــة تعـــــــــاف انحلال النفــــــوس الذليلة
تخنـــــــــث هــــــــذا الزمــــــــان ودبـــت خنــــــافيس هِــــيْـبـــّــي يشيــــــــــع
الرذيلة[13]
ونــــــــــــافـــــــــــــــس آدم حــــــــــــواءه دلالا وغنجـــــــا وذبــــــــــح فضيلـــــــــــــــــــــــة
وجرت ذيول الطـواويس هذي الــ ــسراويــــل وهي القصــــــــــار الطويلة
وشاع الشذوذ وذاع الحشيش وأصبـــــــــح للموبقــــــــــــات وسيلـــــــــــــــــــة
وأرض الجزائـــــر أرض الفحول فأيـــــــــن الشهامــــــة ؟ أين الرجولة
؟([14])
ونبه محمد
جميل العقاد أبناء الجيل إلى أن مايفعلونه من تقليد للغرب ليس تقدما بل
انحدارا، ودعا إلى العلم لاإلى التفرنج، وإلى الاخشيشان في الحياة حتى نكون
أقوياء ونستعيد الأمجاد، وبين أن الغرب الذي سيطر علينا بفكره بلغ مابلغه من القوة
بالعلم لابالفساد، يقول :
ياويح شبان غفَوا كم يرجعون إلى الورا
حسبوا التفرنج رفعة كلا لعمري ذا عماء
عودوا لتالد مجدكم فنفوسنا أضحت ظماء
مابالتخنث قد رقوا حتى امتطوا متن الهواء
بالعلـــــم
ليس بغيـــره علموا الدواء لكل داء
ملكوا عليكم أمركم حتى غدوتم كالإمــــاء
وتفاخروا في دينكم نفحاته هــــــن الحُداء([15])
وندد
الشعراء الإسلاميون أيضا بمن يتعاطى الدخان والمخدرات وهم يزعمون أن أعصابهم تهدأ
بهما، وأنها تخفف وطأة الحياة عليهم، يقول أحمد محمد الصديق في أحد
المدخنين الذي يدعي هذا، ويبين له أن اللجوء إلى الدين هو ما يهدئ الأعصاب :
أتاني يومــــــــا وفي شفتيـــــــــه ( لفافتــــــــه ) نارهـــــــا لاهبة
يمج الدخان إلى جوفــــــــه فيزحـــــــر في شهقــــــــــة راعبة
يقول أعـــــالج ليل الهموم وثورة أعصـــــــــابي الغاضبــــــــــــة
لقد كان أحرى بأن تستقيم وتبصر في دربك العافية
وتستلهم العون في كل أمر من الله ذي القوة الغالبة([16])
ويشيد محمد
جميل العقاد بمن ترك التدخين إرضاء للمولى تعالى فيقول :
عابد الرحمن فاهنأ بالعطايــــــــــــا الوافرات
تركك الدخان أمر
من عظيم المكرمات
ضاعف العزم وجاهد فالدخان تُرَّهــات
فهـْـــــو والله بـــــــــلاء وشقـــــــــاء للممات([17])
ويحكي
لنا رفعت محمد بروبي عن شخص كان سيد قومه ثم تعاطى المخدرات فأودى بصحته
وبأسرته فافتقر، وبيع المتاع ثم راح يعذب زوجته حتى سقطت تحت ضرباته جثة هامدة،
وأخيرا صار سخرية للآخرين :
ورأيتـــــــه يمشي الهويـــــــــنى ساهمــــا واهي القوى متعثـــــــــر الخطــــــــــوات
ولعابـــــــه غطـــــــى الشفاه بزرقــــة مثـــــــل التي في العيــــــــن والوجنــات
ووراءه يجــــــــري الصغــار بزفَّـــــة بل شيَّعــــوه بأقـــــــذع الكلمـــــــــــــــات
وسألتهــــــم عمــــا به فتحـــــدثوا وسمعت مالا أرتضـــــــي لعداتــــــــــــي
قد كان يوما سيد الحي الذي يسعى إليه ضحى ذوو الحاجات
حتى تـــــــزوج عـــــن هيام كاعبا أســـــــرته بالنظـــــــرات واللفتـــــــــــــــات
وتحطمت منه القوى وتقلصــــت شفتاه بعد البشر والبسمـــــــــــات
وصفوا له الأفيون يرفع ماهـــوى ويحيك ماقد رث من رغبـــــــــــات
قهر التعـــــــــــاطي منه كل كرامـــــــة وتبــــــــدد الإحســـــــاس بالأوقات
مد اليدين لكل صاحب رحمة كي يشتري الأفيون بالصدقات
مـــاعــــــاد يذكر بيتــــــــــه وعيالـــــه يكفيه مايعــــــــروه من رجَفـــــــــــــات
والـــزوج جاعـت ثم باعت حليها ثم المتــــــــاع ولم تبـــُــــح بشـــــكاة
وبـــكل
ذكر المعـــــدمين ويأسهم راح الشقي
يضاعف اللكمات
حتى هــوت ثم استفاضت روحها وعيــــــــونها ترنو لخمس بنات
ومضت لبارئها يشيـِّـعهــا الأسى ومضى لذل البــــــؤس واللعنات([18])
ويبين د.
العشماوي أن إهمال تربية الأولاد على الدين، وانشغال الأهل عنهم، وإرسالهم إلى
الغرب للتعلم يؤدي إلى ترديهم إذ لايستطيع هؤلاء أحيانا أن يصمدوا أمام المغريات
واللذائذ إن لم يحصَّنوا بالدين والخلق، يقول على لسان فتى عاش في بلاد الغرب فهوى
ثم ارعوى :
ليلي أرقِّصُه على سهراتي والفجر يعرف غفوتي وسباتي
في أرض أوربا قتلت كرامتي وأضعت في حاناتها ثـــــرواتي
باريس تعرفني ولندن لم تزل ترنو إلى جيبي وحسن هباتي([19])
ثم
يبين إهمال تربيته على الخلق والدين فيقول على لسانه :
شهران لم أسمع نصيحــــــة والد أبدا ولم أجبر على الصلوات
وإذا سألتــــــم عن أبي فــــأبي له رسم على بوابــــــة السفــــــــرات
أرخـــى زمامي ثم راح يلـــومني ويهــينــــني بقــــــوارع الكلمــــــات
أنا يـاأبي الغالي ضحيـــــة ثروة فتحت لقلبي أسوأ الصفحـــات
أرسلتني للغرب ياأبـــــــــــتي ولم تشفق
على عقلي من السكرات
أنا لست وحدي في طريق متاهتي أبناؤكم في الغرب بالعشرات
أبناؤكم في الغرب مصدر رزقه يتصــــــدَّقـــــــــــون عليه بالنفقات
الآن ياأبتي عرفت حقيقتي وسكبت زيت العزم في مشكاتي
أصبحت بعد الجاز أنصت خاشعا لتلاوة الأنفال والحجرات
سر الهزيمـــة أننــــــــــا من جهلنــــــا نرمي إلى الأعـــــــداء بالفلذات
ومن
مظاهر التأثر بالحضارة الغربية تغير أساليب الحياة والأطعمة، وكأن الأكلات
والمشروبات الغربية غدت لصا يسرق أموالنا باسم الحضارة، ويهلك صحة أبنائنا بما
يحتويه من مواد حافظة وأحيانا فاسدة([20])،
يقــــــــــول د. ماجد عرسان الكيلاني([21])
:
بدَّلوا
خبز الطواحين المحمر
بدَّلوه
بخليط الجير والقمح المـــؤَمرك
دفعوا
من أجله الأوطان جمرك
كل من
باشره للنسل يهلك
كل من
يأكله للموت يدرك
بدلوا
لحم الخراف البدوية
بدلوه
بقديد البقر المجنون واللحم المجمد
كل من
قارفه لابد لابد
ينتهي
بين المشافي، في سرير الموت يرقد([22])
ومن
مظاهر هذه الحياة عمل المرأة والرجل ونزع الحجاب والعفاف، وعدم المبالاة بالحلال
والحرام ، يقول محيي الدين عطية([23])
في ذلك :
الناس في هذي الديار باسمون
رجالهم
، نساؤهم
من
الصباح للمساء يركضون
لابعث
لاحساب يرقبون
ويحسبون
أنهم قد سيطروا على الحياة
وقال
صاحبي أمامك الخيار
أن
تترك البلاد حاملا
ماشئت
من حقائب الأعراف والأفكار
أو
تخلع الثياب والتاريخ والقيم
وتنزع
العفاف والخمار([24])
ويندد د.
العشماوي بتفشي التعامل بالربا لتزداد الثروة ويقول :
جمعوا المال بالمرابـــــــــاة حتى لم يعد للحلال فيهم مـــــــــرام([25])
ويبين د.
يوسف القرضاوي أن السعادة ليست بكنز الذهب والفضة، ولسوف يسأل المرء عن ماله
يوم لاينفعه أحد :
قالوا السعادة في الغنى فأخو الثراء هو السعيد
قلت الغنى في النفس وهو لعمرك العيش الرغيد
كم عــــــــائل راضٍ وكم مـُـثْـــرٍ على بؤس قعيــــــــــــد
وهو الفقــــــير وإن بدا في مال قارون العــــــديـــــــــد
جشــــــع به كجهنـــــــم يشكو ألا هـــــــــل من
مزيد
ويل لــــــــه إذا عثـــــــــــرت بــــــــــه قــــــــــدم
الجـــــــــدود
قد عافـــــــــه الخــِــــلُّ الـــــــودود كأنه
نــَـــتـــْـــــــــن ودود
أفبعد ذلك تظــــــــن أن أخــــــــا الثراء هو
السعيد([26])
ونتيجة
للغنى الذي عاشته دول الخليج بعد ظهور البترول، والبذخ الذي عاش فيه أبناؤها دعا د.
عارف الشيخ إلى ترشيد الإنفاق كي تبقى الحياة لأن لكل مال نفاذ ، يقول :
ويقيني
أن
هذا
الماء
أو
ذاك
الطعام
سوف
ينفد
سوف
ينفد
فدعوا الإسراف
والتبذير
واستبقوا
بقايا
الخير
للغد
رشدوا
الإنفاق
كي
تبقى الحياة
رشدوا
الإنفاق
كي
تبقى الحياة([27])
ثم
يبين لهم أن الحضارة ليست بنيانا وتهالكا على المفاسد وإنما هي إيمان وعزة وإحسان
، يقول :
زعموا
النهضة إسمنتا
وطابوق
بناء
زعموا المتعة
في
التدخين
آه
منهم
شغلتنا
زينة
الدنيا
يابني
آدم
إن
العز إنسان
بإيمان
يشيد
فابتنوا لي اليوم
إنسانا
بإيمان
وإحسان
وسموه
حضارة([28])
ولقد
كان من تكالب الناس على المتاع وتفاخرهم بالكماليات، ووقوعهم في شباك المصارف
الربوية أن راح الشعراء الإسلاميون يوجهون الأنظار إلى المصارف الإسلامية، لأنها
لاتستغل المتعاملين معها، يقول أبو الفضل شمسي باشا :
لمصارف الإسلام لحن قصائدي ولها حروفي لؤلؤا منضودا
في الفقه والدين الميسر والحجا يبــــــدون رأيا صائبا وسديدا
جعلوا التسامح في المصارف سنة واليسر مفتاحا لنا وعهودا
والاقتصاد أنار درب مصارف ليظل نجما ساطعا مشهودا
ذقنا المرارة من كؤوس عــــــــدونا فأتيت تمحو ظلمهم تبديدا
يامصرف للخير إن قلوبنــــــــا حملت لك الإكبار والتمجيدا
سنظل للإسلام ندعو جهرة ونذود عنك جحــفلا ووفودا([29])
ج- فضح الحضارة الغربية :
قال د.
العشماوي :
أي رزء أصاب قومي فأضحى رمزهم في التطور التغريب
إنما يفسد البــــــــــلاد دعــــــاوى يتخفى وراءها التخـــــــــريب([30])
التغريب مسلك للتخريب كما يقول د. العشماوي، ولقد أوهم المتغربون الذين
انساقوا وراء الغرب الناسَ بأن اللحاق بركب الحضارة الغربية رقي ونهضة، ونسوا أن
الغرب يعيش حياته في شقاء، يقول الأميري في الحضارة الغربية :
جاهلياتُ عالم الغرب يحيا في رحاها إنسانُـــه مقهورا
خمرَت روحَه فكابد يشقى ثم يشقى مكابرا مسعورا
وأرى داءها يــــدُبُّ إلينا مُغرِيـــــا مُغوِيا لدودا كفـــــــــورا
دولَ القوة العَنوت رشاداً لاعناداً وجنِّبُوا الكون بورا
أنتم توردون أنفسكم والنا س طَراً موتا بطيئا خطيرا([31])
ويبين الأميري
أن هذه الحضارة نظرت إلى الإنسان كحيوان، وضرب لذلك مثلا مما رأى من مضيفة في ناد
ليلي، إذ يذكر أنها طلبت منه أن تشرب معه الخمر فبين لها حرمته، فطلبت أن يسقيها
إياه فقال " كيف أقدم الأذى للناس وقد صنت عنه نفسي ؟ قالت وماذا يهمك من
أمري فقال : نحن من أسرة واحدة ، فتعجبت وسألت : كيف ؟ قال : أسرة الإنسانية ، إنها كلها أسرة المسلم، قالت
ومن أنبأك أني إنسانة ؟ لقد أنسيت ذلك من زمن طويل " فراح يبين لها موقف
الإسلام من المرأة وإكرامه لها، فبكت ثم قالت " علي أن أقوم فورا لأمارس حيوانيتي
مع سواك، وقد أخفقْتُ معك لأنها مهنتي، وهاهي نظرات صاحب الفندق تلاحقني بضراوة
لارحمة فيها " فقال في حزن وأسى على هذه الحضارة وإنسانها المقهور :
البائسات المائســـات كآلـــــــــة من غيــــــــــر
روح
الضاحكات وقـــــــد طوين قلوبهن على جروح
ماللحيـــــاة حياة دنيـــــا الغرب ملأى بالــــــقروح
الرقُّ فنٌّ والتسابق في الضـــــلال هو الطمــــــــوح
و"الجاهلية " هكذا تمضي وإن لبست مسوح
ياردة البشريـــــــة الرعنـــــــاء عن هَـــــــدْي
سبوح([32])
أما الشاعر جلول دكداك فيذكر فتك الحضارة
الغربية بالإنسان عن طريق الأسلحة ونهب خيرات الشعوب، مع ادعاء أهلها أنهم يريدون
الخير والسلام والتآخي للبشرية ، يقول :
كم يدعي الغرب أن السلم مطلبه وهو الذي حطها في شر منحدر
في كفــــــــــــــه اليمــــــــــنى أزرار أسلحـــــــة بالعلـــــــم طـــــــــــوَّرها في ألـــــــف
مختبــــــــــر
والجـــوع باليسرى في الناس ينشره مستـــــمتعـــــــــا أبــــــــــدا بالــــــــزهو
والبطر([33])
ولما
رأى يوسف العظم امرأة في الغرب تكنس مقصف المطار استنكر حضارة الغرب التي
تهمل الإنسان وليس في قلوب أبنائها رأفة بالضعفاء وقال :
ياناعس الطرف في باريس أرقه زيــــــــــف الحضــــــــــارة مزهوا
بألوان
حضارة الآلة الصماء تصرعــــــــه ودعـــــوة الجنس في أوكار شيطان
ماكان نأيكم يوما ليطربني ولا المـــــــــلاعب في بـــــــــاريس أوطـــــــاني
ولا القلوب التي غاضت مودتها قلوب
صحبي وأحبابي وخلاني([34])
ولذلك
يدعو محمد التهامي إلى إنقاذ الإنسان أي إنسان لنشر الخير في العالم أجمع ،
يقول :
ياأيها الإنسان في يدك الهدى إياك أن تنسى نداه وتغفله
وأخوك إنسان وروحك روحه ودماكما في وحدة مسترسلة([35])
2-الأخلاق في الشعر الإسلامي المعاصر :
أخلاق
الأمم تصنع الحضارة، وحضارتها ترجمان لأخلاقها إن خيرا وإن شرا ، "وإنما
الأمم الأخلاق " وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق،وينير
العالم بضيائها، ولكن انحراف الناس عن القيم الحميدة لفت انتباه الشعراء، فراحوا
يتحدثون عن سلبياتها .
ولعل الصداقة من أهم ماتحدث عنه الشعراء
الإسلاميون، وهذا د. العشماوي ينصح صديقه الذي تخلى عنه ليعود إلى سالف
عهده معه، وسيراه إن أقبل رحب الصدر، يقول له :
ياصديقا عهدت فيه وفاء كيف أصبحت ياصديقي نسِيَّا
كيــــف أصبحت ميتــــا بالخطايا ولقد كنت بالمكــــــــارم حيـــــــــــــا
تترك المجـــــــــد والرقـــــــــــي وتسعى في طريق الهـــــــــــــوى وتبغـــي رقيا
عد إلى طبعك الجميل تجدني بك مهمـا طال الزمان حفيا([36])
وعلى
الرغم من معاملة د. عارف الشيخ لصديقه بالمودة والمحبة إلا أن حسده جعله
يتنكر له مما دعاه إلى التخلي عنه ، يقول :
حاولت أن أمتص حقد الحاقد فذهبت ألقى مبغضي بتودد
صافحته، عانقته، ودعوتــــــــــــــــه لتقارب من بعــــــــد طول تباعـــــــــد
فإذا به ذئب تقمص شكل إنـــ ــسان وأضمـــــــــــر وثبـــــــة المترصــــــد
لايستريح لرؤيتي أو صحبـــــــــتي أوَيستريـــــــــح وإنــــــــــه من حســــــــــدي
فبدأت عندئــــذ أعود إلى الورا متـــــــــــروِّعا مــــــــن قلبـــــــــــــه
المتوقـــــــــــــــد([37])
وأشد
ألما من هذا أن يشعر المرء أن صحابه انفضوا عنه بعد أن صار محتاجا إليهم ، يقول محمد
حبيب في مثل هؤلاء ناصحا بالتقلل من صحبة أناس جربوا فكانوا لاخير فيهم إلا من
كان محسنا فاضلا :
كم كان لي صحـــــــــب كثير وافر أيام كان اليســـــــــــــر في دنيـــــــــــــاكا
لما وقعت انفض معظم جمعهم عنــــــــــي وقالــــــــــــوا مالنــــــــــــــا
ولــــــــــذاكا
قد كنت أحسبهم رفاق شدائد فإذا الـــــــــــورود تحــــــــــــــولت
أشـــــــواكا
لقنت درسا لست أنسى طعمه من يتعظ يفلح ، جعلت فداكا
خفــــف من الخلان إلا واحـــــــــــــدا جـــــــــربته دهـــــــــــــــــرا فمـــــــــــــــــا
أخــــــــــزاكا([38])
ويندد د.
العشماوي بفساد الأخلاق كالحسد والحقد وقلة الحياء فيقول :
ورب نقي النفس مكتمل الحجا يحيط به الحساد حيث يكون
يظلـــــــــــون في كيــــــــــد له وعــــــداوة
لينتقصـــــــــوا من أمــــــــره
ويهيــــــــــنـــــــوا
وكم رافع رأسا وفي الوحل رجله كذلك أمــــــــــــــر الحاقدين جنـــــون
إذا لم يردَّ المرءَ عن فعل منكر حيــــــــــــــاءٌ
ولم يردعــــــــــــــه عنـــــــــــــه يقيـــــــــــــــــن
فقد ضاع حتى لو بدا منه مظهر جميل ولو تاقت إليه عيون([39])
وقلة
حياء المرأة من مظاهر الحضارة المعاصرة ، وهذا د. العشماوي يندد بهذا على
لسان عجوز تقول :
ماكان
في النساء
هذه الوقاحة
أحس
يابني
أن
سوسة الرذيلة
ستأكل
الفضيلة
وأنكم في كأس هذه الحضارة
ستشربون حسرة
وأنكم
كما
هتفت سوف تهتفون
ياضيعة الحياء([40])
وكان عبد
العزيز الرفاعي([41])
يردد هذين البيتين لعلي أحمد باكثير يذكِّر فيهما بأهمية الدين والخلق في
الحياة :
ومن تجرد عن ديـــــــــن وعن خلــــــــــــق فليس يرفعه علم ولا أدب
والعلم والخلق والدين إن اجتمعت لأمة بلغوا في المجد ماطلبوا
وأخيرا
دعا د. عارف الشيخ إلى إكرام المعوق وعدم إيذاء مشاعره لأن مصابه
قدر من قدر الله فقال :
لاتحقـــــــــر أي طفل وارعه وامنحه حبا
فهو إن كان معـــــــــــاقا ربما منك تعوق
إن ذا العاهة مخلوق كريــــــم سوف يرزق
إنها الأقدار تجري دون علم منك مسبق([42])
ثانيا : الأسرة في الشعر الإسلامي
المعاصر
قال
المولى تعالى : "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين
وحفدة "([43])
لقد حض
الإسلام على تكوين الأسرة النواة الأولى في المجتمع ليعيش الفرد في أجوائها حياة
سعيدة وسوية لايتعثر فيها ولا يتقهقر، وذلك لتستقر النفوس في ظل الكرامة والفضيلة،
وقد تحدث الشعراء الإسلاميون عن الأسرة وأهميتها وعن مكانة أفرادها ، الأب والأم
والزوج والأولاد :
1-أهمية تكوين الأسرة :
حض
الإسلام على الزواج من الصلحاء رجالا ونساء، لأن تربية الأجيال تبدأ من الاختيار
الصالح، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم " تزوجوا الودود الولود
فإني مكاثر بكم الأمم"([44])
وقال " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ودينها فاظفر بذات الدين
تربت يداك"([45]) وقال د. عارف الشيخ يحث على الاقتران
بذات الدين :
استمعوا للمصطفى
وهو يقول للأمم
تناكحوا تناسلوا
من عرب ومن عجم
وإنني يـــــــــوم غــــــد بكم أفاخــــــــــر الأمم
تزوَّجــــــــوا تخيَّـــــــــــروا تجنَّـــــــــبوا ما قد يذم
فالأم للأولاد مهـــ ـــد
ووعـــــــاء للقيم([46])
واختيار الزوجة الصالحة من خير مايدعم الحياة الأسرية لما فيها من خلق
وتقوى وصفاء يقول د. عثمان مكانسي في زوجته وتدعى إلهام :
صانـــــــــك
الله دوما ياأليهامي عشت في سعد فقد
أسعدت أيامي
هذه
الدنيـــــــا متاع أنت جدواه زوجة
فيهــــــــــــــــا الصلاح ظاهر نام
قد
حبـــــــــاني الله فيها ما أمنــّــيه
درّةٌ حـــــــــــازتْ كمـــــــــــــالات بإتمـــــــــــــام
زانها
خلــــــــق رفيـــــــــع طاب إنباتا
قد حبــــــــــــاها الله فيه فضــــــــــــل إنعام
من
يرم للحق عونا والهدى ذكرا فبذات
الدين يلقى كل إكرام([47])
ويندد العقاد
بمن يتزوج امرأة لادين لها ثم يصحبها إلى أماكن الفساد، ويشبهه بالحيوان الذي لايعي
خطواته فيقول :
وكم تـــــــــرى أزواجا قد أخطـــــــــؤوا المنهــــــــــاجـــــــــا
يمشــــــون بالزوجات لســــــــــــــــــــيــــــــــئ البيـــــــــــئـــــــــــــــات
حيث الملاهي والطرب والرقص داعية اللعب
أمِثـــــــــلهـــــــــــــم (بعول) يــُـــــــــــــعــــــــــد أم (وعـــــــــول)([48])
ومفهوم
الأسرة يشمل الزوجة والأولاد ، يقول محمد أحمد الصديق في قصيدته المنزل
معبرا عن حبه لأسرته وشوقه للعودة إلى أهله حيث الراحة النفسية والسكينة ، وحيث
ضجيج الأولاد ، يقول :
هنالك أخلــــــــع ثـــــوب العناء وكل الغيـــــــــــــوم به تنجلـــــــــــــــــي
وحولي أفراخ عش صغار وأغراس روض الغد الجمـــــــــــــل
فمن ضحكة تستـدر الحنان إلى قبلـــــــــــة عذبــــــــــة المنهــــــــــــــــــل
وشكوى الصغير بحق الكبير يكفكف من دمعه المسبل
وكم أستغيث بأم العيال لإسكات ذي الرضعة المعول
ومن عجـــــــــبٍ قولـها إنه يــــــــريدك أنت .. ألا فاحمــــــــــــــل
وكم ذا أشاطـــــرهم ملعبا وأنسج من حبهـــــــــم مأملــــــــــــي
ويعجبني سعيهم للصلاة وميل إلى المسلك الأفضل([49])
والشاعر الإسلامي يوسع دائرة الأسرة لتشمل الأبوين والأخوة والأعمام فهو يشتاق
إليهم جميعا ويتألم لفقدهم يقول الأميري وهو حزين على وفاتهم وهو مغترب
عنهم :
لقد رحل الأحباب والأهل وانطوت صحائفهــــــــم والحـــــــــــزن يمعــــــــــن
في هـــــــــــــــــدمي
أخ وابنــــــه ، عمٌ ، وأخت وعمَّــــة وسهمــــــان في أعمـــــــــــــاق كنهـــــــــــي
أبي .. أمي
أخو الروح هارون الحبيب بلمحة طواه الردى بل قد طوى الروح من جسمي
ومن قبلـــــــــــه عبد الحفيظ وصفوة مـــن النجــــــــــــب غـــــــــابوا
كالجواهــــــــــــر في اليــــــــــــــــــــم
مــــــتى ياتـــــــرى ألقاهم ونعيش من رضــــــــــــــا الله في الجنـــــــــــــات
في الكـــــــــــــرَم الجـــــــــــــــم([50])
وقد
يتسع المفهوم ليشمل العشيرة ، فالشاعر د. بهجت الحديثي يرى أن عشيرة العبيد
كلها هم أسرته :
قومي العبيد وفي أمجادهم عِـبَر رمز الكرامة لاذل ولا خـــور
إن العبيـــــد شيوخ كلهم أنف ترنو إلى مرتقــــــــــاهم أنجــــــــــــم
زهـــــــــــــر
إن العبيد ذوو تقوى وقد جمعوا أصلا ودينا وما أغرتهــــم سرر([51])
ولما شاع الزواج من الأجنبيات نبه الشاعر مفدي
زكريا من أخطاره لأن الأجنبية ذات عادات وثقافة تخالف قيمنا وهي لاتحافظ على
النسب ولا على اللغة بل تعادي الإسلام
قيمه ولغته العربية ، يقول :
وبعضٌ تزوج بالأجنبيةْ وقال : مثقفــــــــة حضريـــــــــــــــــــــــة
تراقصني وتراقص هذا وذاك وتعبث عن حسن نية
وتتركني لاجناح عليها وتذهب
للسهرة النرجسية
أناديه صالح عند الصبا ح وأدعوه موريس عند العشية
وإن زل يوما تناديه بيكو فأحسب بيكو من البَكَوية([52])
كما ندد
الشعراء الإسلاميون بمن يترك الزواج بحجة أنه لايريد أن يرتبط بواحدة قد يملها
فضلا عن الواجبات الأسرية، يقول محمد مصطفى حمام([53])
في ذلك :
قال الفتى للفتى مادمت تهواها ولا ترى النور إلا في محيــــــــــــاها
فأْنَسْ بها زوجةً تؤويك حانيةً وكن بحبـــــــك مهــــــــواها ومــــأواها
فقال كلا فما كان الزواج سوى مغارم وقيود لست أرضـــــاها
علام أحبس قلبي في هوى امرأة يظل محياي مرهونا بمحيــــاها
ورُبَّ ذريةٍ أخرجت فانبعثت البؤس يصحبها والنحس يغشـــاها
إني لأمرح في دنيا الجمال وفي أزواج من عاش بكاء وأوَّاهــــــا
ولي من الغيد ليل باسم أَلِق في صحبة الكاس أسقيها وأسقاهـــا
قلنا أأنت تباهي بالزنا فرحا أأنت تعبث بالأعــــــراض تيّــــــــاهــــــــــــا
فقال بل ذاك شرع صار متَّـبعا كم
تاه غيري به قبلي وكم باهى
قلنا ألست تخاف الله منتقما؟ فقال
في قحة لاأعـــــــــــرف الله
وأنى
لمثل هذا أن يعرف نعمة الأسرة وحسن العلاقة بين أفرادها، وهذا ماأوضحه الشعراء
الإسلاميون:
2-
العــــــلاقة
بين أفـــــراد الأسرة " أبا وأما وزوجا وأولادا "
وقد رسم
الشعراء الإسلاميون صفحات نيرات من العلاقة بين أفراد الأسرة :
- فالأب هو رب الأسرة
وصاحب الأيادي البيضاء عليها، وقد بين الشاعر معاذ محمود نحاس([54])
حبه لوالده وفضائله القيمة كتنشئة أولاده على الخلق والدين، فقال تحت عنوان إلى
أبي الغالي :
أبتـــــــــــاه ماذا قد يخــــــــــــــط بنـــــــــاني والقلــــــب والوجــــــــــــــدان مشتعــــــــلان
أبتــــــاه حبك في فؤادي ساكن يامــَـــــــــنْ فدتـــْـــــــــــك الروح
والعينــــــــــــــــان
من لي سواك من البرية إن أنا جُبْتُ الديـــــــار وطُفْتُ في الأوطان
أحببت فيك مــــــــــروءة وبراعـــــــــــة وتفانيـــــــــــــــــا في خـــــــدمة الـــــــــــــــــــولدان
كم ذا طفقتَ العمر تبني أسرة تحيـــــــــــــــــــــــــا على التوحيــــــد
والإيمان
علمتـــــــــــنا سبل النجاة وقدتــَـــــنا نحــــــــو التقى والبر والإحســـــان([55])
وكم
يشقى الوالد ويحرم نفسه ليقدم لأولاده كما يقول د.أكرم قنبس :
مات الذي كان في دنياه يغمرني بالمكرمات ويدعو لي ويجتهد
وكم لأبنائه قد قال قولتــــــــه من أجل علم به الأبنـــــــــــاء قد وعَدوا
أعطيكم لحم أكتافي إذا فقدت دراهم فارتقوا في العلم واجتهدوا
ذو همة ينضح الإيمان من دمها وذو أياد بها تخضوضـــــــــر الجرد
هذا هو الوالد المعطــــــــــاء سيرته مسك وذو مُسكة ترجى وتعتمد([56])
وهو
الناصح الأمين ، والسند بعد الله المعين ، تقول إنصاف بخاري([57])
في مرثيتها لوالدها :
أبي وسنادي ضوء أَمْسي وبهجتي أكل امرئ عمن يحب سينزع
يقــــــــوِّم زلاتي ويصفــــــــــح عثرتي وتَنسى عقوقي والجميل تُشجع
أما العقاد
فيرى في الأب صورة للرجل االتقي المهيب الذي يأمر فيطاع ، يقول :
لها أب يحكي الأسدْ مؤديا حق الأحدْ
تهــــــــابه في غيبتــــــــــــه هيبتـــَـــــــه في حضرته
تحس عــِـــــزريل حضر إذا لهــــا يوما زجر([58])
ويفخر د.أكرم
قنبس بأن والده كان عالما جليلا ، وهو يرى في إرضائه إرضاء للمولى تعالى، يقول
:
تربى على حب المكارم إنه سليل جدود أيقظوا صحوة القلب
وكم من فتى تلقى علومه بدار لنا كانت مدى الـــــــــزمن الصعب
لقد نلت من نعمى رضاك وإنني أتوق إلى نعمى رضائك من ربي([59])
ويحس
الابن مهما كبر باليتم عند فقد الأب ، يقول د. عثمان مكانسي في ذلك :
هطلت دموعي واستجاش جناني لما علمت بفقــــــــــد من رباني
وشعرت باليتم الحقيق يلفــــــــــني بالرغم أن الشيب قـــــــد وافـــــــــــــــــاني
ماذا أقول وقد حرمت وصالكم ومنعت قهرا من جناك الداني
أبتاه في ظل الرحيم مقامكم لاظلم في ذاك الجناب الحاني([60])
وكم
يتألم الأب من انشغال أبنائه عنه وإن برر لهم ذلك بمتطلبات الحياة الكثيرة، يقول الأميري
في ذلك :
غرق البنــــــــون في أبنائهـــــــم وشؤون في الُّدنـــــــــــــا لاتنتهـــــــــــــــي
وتناســــوا أو نأت أشجانهم بهــــــــــــــم عني وعمـــــــــــــا
أشتهــــــــي
يامروءات الأب الجد اصفحي مارسي البر بصبر لايهي
وجِّهـــــــــي وجهك لله ولا لاتحيدي في التبــــــــــاس الأوجه([61])
كما ندد
د. عبد الجبار الزيدي بمن يعق والديه، يقول في حفل اليوم العالمي للمسنين :
من مهجتي أهدي لكم أشعاري يامن بنيتم عزتي وفخاري
يامن صبرتم في الحياة على البِلى ومضيتم في قسوة التيار([62])
ثم يلتفت
إلى العاق مؤنبا قائلا :
من أنت ياهذا لكي لاترعوي وتهين من حرسوك من أضرار؟
وتظن نفسك قد بلغت مراتبا وتظل وحدك تصطلي بالعار
وللابن
أن ينصح أباه إن رآه يسلك طريقا معوجا ليقيه غضب الله سبحانه، يحكي لنا د. عارف
الشيخ عن فتاة رأت أباها يسلك طريق الغواية فأخذت تنصحه وتذكره بالموت وبضرورة
الحفاظ على الأعراض :
أوَلا
تعلم
أن
الله
إذ
تلهو
يراك
إنه
ماأهملك
بل
أمهلك
ياأبي
الموت
أدنى
من
شراك النعل
لاتغامر ([63])
ولما لم
تُجدِ معه هذه النصيحة سألته إن كان يرضى لها أن تسير هي في هذا النهج فقال مستنكرا
:
يابنتي
إن
العار
منه
الحر
يخجل
سأسارع
للسلاح
كيف عرض
يستباح
فبينت له
أن الناس كذلك لايرضون انتهاك أعراضهم ، وعليه أن يتوب إلى بارئه فيصفح الله عن
زلته .
-أما الأم
ففضلها عميم فهي الساهرة المضحية بلا حدود، الناصحة الأمين، المربية للجيل ، يقول د.
عثمان مكانسي معترفا بفضل أمه :
قبلاتي أطبعها رغبــــــــــــا وضلوعــــــــــي تزداد حنينا
للأم حبــــــــــاها مولانا عفوا وصفـــــــاء ويقينـــــــــا
ربتنا بالخلق الأسمى جعلتنـــــــــا نلتـــــــــزم الديـــــــــــــــــــنا
فالفضل لها والشكر لها هي منبع خير يهدينا
يارب فأكرمهـــــــا دوما فلأنـــــــتَ المكرِم آمينا([64])
وأم محمد سعيد المولوي تواسيه في مصابه،
وتنير دربه بنصحه، وتسهر في مرضه، وتتضرع إلى المولى بحرقة عله يعافي ابنها ، يقول
في فضلها عليه :
رضاك أغلى مُنى في الدهر أدركها هو المنير لدربي حين يستتر
وكم علتني كروب لست أحملهـــــــا فرحت
نحوك بعد الله أنتصر
بذلتِ نفسك لاترضين جائـــزة سوى سلامتنا والقلب ينتظــــــــــــــر
كم ليلة سهرت عيناك متعبة فوق المريض ودمع العين ينهمر
والقلب يضرع يدعو الله في هلع والكف مرجف والآهات تنفجر([65])
ومهما بلغت الأم من الكبر عتيّا، وارتجفت منها
الأعصاب واحدودب الظهر فإن عاطفتها نحو أولادها تبقى متقدة ولذلك على الأولاد أن
يرعوها ، يقول الأميري :
أمي وقد جاوزت ثمانينها واستشـــــــــرفت ترمــــــــق تسعينهــــا
الضعف في أعصابها راجف والعمــــــــر قد أوهن تكوينهــــــا
واحدودب الظهر وأعباؤها في وجهها خطت مضامينها
أمي وكل الخيــــــر في طبعها والبــــــــر قـــــــد زان لهــــــــــا
دينهــــــــــا
تحمل همي وهمــــــــــــوم الـــــورى والفكـــــــر لايحصـــي أفانينهـــــــــــا
فكيف لاأحملهـــا في الحشا لاخفــّــــــــــف الله موازينــــهـــــــــــــــــا([66])
وحينما يغترب الشاعر عن أمه يتأجج الشوق في
قلبه ولا سيما إن كان سجينا لايستطيع رؤياها، يقول الشاعر د. عمرو النامي :
أماه
ياقصيدة تنساب في لساني
يامنبعا
يفيض بالشعور والحنان
أنا هنا
تحجزني القضبان
تحجبني عن وجهك الأسوار والجدران
لكم
أحب ياأماه أن أراك
لكم
أحب أن تضمني يداك
أن
أذرف الدموع فوق حجرك الطهور
وأن
أبث لوعتي لقلبك الكبير ([67])
وقد تكون
الغربة سفرا إلى بلد الأهل ، تقول صفاء ناعسة لأمها التي بعدت عنها :
أتاني طائــــــف في الليل يشــــــــــدو يبــــــــــــارك فيَّ إرضـــــــائــــــــــــي
لأمــــــــــــــــــي
إلام تطمحيــــــــــن ببُعـــــــــــــــــــــد
أم يشعشع
نورها ماحي الظــــــــــــــلام
فياأمي أبلغـــــــــــــك سلامي
أترجــــــِـــــين السعـــــــــــادة في بعـــــــــــاد وزينبُ حبــــَّــــــة القلـــــــــــب قـــــــريبـــــــــــــة
إذاً قد خِبتِ خاب السعي ضِلا هي الروح هي السلوى الحبيبة
زهور الحب أهديها النجيبة([68])
وإذا
ماانتقلت الأم إلى جوار ربها كانت الطامة الكبرى ، لقد ارتمى الأميري على
صدر أمه لما عاد من سفره فوجدها مسجاة على سرير الموت، وظل يبكي ويبكي ، ويلوم
أخاه لأنه لم يخبره بحالها قبل أن تلفظ أنفاسها، يقول في حزن ولوعة :
أخي لاتقل رفقا فهل يجد الرفقا فتى شق هول الخطب مهجته شقا
ولا تجذب الصدر الذي فوقها حنا ودعني على جثمانها أبدا ملقــــى
ولو أن نار الحب ذادت منية لذدت الردى عنها واحييتها عشقــــــــــا
أخي كيف لم تخبر أخاك بدائها ليفرغ في إسعاف علتها الطوقــــــــــــــــــــــا
وتعلم مافي نفسها من محبتي أما كنت أروي لو حضرت لها شوقا([69])
ويتمنى د.
عبد القدوس أبو صالح لوسقى قبر أمه بدموعه، وكانت قد فاضت روحها إلى بارئها
وهو في مغتربه ، فأحس أنه لايزال طفلا يحتاج إليها ثم راح يذرف الدمع غزيرا عليها
ويقول :
أمـــــــــــاه ماأبقــــــــــــت لي الأيـــــــــــام
بعـــــــــــــدك باقيــــــــــةْ
أمـــــــــــــاه مُـــــدِّي لي يديـــــــــــك
وإن تكــــــــــوني ثاوية
مازلْتُ طفلك جرَّحت كبدي الليالي الشاتيــــــــــــة
أمـــــــــاه هل يبكي الرجــــــــــال إذا ألمــّــــــت
داهيــــــــــة
إن الرجولــــــــــــة قد علمــــــــــــــــــت
بسالــــــــــــة متناهية
لكنهــــــــــا في دمعـــــــــــــةٍ للعيـــــــــــــن
تبـــــــــــدو غاليـــــــــــة
فسكبتــــُــــــــــــها ياليتهــــــــــــا كانت
لقبرك ساقيـــــــة([70])
ويدعو الشاعر
د. محمد صيام الأمهات ليحسنَّ تربية
أولادهن على مبادئ الدين الحنيف فيقول :
ربي وليدك وفق الدين ربيه فالدين من سفه الإلحاد يحميه
وسلحيه بما في الدين من أدب ومن محبته البيضاء فاسقيه([71])
- أما
الزوجان ففي قلب كل منهما للآخر مودة ورحمة ، وهما السكن والراحة والسعادة
، يقول زهير المزوق معبرا عن هذا :
سكن الفؤاد بقربهنـــــــــهْ والعيش مــــرٌّ بعــــدهنـــَّــــــهْ
سبحان من منح النسا ء لطافة في طبعهنه
ومنحن للزوج الودا د وللصغــــــــــار حنانهنــــــه([72])
ويحس د.
بهجت الحديثي أن حبه لزوجه يزداد مع الأيام ثباتا ورسوخا فيقول :
حبي وحبك ثابت ويزيد مادامت الدنيا ودام وجود
لاتحسبي أني سأنسى حبنا كلا وعلام الغيوب شهيد
ولتعلمي أني محب مخلص شهم وفيٌّ صادقٌ وودود([73])
وقد
اختار د. عارف الشيخ زوجته لجمالها ونقائها وحنانها وقال :
أنت سمراء قد اخترتك كوني لي حبيبةْ
لك شكواي ونجواي وما ذاك بريبــــــــــــــــــة
أنت طهرٌ ونقاء أنت عنوان الفضيلة
أنت دفء وحنان أنت للعاني شفاء
أنت للشاعر إحساس وللحادي حداء([74])
ومثله في ذلك للشاعر محمد حبيب ، يقول
لزوجه التي عانت معه الغربة، وحفظت بيتها ورعت أسراره :
لي زوجة كالشمس في عليائها نورا تشع فتبهر الأبصارا
فهي الملاك بروحها وصفائها وهي الجمال محملا أسرارا
ماقصرت يوما بخدمة بيتها ولزوجها كانت غطا ودثارا([75])
وإن نأت
عنه اشتاق إليها وأرسل إليها بمثل قول د. العشماوي لزوجته :
رحلتُ وبي لهفـــــــــــة للتلاقي يقصر عن وصفها ماأقــــــــولْ
رحلتُ وما كنت أعلم أني سيقصر عزمي وليلي يطولْ([76])
وهذه أمينة قطب يهتف لها زوجها بعودته
فيطرب قلبها وتقول :
شاقني صوتك الحبيب على الها تف يدعو ألا يطول غيابي
شاقني ذلك النــــــــــــداء حنـــــــــونا فَلْـــــــتعودي
لعالم الأحبــــــــــاب([77])
فلما
فارقته الفراق الأبدي وكان قد استشهد في سجنه في 1981م بكته بدموع حرى وقالت :
ماعــــــــــــدت أنتظر الرجــــــــوع ولا مواعيــــــــــــد
المســــــــــــاء
ماعـــــــــــدت أهــــــــــــرع حين تُقْبـــــــــــل
باسما رغم العناء
ماعاد يطرق مسمعي في الصبح صوتك في دعاء
وتركتــــــــــني أمضي مع الأيـــــــــام في صمت
الشقـــــــــــــــــاء
ولسوف ألقاكم ، أجل ، وعـــــــــــــــــد يصدقه
الوفاء
وسنحتمي بالخلــــــــــــد لانخشى فراقــــــــــــــــــــا
أو فناء([78])
والخلافات الزوجية أمر لامفر منه، وكثيرا ماذكرها الشعراء الإسلاميون
ليعبروا عن واقعية الحياة ونظرة المسلم إليها،وهذا الشاعر د. العشماوي يبين
أن الخلافات وإن كان لها في القلب جراح، فإن شجيرة الحب لاتزيحها الأعاصير، وعثرات
الطريق لابد منها، ويجب أن يلجأ المسلم إلى ربه ليسدد خطاه، يقول :
لاتسألي عن جراحي ماحكايتُها فالقلب مستسلم والجرح مسعور
يامن أعاتبها والقلب ممتعـــــــــض عتاب مثـــــــــلي لأهل الــــــــــــود
تذكيــــــــــــــر
شجيرة الحب في الأعماق نابتة ترتـــــــــدُّ عاجــــــــــــــــــــــزة
عنها الأعاصير
لابد من عثرات في الطريق فلا ييأس فـــــــؤادك إن اليـــــــأس تدميــــــــــــــــــــــر
شوق وحزن يذوق القلب نارهما فأي
هذين في الأحشاء محفـــــور
مني اجتهــــــاد وسعي في مناكبها ومنك يــــــــــارب توفيق وتيسيـــــــــر([79])
-أما
الأولاد فلذات الأكباد وريحان الأسر فيملؤونها بهجة وسعادة، وإن كان في
ضجيجهم ضيق وتعب ، ولا يجتمع متضادان إلا في الولد والمشاعر نحوه، هذا الأميري في
قصيدته أب الشهيرة يعبر عن هذه الأحاسيس تجاه أولاده بعدما فارقهم فراح يتذكر
فعالهم، شغبهم وإيذاءهم مع حبه لهم وشوقه إليهم فيقول :
أين الضجيج العذب والشغب أين التدارس شابه اللعب
أين الطفــــــــولة في توقدهـــــــــــــا أين الدمى في الأرض واللعــب
أين التسابــــــــــق في مجاورتي شغفــــــــا إذا أكلـــــــــوا وإن شربـــــــــــــوا
فنشيدهم ( بابا ) إذا فرحوا ووعيدهم بابا إذا غضبــــــــــــــــــوا
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم في القلب ماشطُّوا وما قرُبوا
في كل ركن منهــــــــــــــم أثـــــــــــــــر وبكل زاويـــــــــــــــــة لهم صخـــــــــــب
في الباب قد كسروا مزالجه وعليه قـــــــــد رسموا وقد كتبـــــــــــــــوا
بالأمس في (قرنايــــــــــل) نزلوا واليوم قد ضمتهم (حلب)
حتى إذا ساروا وقد نزعوا من أضلعــــــــــــــي قلبا بهم يجـــــب
ألفيتُني كالطفل عاطفة فإذا به كالغيـــــــــث ينسكــــــــــــــــــــــــب
هيهات ماكل البكا خـــــــور إني وبي عزم الرجال أب([80])
وهذه
الشاعرة لمياء الرفاعي تعبر عن حبها لابنها، وقد نُوِّرت حياتها بوجوده،
ففي بسمته الجمال، وفي بكائه الحزن والألم، تقول :
فرحة أهـــــــدت إلى قلبي ظـــــــــــــــلالا من عبيــــــــــر من ربيــــــــــــع
فاستظـــــــــــلا
صيَّرتَــــــــني لك عبـــــــــــدا صيَّــــــــــرتَني لك ظــــــــــــلا فيــــك أحيــــــــا أو
فــــــــــــــإلا
بسمة قد أسعدتـني ، همسة قد داعبتــــــــــني في ثـــــــــــــوان كنت
طفــــــــــــــــــــلا
كلما ضمك صدري
في ضلوعي وارتوت منك عيـــــــــوني كنت أغلى
كنت همي وهنائي كنت دمعي ورجائي كنت سُهـــــــــــدي كنت أهلا
كن إذا أزرت بي الأيــــــــــــام عوني لاتــــــــــدع دنياي ترمي فيـــــــــك نبـــــــــلا
واذكر القلب الذي يفديك دوما لاتبادر أن تجافي القلب قتلا([81])
أما محمد
حكمت وليد فبعد أن يعبر لابنه عن حبه الشديد له يدعوه ليكون رجل المستقبل
المجاهد في سبيل الله ويقول :
على الأعناق تحمل والأيادي وحبك في الضلــــــــــــوع وفي الفـــــــؤاد
وأي بشائـــــــــــر حلت علينــــــــــــا كما حــــــــــل الربيـــــــــــــع على
البوادي
فنم ولـــــــدي بمهدك في هناء وداعـــــــــب طيـــــــــف أحــــــــلام
الرقــــــــــــــاد
ألا ولدي نـــــــذرتك للجهاد فســــــــــــــر في ساحتيــــــــــه
باجتهــــــــــــــــــــــــاد
لك القـــــــــرآن نبراسا وهديا وداعيـــــــــــــــــــه إلى سبـــــــــــــــــــل
الرشــــــــــــاد([82])
ولا يميز
الشاعر الإسلامي بين بنيه فكلهم لديه سواء، وإن كان للصغير بهجته إلى أن يكبر، قال
د. قصاب:
تعاتبـــــــــــــني أم البنيــــــــــــــــــــــــــــــن
وتزجر لأني حفِيٌّ باليَمـــــــــــان
وأوثر
تقول له في نفســك الدهر نشوة مـــمـــــــيَّـــــزة جهـــــــــــراء لاتــــــتستر
فقلت بلى والله إنـــــــــــــــــي أخصه وكل صغيـــــــــــر بالزيـــــــــــــــــادة
يؤثر
يربت خدي وهو يشدو بغنوة سلام على (بابا) سلام معطر
ويبقى إلى جنبي يكرر شدوها إلى أن يراني قد غفوت وأشخر
هم كلهم عمري ورمز سعادتي وكل له في النفس ركن مؤثر([83])
وللبنات حبهن كذلك ، يقول يحيى حاج يحيى([84])
في حبه لابنته الصغيرة :
تناديني الصغيرة في الصباح أبي نادى المنــــــــــادي للفلاح
تودعني صباحا حين أغدو وترقبني بشــــــــــــــوق في الرواح
إذا ماالضر مس لها بنانا ونغــَّــــــــــــــص عيشها بعد انشراح
سألت الله أن ألقى أساها ولا أبقى سليما في الصحاح
أحق الناس بالرحمات بنتٌ وأولــــــــــــى بالمــــــــودة والسمـــــــــــــاح
بها وصى الرسول وكم وصاة له كانت سبيلا للنجاح([85])
وعندما
تبتلى البنت وتصبر على بلواها ينظر إليها أبواها بإكبار وإعجاب، هذه ابنة الشاعر محمد
حبيب يسجن زوجها بالطغيان السياسي فتربي ابنيها وهي تعاف الدنيا وزخرفها
الزائل، وتروح تتابع علمها بكل همة وجد، فيقول فيها :
لله درك يابنتي ياصابرة يامن صمدت لدى الظروف القاهرة
لم تنحني رغم الشدائد والعنا تتجاهلي رغبات روح غائرة
دنياك طفلاك عماد، مجاهد أحنيت فوقهما عواطف غامرة
فامضي رعاك الله عبر دراسة تعليك شأنا فالحياة مصابرة([86])
ولا ينسى الشاعر أن يوجه أولاده إلى مافيه خيرهم
في الدنيا والآخرة يقول صالح الجيتاوي :
عبد الرحمن أياولدي ياأمـــــــــــلا يكمن في خلَدي
أتكون عليما بالقرآن تدل النــــــــاس على السدد
وتحث الناس على الإحسان وهجر المنكر والفنَد
وتنافح عني تدعو لي بالرحمة والعفو الأبدي([87])
ويبتهج
يوسف العظم لأن ابنه عماد الدين صمد في البلد الأجنبي في وجه المنكر ويقول
:
رجم الشــــــــر فذُلَّ الشــــــرُّ وارتــــــــــــــــد
رجيما
ودعــــــــــا الله فلبــــــــــــاه رؤوفــــــــــــا
ورحيمــــــــــــــــــــا
كم طوت تلك المتاهات صبايا وشبابا
فتمــــــــردتَ عليها صادقــــــــا ترجـــــــو
ثوابـــــــــــا
وبدا النـــور على وجهـــــــــــــــك آمالا عذابا
ياعمـــــــــاد الدين لاتطرق لغير الله بابا([88])
وينصح
الشعراء الإسلاميون ألا تدع الأسرة أبناءها بين أيدي الخدم فتفسد تربيتهم ، يقول صالح
علي الأحمر([89]) على
لسان طفل أهملته أمه لتتسلى مع الجيران :
قد ذهبت أمي إلى الجيران وخلفتــــــــــــــــــــــــــني جائعا
أعاني
وأوكلتني لكمارا الخادمة تلك التي طول النهار نائمــــــــة
ولا ترى
الليل رغيد العيش إن لم يمر في قناة الـــــــــــــدش
ألقيتِني في حضن أجنبية تعلفــُــــــــــني كآلـــــــــــــة غبيــــــــــــــــــــــــــــــةْ
فأين ياأماه دفءُ الحب يضمُّني في قلبك المحب([90])
وعندما
يرزق الشاعر بحفيد له يبتهج ، يقول د. عبد الجبار الزيدي في حفيد سمي باسمه
:
أنت عبد الجبار أغلى سميّ أنت أدنى لخافقــــــــــي من وريـــــــــــــدي
ضحك الجد في سرور وغنى فاطربي اليوم أم بكري وجـــــــــــــودي
أنا جــَــدٌّ قد أتعبتني الليالي هل أرى فيك راحـــــــــــــــــــــــة للجـــــــــــــدود
هل تراني أعيش حتى أربيـــ ـــك بنـــــــــــــــــور القـــــــــرآن
والتوحيـــــــــــــــــــــد
أسأل الله أن أراك إماما تأمـــــــــــــــر النــــــــــــــــــاس
بالتـــــــزام الحدود([91])
وللأخوة مكانتهم أيضا ، وهذا د. عثمان مكانسي
يرسل إلى أخته رسالة يعبر لها عن شوقه إليها فيقول :
ولأختي أبعث أشواقي من قلب صب تواق
إن طال زمان البعد فبعـــ ـــد البعد دنوٌّ وتلاق
وسلاما أرسله عطرا بلسان أخيك المشتاق([92])
ولما
توفي الشاعر بدر ىالدين الحامد رثاه أخوه الشاعر محمد الحامد بلوعة حارة
ودموع غزيرة، وذكر فضائله عليه وأخلاقه وشاعريته فقال :
يالها ليلة كوتــــــــــــني بنـــــــــــــــــاري طالعــَــــــتــــــــــني باسوأ الأخبـــــــــــــــــــــار
غاب فيها بدر فطال سهادي وتوارى أنســــــي وشـــــــب أواري
لهفَ نفسي عليه أمسى وحيدا ولقــــــد كان نزهــــــــــــة السمــــــار
يمــــــــــــــــلأ القوم حكمة وبيانــــــــــــا ونظيمــــــــــــا من طيب الأشعــــــــار
كنت في حـــُـــــجره صغيرا يتيما فــــــــــــــرعاني رعـــــــــــايــــــــــــــة
الأبـــــــــرار
حاطني من حنانه بإطــــــــــــــار وبه انجاب غيهب الأكدار([93])
[1] - الشاعر عمار عدنان شيخوني من حلب وديوانه دموع
وشموع / 43
[2] - محمود الطاهر الصافي شاعر من محافظة البحيرة
بمصر له ديوان انتصار الإيمان: معجم الأدباء الإسلاميين 3/1311والشعر في / 1312
[3] - سبحات ونفحات / 48
[4] - حسن بن يحيى الذاري من بلدة الذاري باليمن له
ديوان قذائف اللهب وبراكين الصحوة وأنوار الفجر: معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 325
والشعر في 327
[6] - من الشعر الإسلامي الحديث / 95
[7] - عبد الرحمن طيب بعكر شاعر ( 1945-2007م) شاعر
من حضرموت اليمن له ديوان وكتب : معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 685
[8] - من الشعر الإسلامي الحديث / 288
[9] - أسامة كامل الخريبي من الدقهلية بمصر ولد
1961م لد دواوين ومسرحيتان شعريتان: معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 178والشعر في نفسه
[10] - أحمد فرح عقيلان ( 1924-1997م) شاعر من
الفالوجة بفلسطين له ديوان جرح الإباء، ولابأس، والبردة الجديدة : معجم الأدباء
الإسلاميين 1/ 150
[11] - مجلة الأدب الإسلامي م10ع39 س1424هـ 2003م عبد
العزيز بن صالح العسكر ، أحمد فرح العقيلان صاحب الأدب الأصيل / 68
[12][12] - الشيخ زكريا بن سليمان آل الشيخ الملقب
بالمفدى ( 1908-1977م) شاعر من الجزائر شارك في ثورتها له ديوان إلياذة الجزائر ،
اللهب المقدس، تحت ظلال الزيتون : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1384، وموسوعة
ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
[13] - خنافيس هيبي فئة من الشباب الفاسد يقلدون شباب
الغرب بكل مفاسدهم، وقد انتشروا منذ السبعينات في بلادنا الإسلامية بتأثير الفكر
الإلحادي الذي ساد فيها .
[14] - إلياذة الجزائر / 133 ومثلها في ديوان محمد
جميل العقاد / 455
[15] -ديوان محمد جميل العقاد / 109
[16] - قادمون مع الفجر / 93
[18] - مجلة الأدب الإسلامي م45ع19س1419هـ 1998م رفعت
محمد بروبي ، قصة مدمن / 36
[19] - ديوان مشاهد من يوم القيامة / 49 والقصيدة
تمتد حتى ص 55
[20] - سمعت
من أناس أعرفهم أنهم أكلوا دجاج كنتاكي من مطاعم أمريكية فأسقطوا أجنتهم وأصيبوا
بعد ذلك بالعقم، وسمعت بصفقة لحم ملوثة دخلت إحدى البلدان العربية، ولعل الشاعر اطلع على مثل هذه الأخطار .
[22] -من رسالة للشاعر في 2005م
[23] - محيي الدين عطية شاعر من القاهرة ولد 1934م لد
دواوين منها نزيف قلم : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1330
[24] - مجلة الأدب الإسلامي م5، ع19، س1419هـ ، محيي
الدين عطية ، القطار /103
[25] - مشاهد من يوم القيامة / 41
[28] - شذرات / 163-172
[29] - ديوان محطات / 59
[30] - نقوش على واجهة القرن الخامس عشر /53
[31] - سبحات ونفحات / 46-47، ومثلها لمحمد التهامي
في ديوانه ياإلهي / 44
[32] - الإسلام في المعترك الحضاري / 41
[33] - معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 268
[34] - في رحاب الأقصى / 116
[35] - ديوان ياإلهي / 46، ومثلها في ملحمة النصر /
45 ونجاوى محمدية / 177
[36] - نقوش على واجهة القرن الخامس عشر / 60
[37] - شذرات / 31
[38] - من مخطوطه صوت الحق
[39] - نقوش على واجهة القرن الخامس عشر / 42
[40] - ديوان بائعة الريحان / 49
[41] - عبد العزيز الرفاعي( 1341هـ-1414هـ) شاعر
سعودي كان له مجلس يوم الخميس يجتمع فيه الأدباء والنقاد، له ديوان ظلال ولا
أغصان: مجلة الأدب الإسلامي عدد خاص لعبد
العزيز الرفاعي م14 ع54 ربيع الأول 1428هـ 2007م / 33 ، والشعر في 42
[43] - سورة النحل / 72
[46] - ديوان شذرات / 116
[47] - وميض قلب / 69
[49] - قادمون مع الفجر / 95- 98
[50] -ديوان إشراق / 223
[51] - ديوان الغريب / 64
[52] - البيكو لفظة فرنسية تستعمل في شتم المسلمين
واحتقارهم في شمال إفريقيا، أما (البكوية) فلفظ تشريف في مصر يسمى (بيك وتنطق بيه
) : إلياذة الجزائر / 147 والشعر في الصفحة نفسها .
[53] - محمد مصطفى حمام ( 1906-1964م) شاعر من
الدقهلية بمصرن نشر شعره في الصحف المصرية : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1257 ،
والشعر في 1258 .
[54] - معاذ محمود نحاس شاعر من حلب ولد 1977م له شعر في مجلة الأدب الإسلامي: من رسالة من
زوجة الشاعر في 2012م
[55] - مجلة الأدب الإسلامي م5ع20س1419هـ، معاذ محمود
نحاس ، إلى أبي الغالي /84 - 85
[56] - رسول التوحيد / 84
[57] - إنصاف بخاري شاعرة من السعودية هي عضو في
رابطة الأدب الإسلامي: شاعرات معاصرات/65 ، والشعر في / 94
[58] - ديوان محمد جميل العقاد /458
[59] - رسول التوحيد / 82
[62] - من رسالة للشاعر في 2009 والقصيدة قالها في
عجمان في 20/9/1998م
[64] -نبضات قلب /94
[65] - معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1145
[66] -ألوان طيف / 157، ومثلها في مع الله / 153
[67] - عمرو النامي شاعر ليبي ولد 1939م في قرية
نالوت ، له مؤلفات إسلامية منها ظاهرة النفاق في إطار الموازين الإسلامية : معجم
الأدباء الإسلاميين 2/ 935 والشعر في 937
[68] - من رسالة الشاعرة في 2001م
[69] - ألوان طيف / 362، ومن الشعر الإسلامي الحديث /
17
[70] - مجلة الأدب الإسلامي م5 ع19 س1419، د. عبد
القدوس أبو صالح ، أمي الحبيبة / 112
[71] - معجم الأدباء الإسلاميين 3 / 1171
[72] - معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 488
[73] - تراتيل في محراب الوطن / 99
[74] - شذرات / 33
[75] - من رسالة للشاعر في 2011م
[78] - نفسه / 24-25
[80] - رياحين الجنة / 25
[83] - أشعار من زمن القهر / 16
[84] - يحيى حاج يحيى شاعر سوري من جسر الشغور ولد
1945م له ديوان في ظلال المصطفى ، وعلى أبواب كابل : معجم الأدباء الإسلاميين 3/
1469
[86] - من رسالة للشاعر في 2009
[87] - شعراء الدعوة الإسلامية 10 / 73
[88] - في رحاب الأقصى / 229-230
[89] - صالح علي الأحمر شاعر من اليمن ت2011مكان رئيس
تحرير مجلة بث اليمنية وله شعر متناثر في الدوريات : الموقع الإلكتروني
[90] - مجلة الأسرة صفر 1418هـ تموز 1997م صالح علي
الأحمر ، رسالة على لسان طفل رضيع /28
[91] - من رسالة للشاعر وقد قال القصيدة في حفل عقيقة
الطفل في 12/11/2008م
[92] - نبضات قلب / 95
[93] - معجم الأدباء الإسلاميين 3م 1096 وشعراء
الدعوة الإسلامية 10 / 60
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق