من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها القائد هي أن يكون
قدوة في سلوكه وأخلاقه، حتى يكون أثره في نفوس أتباعه وجنوده ومرؤوسيه ...
إيجابياً وقوياً.
ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بالقادة الذين تحلوا بهذه
الصفة، بدءاً من القدوة الأكمل، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهاء بعدد كبير
من القادة في عهده صلى الله عليه وسلم وفي العهود التالية كذلك .
ونحن هنا نذكر نماذج مما حفظته السيرة النبوية والتاريخ
الإسلامي في هذا المضمار :
1. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جنوده، يعيش بينهم
بجسمه وروحه، كما يسكن في قلوبهم ومشاعرهم ...
كانوا إذا جاعوا وجدوه جائعاً، وإذا عَصَبَ أحدهم على
بطنه حَجَراً، من شدة الجوع، وجدوه قد عصب حجرين ! وإذا خرجوا إلى الغزو في يوم
فاقة مشى راجلاً كأحدهم، وإذا شاركوا في عمل كان أول المشاركين وأعظمهم ... ولم
تكن مشاركته لمجرد قص الشريط، أو الإيذان ببدء " المراسيم " وسط تصفيق
الجماهير المحتشدة ... لا .
لقد حفروا الخندق، فكانوا يلوذون إليه كلما اعترضتهم
صخرةٌ كأْداء، فكان يهوي عليها بمعوله ويقول : الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشام
... ثم يضرب ضربة ثانية، ويقول : الله أكبر، أعطيتُ فارس، ثم يضرب الثالثة ويقطع
بقية الحجر ويقول : الله أكبر، أعطيتُ مفاتيح اليمن .
وكانوا إذا فزعوا من أمر وجدوه أول من يستطلع الخبر، وقد
سمع المسلمون في المدينة ذات ليلة صوتاً، فحسبوه غارة، فخرجوا قِبَل الصوت فوجدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً لتوِّه يطمئنهم ويقول : " لن تُراعوا إن
شاء الله "! .
وعليّ بن أبي طالب سيد الشجعان، كرّم الله وجهه، يقول :
كنّا إذا حمي الوطيس، واحمرت الحِدَق، نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم
يكن أحد أقرب إلى العدو منه!.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤْثر نفسه بشيء
من الغنائم والمغانم دون أصحابه، بل كان يُؤْثرهم على نفسه، حتى إنه ليذبح الذبيحة
فيوزع لحمها ولا يكاد يدع لنفسه وأهله منها شيئاً .
وعلى خطاه سار أصحابه والقادة من بعدهم :
عندما افتتح القائد المسلم عتبة بن فرقد بلاد أذربيجان
وغنم الغنائم، كان فيما أرسله مع بعض جنوده إلى عمر أمير المؤمنين نوعٌ من طعام
فاخر، فلما ذاقه عمر قال : إن هذا لطيّب ! أكُلُّ المهاجرين أكَلَ منه شِبَعَه (
أي أكل منه حتى شَبِع ؟ ) قال الجندي : لا، إنما هو أَمْرٌ خَصَّكَ به . فكتب
إليه: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد . أما بعد : فليس من
كَدِّك ولا كدِّ أمك، ولا كدّ أبيك! . لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم".
[ من كتاب فتوح البلدان ] .
وشبيه بهذه الحادثة، لما انتصر أبو عبيد بن مسعود في
معركة السقاطية على الفرس في شعبان 13 هـ، وكانت قبل موقعة الجسر، جاءه مجموعة من
دهاقنة السواد بأنواعٍ مِنَ الأطعمة الفارسية الفاخرة، ليكرموه بها، فقال :
أأكرمتم كل جنودي بمثل هذا ؟ قالوا : لم نفعل بعد، وإننا فاعلون. فرفض أبو عبيد
الطعام وقال: " لا حاجة لنا فيما لا يسع الجند . بئس المرء أبو عبيد إن صحب
قوماً من بلادهم فاستأثر عليهم بشيء " ...
وفي اليوم الثاني عادوا فقدموا له الطعام وأعدُّوا للجيش
كلِّهِ مثلَه، فقال : الآن نعم، وأكل .
وكان أستاذ العسكرية وعبقري الحروب، سيف الله خالد بن
الوليد يضرب أروع الأمثلة في الشجاعة، حتى ملك قلوب جنوده، وطار ذكره في الآفاق،
حتى إن أخباره تسبقه مسيرة شهر فيدبُّ الرعب في قلوب أعدائه ... ولم يحضر معركة
إلا حَرَص على مقابلة القائد الخصم فإما قَتَلَه، وإما أَسَرَه، ولقد حدثتنا كتب
التاريخ عن قادة عمالقة فرُّوا منه فمات بعضهم في صحراء العراق عطشاً ! .
ولما حضرتْ خالداً الوفاة بكى لأن يموت على فراشه وقال :
" ما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ بسيف، أو طعنة برمح، وها أنذا أموت على
فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".
فهكذا كان القادة، وهكذا يجب أن يكون من يتصدى للقيادة!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق