حث الإسلام على المطالبة بالحقوق والإصرار
عليها وعدم التفريط فيها، حتى لو كان مقابل ذلك روح الإنسان، فجعل من مات دون عرضه
وماله شهيداً، وهذا ما أدركه السوريون جيداً في ثورتهم؛ فبعد مرور خمسة أعوام على ثورة
الشعب السوري، ودخولها في عامها السادس، نلاحظ أن أعظم ميزة لهذه الثورة هذا الصمود
المذهل، وهذا التحدي الكبير، وهذا الصبر اللافت؛ فلو أردنا لها عنواناً عريضاً، نقول
بلا تردد: إنها ثورة الصمود؛ لأنها واجهت عدواناً مباشراً، وآخر غير مباشر، يفل الحديد،
ويدك الجبال، ويهد الصخور، لكنها صمدت، كما قوبل العدوان، بخذلان واضح، ومؤامرة كونية،
ورغم هذا صمدت.
قامت الثورة سلمية، تطالب بالحرية
والعدل والكرامة، ولما كان نظام البطش والإرهاب والإجرام في سورية لا يفهم سوى لغة
واحدة في التعامل مع مخالفيه - وهي لغة القمع والقتل وإرهاب السلطة - لم يكن منه إلا
أن سلط شبيحته وجلاوزته وأجهزته الباطشة القامعة، على أبناء هذا الشعب الثائر، فارتكب
مجازر وحشية، وما الكيماوي إلا مفردة من مفردات الفظائع، التي ارتكبها هؤلاء المجرمون،
في ذلك البلد الميمون واجه الشعب القتل والإجرام بصبر وتحدٍّ، وصمد أمام آلة إرهاب
النظام صموداً عجباً، رغم جسامة الخطب، وفاتورة الموقف الباهظة.
ثورة فوق التصنيف
ظن النظام إن هي إلا أيام، ثم يقضي
على هذه الثورة، فهذا خياره، وليس في أجندته أي خيار آخر، فصار يتخبط في توصيف هذه
الثورة، وينعت أصحابها بنعوت مضحكة، وشر البلية ما يضحك؛ تارة يقول عنهم: مندسون، وأخرى
عملاء، وثالثة سلفية، ورابعة إخوان، وخامسة وسادسة.. ولكن الوقائع أكدت أن هذه الثورة
الشعبية العارمة فوق التصنيف، وأكبر من أن يستأصلها هذا النظام - كما زعم - بين عشية
وضحاها، وإن الذين خرجوا ثائرين مستعدون للتضحية بالغالي والرخيص، حتى يتحقق ما من
أجله خرجوا، فتكسر النظام على صخرة صمود هذا الشعب الميمون.
ولما رأى نظام «الولي الفقيه» صاحب
المشروع الخطر، والمخطط والهدام، حليف نظام سورية الإستراتيجي، يتهاوى أمام صلابة ثورة
الشعب، تدخل حتى ينقذ النظام من السقوط، لأنه يشعر أنه بسقوط نظام البغي في سورية سينقصم
ظهره، وينكسر العمود الفقري لمشروعه الطائفي، ولو لم يتدخلوا لسقط النظام خلال فترة
وجيزة، وفعلاً دخل نظام الجريمة في إيران المعركة بكل لوازمها، وزج بإمكاناته كافة،
وحرك أذرعه السيئة في كل مكان، من أمثال «حزب الله» اللبناني، وقائده مجرم الحرب نصر
الله، وكتائب طائفية قدمت من العراق، ومن بعض البلدان الأخرى، من الموالين لنظام الولي
الفقيه لمساندة النظام، وارتكاب أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب السوري في القصير والقلمون،
وغيرها من البلدات السورية.
من هنا نعرف حجم الجريمة التي ارتكبها
نظام إيران، بحق أبناء الشعب السوري وثورته المباركة؛ مما حفر في ذاكرة السوريين حقيقة
هذه المأساة بكل مفرداتها، لتكون ثقافة أجيال قادمة في عالم المصاب الأليم.
لكن نظام إيران وأذرعه الإجرامية لم
يكن الطريق أمامها سهلاً، ولا طريقاً مفروشاً بالورود، أو معبَّداً بالرياحين، وكانوا
يظنون كذلك، حتى تبجح حسن نصر الله مراراً وتكراراً بقواته «الباسلة»! وبأنها سوف تسحق
التكفيريين، وستصنع عجائب النصر! وكانت المفاجأة لهم أن وجدوا أبطالاً صدموا بثبات
الثوار وصبرهم، وجهادهم ورباطهم، وقوتهم وتضحيتهم، وصارت قوافل توابيت قتلى الغزاة
الظالمين المعتدين تترا إلى الضاحية الجنوبية، فوجاً إثر فوج، والنوح في كل بيت، فخاب
فألهم، واندحروا خائبين، وانهزموا شر هزيمة، بعد أعوام من القتال الذي لا يبقي ولا
يذر، رغم أنهم سخرت لهم جميعاً أموال دولة نظام إيران، ومما يجبى من خمس المرجعيات
الظلامية.
همجية الدب الروسي
وعجز النظام وحلفاؤه الطائفيون أن
يقضوا على الثورة ويستأصلوها، كما زعموا، بعد ذلك عقدوا معاهدة فاجرة مع نظام روسيا؛
من أجل أن ينقذ الموقف؛ لأن النظام الروسي تحت يده دولة عظمى، وترسانة أسلحة، لا تبقي
ولا تذر، وهو ثاني أكبر قوة في العالم، ومن الدول الخمس دائمة العضوية، هنا لجأ رأس
النظام، ومن معه من ناسجي خيوط عناكب الفتنة، إلى أسلوب الخيانة العظمى، وطريقة الغدر
الأكبر، باستقدام الروس؛ حتى يحققوا لهم ما يصبون إليه، وصارت آلة الطائفيين تنشر خرافاتها
عن فضل الروس، أنصار الحسين وآل البيت، وحملة راية رفع المظلومية.
وجاء الدب الروسي بهمجيته المعهودة،
وقسوته المعروفة، ونفسيته السادية المعلومة، وأدواته الفتاكة، ووسائله الحديثة، وصاروا
يصبون جام غضبهم على أبناء الشعب السوري من المدنيين، وعلى كتائب الجيش الحر، وكتائب
الثوار من الذين خرجوا يبحثون عن الحرية والعدل والكرامة، بينما «داعش» الذي جاء بحجته،
لم ينله منه شيء، بل ظهر التنسيق بينهم وبينه، كما وضح الترتيب الدقيق بينهم وبين النظام.
إن الروس قتلوا كثيراً، وهذا واضح،
خصوصاً من الأطفال والنساء والشيوخ، وهناك أسر بكامل أفرادها ذهبوا ضحية قصفهم الظالم،
والروس استطاعوا أن يدمروا كثيراً من منازل المواطنين، وفعلاً عملوا على تخريب ما بقي
من بنية تحتية، وهذا أمر مرصود وموثق، ونتيجة قصفهم الهمجي رحل مئات الألوف عن بلدانهم،
وصاروا نازحين على الحدود التركية، كل هذا حصل، ولكن هل استطاع الروس - رغم جرائمهم
الفظيعة - أن يسقطوا الثورة، أو أن يقضوا عليها؟ سؤال غاية في الأهمية.
والجواب عنه واضح لمن يرقب المشهد
عن كثب، هو أن الثورة مستمرة، والصمود شعارهم، والاستعداد للتضحية دثارهم، فهم صامدون
حتى يتحقق النصر، وتقوم دولة العدل والحرية والكرامة في سورية.
دورنا المنتظر
إن صمود هذا الشعب وتضحيته ثمنه باهظ،
والشعب السوري ينتظر من العرب والمسلمين وأحرار العالم أن يقفوا إلى جانبه، في مشروعه
الحضاري، الذي يطالبون به، وينادون بمبادئه، ومما يريدونه:
- ألا ينسى كل مسلم على وجه الأرض
الدعاء لأبناء الشعب السوري وثورته المباركة؛ حتى يتحقق النصر على المعتدين، ويقيموا
دولتهم المنشودة، التي عنوانها العدل الذي هو جماع الحسنات، وأقترح عليكم هذا الورد
اليومي، ترددونه صباح مساء: «اللهم انصر شعب سورية على القوم الظالمين المعتدين يا
منتقم يا جبار، اللهم انصر من نصر شعب سورية، وارفع عنه الويل والضيم، يا رب أيد ثورة
هذا الشعب بجند من جندك يا كريم، اللهم ارفع البلاء عن شعب سورية، اللهم ارحم شهداءهم،
واشف جرحاهم، وآوِ مهاجريهم ونازحيهم ولاجئيهم ومشرديهم، وأطلق سراح أسراهم، برحمتك
يا أرحم الراحمين، اللهم كن مع الأرامل واليتامى والضعفاء، يا من بيده كل شيء، وهو
على كل شيء قدير».
- قف مع هذا الشعب الصامد، ولو بشطر
كلمة، تناصرهم بها، فرب كلمة لا تلقي لها بالاً تكون سبباً في خير كثير، اكتب مقالة،
أو تغريدة، أو قصيدة، أو غير ذلك من جهاد الكلمة.
- الجمعيات والمؤسسات التي تعمل من
أجل هذا الشعب الصابر المصابر المرابط، كثيرة - بفضل الله تعالى - فتعاونوا معهم في
المجالات كافة؛ فالأمر لا يقتصر على المأوى والطعام والشراب - رغم أهمية هذا الجانب
- ولكن دعم مشاريع التنمية والتعليم والدعوة من المشاريع المهمة.
- الإعلام جيش جرار مهم، فلا بد من
تخصيص مساحات واسعة لقضية هذا الشعب تتناسب مع حجم المشروع، وعظم الكارثة، ولا يصح
أن تغيب القضية السورية عن الإعلام ساعة من ليل أو نهار.
- كونوا سفراء خير أينما كنتم وحيث
حللتم لهذا الشعب المنكوب، وهذه الثورة المباركة، تذبون عنه كيد الكائدين، وشائعات
المغرضين، وتشويه المشوهين، وطعن الطاعنين، وتلفيق الملفقين، فالأعداء كثر، وغفلة الصالحين
مشكلة كبيرة، فالتحديات لا يستهان بها، والعقبات تحتاج إلى تعاون كي نتجاوزها، ولسان
أبناء سورية يردد: «إنا صامدون».
وأنتم يا أبناء شعب سورية، اعلموا
أن الأيام حبالى بتحديات جسام، وعقبات كبار، تكون مخاضاً لميلاد مبارك، بعون الله تعالى،
وهذا يرتب عليكم جملة من الواجبات، ويلزمكم بمجموعة من المهمات، منها أن وحِّدوا صفوفكم،
واجمعوا كلمتكم، ورتبوا أولوياتكم، أعمِلوا قواعد الشورى، واتركوا الفردية والأنانية،
وخططوا بشكل علمي، واحذروا الارتجال، وردود الأفعال، وضعوا المرء المناسب في المكان
المناسب، وابتعدوا عن المحسوبية والشللية والمحاباة، وخذوا بالأسباب في كل أبوابها،
وعليكم بطاعة الله تعالى، واجتنبوا معصيته، وعماد النجاح بناء المشروع بلغة العمل الجماعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق