منذ أن بدأت الثورة السورية قبل خمس سنوات .. وقوى
الطغيان العالمي .. والإستكبار الدولي .. وشياطين الإنس والجن .. يعملون بكل جهد
وقوة .. وبمكر ودهاء .. تكاد تزول منه الجبال لوأد الثورة والقضاء عليها ..
والتخلص من قادتها .. والمشرفين عليها بقتلهم بشتى الطرق .. تارة بالطائرات بدون
طيار ..وتارة بالبراميل المتفجرة .. وتارة بالمفخخات .. وتارة ...
وحينما لم تنفع هذه الوسائل في تحقيق ما يريده
الأعداء .. لجأوا إلى زرع الفتنة بين الفصائل المجاهدة .. وتمزيق صفوفها .. وشرذمتها
إلى طرائق قدداً .. والعمل على تشويه صورة بعضها .. واتهامها اتهامات باطلة .. فيها
كثير من الغلو .. والمبالغة .. والشطط .. والكذب والبهتان .. وتحريض الفصائل بعضها
على البعض .. لسفك دمائها بحجج واهية .. مفتعلة ..
وحينما لم تؤت هذه الوسائل أيضاً أكلها .. كما يخطط
الأعداء .. ويريدون .. أغووا بعضها بالحل السلمي مع نظام الأسد .. والذي في حقيقته
.. استسلامي .. انبطاحي .. انهزامي .. وأجبروها بالقوة .. على الدخول في معمعة
المفاوضات .. ودهاليز الخيانة ..
وقبلت هذه الفصائل المشاركة فيما يسمى العملية
السلمية .. وأرسلت وفودها .. لأن قادتها – للأسف – ضعفاء الإرادة .. خائروا
العزيمة .. منهزمون داخلياً .. ونفسياً .. غير جادين .. ولا صادقين .. ولا مخلصين
في العمل على تحرير سورية من الطاغية الأسد ..
يتظاهرون أمام شاشات التلفاز .. وأمام وسائل
الإعلام .. بالعنتريات الصورية .. ويطلقون التصريحات النارية .. المزمجرة .. بتهديد
ووعيد الأسد .. وأنهم سائرون .. وعاملون على إسقاطه لا محالة ..
ولكن حقيقة الأمر .. قلوبهم خاوية ..
وهذا يعود إلى أنهم .. لم يعتمدوا ابتداءً على الله
وحده أولاً .. وإن كانوا يرفعون لافتات مكتوب عليها .. إسمه تعالى شأنه .. ولم
يعتمدوا ثانياً على قواهم الذاتية ..
وإنما اعتمدوا على قوى ..وجهات خارجية .. وهذه
القوى .. أنها لا تعطي شيئاً لوجه الله تعالى .. ولا لسواد عيونهم .. وإنما هم
تجار .. يقدمون شيئاً للفصائل .. مقابل أن تقدم الفصائل الطاعة .. والولاء ..
والإنقياد للتعليمات .. والأوامر ..
ولو أن لديهم نية صادقة في الجهاد .. لانضووا كلهم
في مجموعة واحدة .. طالما أنهم كلهم لهم هدف واحد .. والتغاضي عن بعض الشطحات ..
أو الغلو .. التي يمكن بالمناصحة ..والمكاشفة التخلص منها مع الأيام .. ولوفروا
على أنفسهم إثم سفك دمائهم .. وتجنبوا التذلل إلى الخارج لطلب المساعدة .. ولحققوا
النصر منذ زمن بعيد .
وجاءت الآن المرحلة الأخيرة لإنهاء الثورة ..
تمهيدا للحل الإستسلامي .. والتصالح مع الأسد .. ومن ثم التوجه جميعاً يداً واحدة
لمحاربة الفصائل المشاكسة .. المعاندة .. الرافضة للإستسلام تحت لافتة ( محاربة
الإرهاب ) .. فأتت التعليمات .. والتوجيهات السامية للفصائل المشاركة في المفاوضات
.. بتوجيه السلاح الآن حصراً .. نحو الفصائل الأخرى الرافضة للعملية السلمية ..
الإستسلامية .. بحجج أنها تكفيرية .. متشددة .. متطرفة .. خوارج .. وإن كان في ذلك
شيء من الحق .. إلا أنه حق .. يُراد به باطل ..
وكل هذه
المبررات .. والمسوغات .. ليست إلا
خزعبلات .. وزعبرات لا تنطلي إلا على غوغاء .. وغثاء .. ورعاع المخلوقات
البشرية .. وإن كان بعضها يدعي العلم الشرعي .. ويتظاهر أمام العامة .. أنه عالم
.. وداعية ..
ولو كان فيه مثقال ذرة مما يدعيه .. من العلم
..لتوجه إلى الإلتقاء مع هذه الجماعات المتطرفة .. وقدم لها النصح .. والإرشاد ..
كما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .. حينما التقى بالخوارج .. الذين
خرجوا عليه في معركة صفين .. واستطاع أن يقنع .. وينقذ ألفين من أصل ثمانية آلاف
وينضموا إلى صفه ..
ولا تشابه .. ولا تماثل بين خوارج ذلك الزمان ..
وبين ما يسمى الآن خوارج هذا العصر للأسباب التالية :
خوارج ذلك الزمان خرجوا على الخليفة .. وكان هو ولي
المسلمين الشرعي الوحيد ..
( عرّف أهل العلم الخوارج بتعريفات منها ما
بيّنه أبو الحسن الأشعري أن اسم الخوارج يقع على تلك الطائفة التي خرجت على رابع
الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب ، وبيّن أن خروجهم عليه هو العلة في تسميتهم بهذا الاسم، حيث قال
رحمه الله تعالى: "والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي لما
حكم"[1])
بينما هؤلاء خرجوا على الطواغيت .. وعبدة الطواغيت
.. ولم يخرجوا على ولي أمر المسلمين .. لأنه لا يوجد على وجه الأرض ولي للمسلمين
..
أولئك هم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم
بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ..
وعن أبي كَثِيرٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ قَالَ: كُنْتُ
مَعَ سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ
قُتِلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ، فَكَأَنَّ النَّاسَ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ
قَتْلِهِمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ
حَدَّثَنَا بِأَقْوَامٍ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ
الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَرْجِعُونَ فِيهِ أَبَدًا حَتَّى يَرْجِعَ السَّهْمُ
عَلَى فُوقِهِ، وَإِنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً أَسْوَدَ مُخْدَجَ
الْيَدِ إِحْدَى يَدَيْهِ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ لَهَا حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثَدْيِ
الْمَرْأَةِ، حَوْلَهُ سَبْعُ هُلْبَاتٍ فَالْتَمِسُوهُ؛ فَإِنِّي أُرَاهُ
فِيهِمْ. فَالْتَمَسُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى شَفِيرِ النَّهَرِ تَحْتَ الْقَتْلَى
فَأَخْرَجُوهُ، فَكَبَّرَ عَلِيٌّ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! صَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ .
بينما هؤلاء هم فروا من الكفر .. ومن ديار الكفر ..
ليقاتلوا في سبيل الله .
أؤلئك كانوا لا يقتلون إلا المسلمين .. الذين كانوا
مع علي رضي الله عنه .. بزعم أنهم جميعاً كفرة بما فيهم علي .. ولذلك تم التخطيط
لقتله .. وقتلوه ..
بينما هؤلاء هدفهم الرئيسي .. قتال النصيريين
والشيعة المجوسية ومن شايعهم ..
ويضطرون أحياناً .. إلى قتال الفصائل التي تبدؤوهم
بالقتال .. للدفاع عن أنفسهم .. وأحياناً أخرى هم يبادرون إلى قتال الفصائل .. بزمع
أنها تتعاون مع الأعداء .. وأنها أصبحت مرتدة ..
وهذا خطأ شنيع .. وغلو .. وتشدد لا مبرر له ..
وإني أستنكر هذا التصرف .. وأرفضه ..
ولكن على العموم هؤلاء لا يشبهون الخوارج .. وإنما
هم متطرفون .. متشددون ..
وفي نفس الوقت جاءت التوجيهات السامية .. بالتوقف
عن توجيه السلاح نحو نظام الأسد .. إلا من بعض المناوشات التهريجية .. التمثيلية
.. لخداع عوام الناس ..وتضليلهم .. وإيهامهم بأن المعركة لا تزال قائمة بين
الفصائل والنظام ...
وهكذا اشتدت المعارك بين الفصائل في الجنوب والشمال
.. وتركت النظام يستمر في إلقاء البراميل المتفجرة في الأماكن الأخرى من سورية ..
وفصائل أخرى لا تزال ملتزمة التزاماً كاملا بالهدنة .. لتحصل على شهادة حسن سلوك من
روسيا وأمريكا .
( فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور 63
السبت 2 رجب 1437
9 نيسان 2016
موفق السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق