هكذا مضت قصة السوريات المستعبدات عبر أسوأ شركة
اتجار بالبشر، ولم يقل فلاسفة السيادة الوطنية في لبنان شيئاً عن هذا اللون من
اللجوء الأسود الذي كان يفترض أن يقاوموه ويردوا فيه اللاجئين على أعقابهم
ويعاقبوا مافيا الاتجار بهم، ولكن على ما يبدو أن فريق السيادة لا يهتم إلا
باللاجئين الذين لا يحققون دخلاً قومياً لكازينو لبنان.
لم يطلَّ وزير ترحيل المهجرين ليقول إن مجرمين
لبنانيين قاموا بارتكاب أسوأ مافيا اتجار بالبشر ومارسوا عليهم السجن والسحل والتعذيب
لاستيفاء أعمال قذرة يصعب شرحها وتفسيرها وتبريرها، ولم يقل إن الحفاظ على الأمن
اللبناني أفضل من الحفاظ على سمعة لبنان!! يبدو أنه لا يرى في مافيا الاتجار التي
تعزز من قدرات حارات الليل البيروتي اي تلطيخ لسمعة حكومته.
قد لا تكون أفظع الشبكات ولا أسواهن، ولكها أسوأ ما
تم الكشف عنه حتى الآن، والمخفي أعظم.
أما التفاصيل فقد ملات الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي،
ولا نحتاج إلى مزيد على ما صرحت به الجهات المسؤولية في لبنان، وتحديد العصابة من 18 مجرما يعملون مشتركين بانتظام في جريمة استعباد
75 امرأة معظمهن من السوريات اللواتي لا يملكن اي حماية اجتماعية في سبيل جني
ثروات سوداء عن طريق الرذيلة والفحشاء.
تعمل النسوة لمدة 20 ساعة يومياً. وهنّ مضطرات لأن
تتواجدن بكامل أناقتهن في أماكن العمل منذ العاشرة صباحاً، ويستمر العمل إلى
السادسة صباحاً، وفي حال لم يرضَ مشغلو النساء عن شكلهن؛ يتم عقابهن، والعقاب
يتضمن الجلد والضرب. وقد يصل معدل الزبائن التي تُجبر الفتاة على معاشرتهم يومياً
نحو 10 زبائن، وفي تفاصيل أخرى يندى لها الجبين ولا أستطيع أن أقولبها بقالب
الكلمة، فالعذاب الذي يطل منها أكبر من أن تحتويه الكلمات.
فإلى متى يستمر مسلسل القهر هذا، ومتى سيشعر النظام
في سوريا بأنه نكب بلاده أفظع ما نكب شعب
في الدنيا وأنه أذاق الناس من ألوان العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على قلب بشر.
يكتقي فلاسفة النظام ومنظروه بالقهلهة بصوت عال على
شاشات التلفزة وهم يقولون إن البلد تتنظف من الخونة والمنافقين، وهذا النزوح ضروري
تماما لنحصل على سورية جديدة يعيش فيها من يدافع عنها وعن مراقدها ومقابرها
وآلهتها وجلاديها.
ولكن ماذا بعد اللطم والعويل؟
القصة لا يجوز أن تنتهي عند هذا، فهناك مسؤولية
مباشرة على الهيئات الحقوقية لمطاردة المجرمين القساة، وتقديمهم إلى المحاكم عبر
مذكرات قضائية مباشرة ومتابعة، ومسؤولية أخرى على المؤسسات الاجتماعية لاحتضان
هؤلاء البنات الشاردات، ومسؤولية ثالثة على الخطاب الديني لإعادة تأهيل هؤلاء
الضحايا، وإعادة دمجهن في مجتمعاتهم بعيداً عن سواطير الشرف والعار التي لا يزال
بعضهم يعتبرها فتوة ورجولة.
أعتقد أن ما يقدمه المجتمع الدولي عموماً يكفي لرد
الحاجة عن كل لاجئ، وتأمين كفاية في الطعام والشراب والدواء ، ولكن المسالة هي
مسألة إدارة، وإدارة الأزمات في الحرب تتطلب خبرات ومسؤولية، إنها دعوة للاستنفار
عبر شباب التطوع الرائع الذي يبذل دوماً بدون حدود، وهي من وجهة نطري أقدس ما يكافح فيه أهل الثورة
والوطنية والشرف.
المنظمات الأهلية التي ترصد وجع النساء وحاجاتهن
وتعمل على تنظيم الغوث والعون بأداة احترافية هي رسالة مقدسة، وحين يكتب القدر
لهذا اللون من الكفاح عناء الشهادة فهي أبر أنواع الشهادة، وأعتقد ان أدب الثورة
مدعو أن يلتفت إلى هؤلاء المجاهدات الثائرات اللاتي لا يحملن رصاصاً ولا بندقية
ولكنهن يتقدمن إلى مواعيد الموت بأسرع مما يتقدم إليه الفدائيون.
مطلوب من المؤسسات الدينية خصوصاً مبادرات متتابعة
لمحو آثار هذه الخطيئة، حيث يتحول كثير من الخطباء إلى جلادين يمارسون عون الشيطان
على أخيهم وهم لا يشعرون، ويتسببون في أوضار ومآسي لا تفلح عقاقير الدنيا في رفع
أوضارها، ولا يرفعها إلا الوعي الديني الأصيل....
كان الشيخ بدرالدين الحسني كبير شيوخ الشام يقصد
بيوت الليل بعمامته وجبته وقفطانه ويضع في يدي بنات الليل ليرات سورية ويقول لهن
اذكرنني بدعائكن.....
كانت هذه المبادرات أكثر ما يدفعهن إلى الانتباه من
الدرب الأسود الذي يندفعن إليه وقد صرفت هذه الليرات البسيطة بدلالتها النبيلة
عشرات منهن عن طريق الغواية وردتهن إلى الحياة المستقرة.
إنه ليس ابتداعاً بدرياً حسنياً.. بل هو سنة نبوية
كريمة وفي الحديث: تصدق بصدقة فوقعت في يد زانية فقال الناس تصدق على زانية فتقبل
الله صدقته، لعلها أن تستعف بصدقته.
إنها مسؤولية كبيرة على الخطباء أن يدركوا وجع
الكلمة اللئيمة وأثرها في الراتعات في الخطايا، فكيف إذا كان هؤلاء لا ذنب لهن
فيما جرى، إلا القدر السوء والحظ التعيس، وتم بيعهن كإماء وجواري، ثم وجدن أنفسهن
في كهف الموت يمارسون الموت كل يوم أو يرجعن إلى سواطير الشرف والعار.
لا أطمع أن يكون خطباؤنا على نهج الشيخ بدر الدين،
ولكن على الأقل أن نتفهم عناء الناس وندرك عذاباتهن، وأن ربك وحده يعلم المفسد من
المصلح، وكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
إنها مسؤوليات مباشرة نقدمها لكل من يعالج هذه
الكارثة الرهيبة، ولكن الجانب الأكثر أهمية هو كيف يمنع هذا أن يحصل مرة أخرى،
وبعد أن أسمعنا العالم مواجعنا، وبعد أن طاف في الناس شريط الآلام والأحزان، فهل
يتعين أن ننتظر حتى يظهر الشريط الجديد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق