بسم الله الرحمن الرحيم
في خضم الأحداث المتسارعة المتصاعدة على ألأرض السورية وتقلب الأمور التي
تمور وتفور حد الغليان وفي صخب انفجارات الصواريخ الفراغية والبراميل العشوائية
وأطنان المتفجرات المنهمرة وتحت تأثير الألوان الفاقعة من أحمر الدماء إلى سواد
الدمار والركام....في خضم كل ذلك تضيع المعاني والموجبات والأهداف ضياعا عن عمد من
فئة وعن جهل من فئة وعن عجز من فئة ثالثة.
في معنى الثورة عموما وفي بال
الثوار السوريين خاصة أنهم انتفضوا بدون حسابات سياسية علمية منطقية أو دراسات
جدوى رصينة مسبقة ...وفجروا عنفوانا ثوريا هائلا أذهل الجميع ودفع الجميع لإعادة
الحسابات... واستقر في بال الثوار فورا أن لو تَرك الثوار الأمور للمعارضين
السياسيين والأكاديميين الباحثين لما قام حراك مؤثر ضد نظام الأسد لمئات السنين
القادمة لوجود سوابق وأدلة ووثائق ودراسات تشير إلى وحشية غير مسبوقة عند هذا
النظام تجاه الشعب السوري بل تجاه الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري مع تنسيقات
خطيرة قديمة حديثة مع كل أجهزة الاستخبارات في الدول القوية فيما يخص سورية
والمنطقة.
واليوم معنى الثورة يضيع باتجاه
منطق الحسابات السياسية الاكاديمية
الرصينة التي أصلا لم تُطبق أو تُعتمد في كل الأحداث العالمية الدولية من
مئة سنة على الأقل وما ُطبق كان دائما وفق قوانين السمسرة والصفقات والمؤامرات
والتقاسمات خلف الأبواب وفي الغرف المقفلة ونجد وسائل الإعلام تستضيف وتكثر من
استضافة الأكاديميين وآراءهم في الشأن السوري والشأن السوري يعاندهم ويفاجئهم
باستمرار.
وفي موجبات الثورة السورية كان
هناك موجبات شاملة شديدة للثورة ضد النظام وتكاد تكون موجبات الثورة السورية ليس
كمثلها موجبات في كل التاريخ المكتوب في جزأيه الموثق والأسطوري...فتكاملت في
سورية الموجبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية والعروبية والاسلامية
...حتى تردي التعليم والصحة والخدمات وتلوث البيئة بالنفايات النووية المدفونة
أوجب الثورة على الشعب السوري المنهك المنتهك ضد نظام مستبد فريد غير مسبوق.
واليوم موجبات الثورة السورية
تُنسى ويتم تجاهلها وعدم التطرق لها ونجد الأضواء تُسلط فقط على ما فعل النظام بعد
الثورة وتحولت المواجهات الإعلامية والعروض الفضائية إلى اثبات جرائم النظام بعد
الثورة ورتب النظام حملة مضادة فيها المفبرك والمضخم ليجعل المسالة في الإجرام
ردود أفعال متبادلة وأن لا أحد أسوأ من الآخر وليس أمام الآخرين إلا أن يدعوا كل
الأطراف لنبذ العنف ووقف انتهاك حقوق الإنسان ونسي الجميع سوابق النظام وطبيعته المتجذرة
منذ تأسيسه وما أوصل إليه مؤسسات الدولة والمجتمع من فساد كبير يكاد يكون ممنهجا ذو أصول مرعية ثابتة.
وفي الأهداف التي انطلقت الثورة
السورية من أجلها ركز النظام ومن معه على تضييعها وتمييعها وبذلوا كل الجهود
لاستبدالها وتقطيعها والثوار السوريون لم يقصروا أبدا في توضيح وتلخيص أهدافهم منذ
البداية في انتفاضتهم فأعلنوا "الشعب يريد اسقاط النظام "وقالوا النظام
فشملوا بشار الأسد وكل أجهزته القمعية ومؤسساته المساندة لنظامه وكرروا هتافهم في
الأيام الحاضرة واضعين برنامجا واضحا ملخصا مستمرين عليه أمام المفاوضين وكل
العالم.
النظام السوري والميليشيات
المساندة له والدول الداعمة المنفذة معه أصروا على الدمار الشامل والقتل الجماعي
ليصلوا إلى مرحلة تغيير أهداف الشعب المنتفض من اسقاط النظام إلى وقف النزيف
والدمار وفعلوا ذلك عامدين متعمدين وبشكل مخطط مبرمج وانساقت مع هذا المنطق فئة من
المعارضين عن جهل وغفلة فنجد كثيرا منهم ينجرف متحمسا وإذا أشرنا له أن هدف الشعب
هو اسقاط النظام أصلا قال نريد وقف النزيف وكأننا لا نريد نحن ذلك...
واستسلم لهذا المنطق آخرون عن عجز
وضعف فالحاضنة الشعبية للثورة وصلت أو بعبارة أصح أوصلت إلى حد فاق الانهاك والإعياء....و
نجد بعض الثوار الأصليين الأوائل أو بعبارة أدق من بقي منهم نجد بعضهم متسمرا مذهولا
يقول لصاحبه : ويْ ويْ لقد خرجنا نريد الحرية وطالبنا بإسقاط النظام فإذا بنا نواجه العالم وكأنه يجب علينا
إن أردنا الحرية أن نسقط بشار وبوتين ومرجعية الولي الفقيه وأوباما والعالم أجمع.
لقد جعلوا جميعا الأهداف المرجوة
أمامنا أهدافا تعالج المضاعفات ولا تعالج الأسباب ولفتوا الانتباه بعيدا عن موجبات الثورة الأصلية.
نحتاج اليوم إلى توضيح وتوعية لكل
الفئات ...توضيح وتحذير حتى إلى الفئة الساكتة الراكنة ...
يجب على الجميع أن يعلم أن تهدئة
المضاعفات لن يفيد في شيء ابدا بل هو إجراءٌ وهم يلفت الانتباه عن سبب المرض
العضال ويؤدي الى استفحاله...
إذا اكتشفت مرضا عضالا خطيرا
ووصلتَ إلى تشخيصه وعلمتَ عملية علاجه الجذرية الشافية فلا تكتف بتهدئة أعراضه بل
عالج سببه وفي الأسباب أمران متلازمان: أهمهما الكائن المسبب (ميكروبا كان أو كتلة
خبيثة )...وثانيهما الظروف المساعدة للكائن المسبب فإن أردت شفاءا كاملا
دائما فعليك بالتخلص من الكائن وظروفه وإن
كان السبب كتلة سرطانية وكان عليك الخلاص بعملية جراحية طالت وتطول فاستمر فيها
للنهاية فأمل وحيد في إجراء لابديل عنه خير لك من موت لم يعد بطيئا كما كان قبل
الثورة بل أضحى عاجلا مبيدا لا يترك لك حتى أثر قبر صغير في وطنك .
د. أسامة الملوحي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق