كانت نهاية عبد الرحمن بن حبيب بمقتله على يد أخيه
وقائد جنده إلياس بن حبيب سنة (137هـ/754م)، الذي نادى بنفسه أميراً على القيروان
رافعاً ألوية العباسيين الذين انتصروا على الأمويين وباتوا خلفاء المسلمين، ونشبت
الحرب بين إلياس وابن أخيه حبيب، وانتهت بمقتل إلياس سنة (138هـ/755م). ويصف لنا
ابن عذاري في بيانه لقاء العم مع ابن أخيه قائلا:
فلما التقيا ناداه حبيب: لم نقتل صنائعنا وموالينا وهم
لنا حصن ؟ ولكن ابرز أنت وأنا، فأينا قتل صاحبه استراح منه، فناداه الناس: قد
أنصفك يا إلياس! فخرج كل واحد منهما إلى صاحبه ووقف أهل العسكر ينظرون فتطاعنا حتى
تكسرت قناتاهما ثم تضاربا بسيفيهما، وعجب الناس من صبرهما، ثم ضرب إلياس حبيبا
ضربة نفذت في ثيابه ودرعه ووصلت إلى جسده، وضرب حبيب عمه إلياس ضربة أسقطته ثم أكب
عليه فحز رأسه وأمر برفعه على رمح، وأقبل به إلى القيروان فدخلها وبين يديه رأس
عمه ورؤوس أصحابه.. في عام (138هـ/755م)، فكانت ولاية إلياس إلى أن قتل نحو سنة
وستة أشهر. وانتهى أمر بني حبيب إلى فوضى محزنة، فقد خاف عبد الوارث بن حبيب عم
حبيب بن عبد الرحمن على نفسه ففر مع بعض أنصاره إلى قبيلة (ورفجومة) الزناتية
واستغاث برئيسها عاصم بن جميل وكان خارجيا صفريا، فخرج هذا وقومه إلى القيروان،
وخرج إلى لقائه حبيب بن عبد الرحمن فانهزم وفر من وجه عاصم، وبقي أهل القيروان
وحدهم ليدافعوا عن القيروان بوجه الخوارج الصفرية، وخرجت جماعة منهم يقودها القاضي
(كريب بن أبي كريب المعافري) والتقوا مع الصفرية فتفرق الناس عن ابن كريب، وثبت هو
في الميدان وقاتل قتال المؤمنين الأبطال حتى سقط شهيداً، وقد استشهد معه نحو ألف
ممن صمدوا معه، ودخل الصفرية القيروان فاستحلوا المحارم وارتكبوا الكبائر ونزل
عاصم بن جميل بمصلى روح بن حاتم المهلبي، ثم استخلف على القيروان عبد الملك بن أبي
الجعد اليفري، وتمكن هذا من قتل حبيب بن عبد الرحمن الذي حاول العودة إلى القيروان
في المحرم من سنة (140هـ/757م).
وباستيلاء الخوارج الصفرية على القيروان غدا المغرب
كله تحت رحمتهم، وبدا وكأنهم سينشئون فيه دولة خارجية في المغرب تعذر عليهم
إقامتها في المشرق.
ولكن الله سبحانه وتعالى جعل الخلاف يدب بين الخوارج
الصفرية والخوارج الإباضية حيث غضب الإباضية لما فعله الصفرية في القيروان، فنهضوا
بقيادة أبي الخطاب بن عبد الأعلى بن السمح المعافري الذي انتصر انتصارا كبيرا على
الصفرية في صفر من سنة (141هـ/758م) ودخل القيروان، وأقام عليها عبد الرحمن بن
رستم وعاد هو إلى طرابلس.
وهكذا بدأ الخوارج يتناقلون السلطة في القيروان،
وانتدب أهل السنة وفدا إلى بغداد لمقابلة الخليفة أبي جعفر المنصور العباسي على
رأسه قاضي القيروان عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ليطلبوا إنقاذهم من حكم الخوارج
المارقين.
وعهد الخليفة العباسي إلى عامله على مصر محمد بن
الأشعث محاربة خوارج المغرب، ولكن أبا الخطاب تمكن من إلحاق هزيمة منكرة بجيش ابن
الأشعث الذي أرسله لهذه الغاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق