هذه
القاعدة من مقتضيات العقيدة الإسلامية ومن مسلمات الفكر الإسلامي، ولذلك قد يبدو
إيرادها غريباً في مثل هذا المصنف، ولكن القارئ الكريم لا يخفى عليه حال الأمة
وحال من ينسبون أنفسهم إلى العلمانية ومواقفهم المعلنة من مسألة الاحتكام إلى
الشريعة، حتى اضطر كثير من علماء الأمة ومفكريها لتبيين هذه الحقيقة، ومع هذه
المواقف المعلنة في العداء للشـريعة وللداعين لتحكيمها لا تعدم من هؤلاء مَن يَنسب
نفسه، أو يُنسب إلى التوسط، وقد يتخذه شعاراً لناديه أو لحزبه؟!.
ونحن
ننبه في هذه المقام بإيراد هذه القاعدة: أنه لا وسطية من غير الاحتكام إلى الشريعة
الإسلامية، ومن دون الرضا بها قانوناً ودستوراً للحياة.
وقد
شرح هذا المعنى الإمام الشاطبي، رحمه الله، بكلام نفيس فقال تحت "تشعب طرق
الحق وبيان كون الشريعة حجة على الخلق": "اعلموا أن الله تعالى وضع هذه
الشريعة حجة على الخلق، كبيرهم وصغيرهم، مطيعهم وعاصيهم، برهم وفاجرهم، لم يختص
بها أحداً دون أحد، وكذلك سائر الشرائع، إنما وضعت لتكون حجة على جميع الأمم التي
تنـزل فيهم تلك الشريعة، حتى إن المرسلين بها، صلوات الله عليهم، داخلون تحت
أحكامها.
فأنت
ترى أن نبينا محمـداً صلى الله عليه وسلم مخاطـب بها في جميع أحواله وتقـلباته.
فالشريعة
هي الحاكمة على الإطلاق والعموم، عليه وعلى جميع المكلفـين، وهي الطريق الموصل
والهادي الأعظم، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما
كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا).
{سورة الشورى: 52}.. فهو عليه الصلاة والسلام أول من هداه الله بالكتاب والإيمان،
ثم من اتبعه فيه، والكتاب هو الهادي، والوحي المنـزل عليه مرشد ومبين لذلك الهدي،
والخلق مهتدون بالجميع".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق